يمكن التنبؤ بأن فرص تحسين العلاقات وتخفيف حدة الصراع السياسي بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران تبدو أفضل.
يُبشر 2022 بعام أكثر ايجابية خاصة ما يتعلق بتحقيق وفرة مالية وتحسن مضطرد في معدلات النمو الاقتصادي لدول الخليج.
العلاقات السعودية والإماراتية تسير نحو مزيد من فك الارتباط في ظل طبيعة سياسات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد استراتيجيات سياسية واقتصادية تنافسية لا تكاملية.
تصاعد الدخان الأبيض في فيينا بين إيران وأميركا سيدفع نحو فتح شهية الإيرانيين نحو ممارسة ضغوط على الحوثيين لصالح السعودية وهو ما سيرسم مساراً سياسياً أكثر إيجابية.
* * *
بقلم: عادل مرزوق
منذ نشوء مشيخات دول الخليج مروراً بفترة الرعاية البريطانية التي امتدت إلى نحو 150 عاماً (1820-1971) وصولاً للاستقلال، لم تكن علاقات هذه المشيخات، فيما بينها أو مع إيران مستقرة أو طبيعية.
كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وصعود الإسلام السياسي في المنطقة متغيراً وازناً وممتداً على أكثر من سياق، وهو ما عزز، بالنتيجة، من وجهة نظر دول الخليج العربية لإيران باعتبارها تهديداً جدياً لاستقرار هذه البلدان محدودة المساحة وشحيحة التعداد.
الخليج وإيران: دائرة السلام والحرب
ساهمت ذاكرة دول مجلس التعاون الخليجي وإيران الخصبة بنتائج الحرب العراقية الإيرانية (1980–1988) المدمرة، في أن يحرص الجميع أن لا تتطوَر أقصى وأشد حالات التوتر في منطقة الخليج إلى حرب يُدرك الجميع كلفتها وتداعياتها الكارثية.
في السياق ذاته، يصعبُ الرهان أو التعويل على أن مجموع التوافقات والمتغيرات الأخيرة، وبما يشمل شهية طاولات “الحوار” المفتوحة بين دول الخليج وإيران، تستطيع التأسيس أو الوصول إلى تفاهمات “صلبة” أو طويلة الأمد.
في الحقيقة، منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية والعلاقات بين دول الخليج العربية وإيران تمر بهذه التحولات، ما بين دعايات السلام وتعزيز التعايش السلمي والتعاون الإقتصادي بين دول الجوار والتفاهمات “الهشة” من جهة، والصراعات السياسية والمذهبية التي يتجنب الجميع أن تصل بهم إلى خيارات المواجهة المباشرة أو الحرب من جهة أخرى.
يُضاف لذلك أن طبيعة علاقات إيران وواشنطن غالباً ما كانت (المقياس) أو (المؤشر) الذي تعتمدهُ دول الخليج العربية في تحديد طبيعة علاقاتها مع طهران. وعليه، يمكن القول أن الجميع يسير في دائرة مغلقة من السلام الذي لا يكتمل والحرب التي لا تحدث.
وعليه، لا شك أن دول الخليج التي تبدو متسقة ومستعدة لفرضية وصول طهران لإتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة، هي أيضاً على استعداد لطي صفحة الحوار والمفاوضات والزيارات المتبادلة مع ظهور أي متغيرات أو مستجدات تتطلب عودة العواصم الخليجية لوضعية المواجهة السياسية والدبلوماسية مع إيران.
كذلك هو الحال في طهران التي لن تقدم أي تنازلات أو تفاهمات مع دول الخليج قبل أن تنجز اتفاقاً نووياً يتيح لها الفكاك من كماشة العقوبات الأمريكية، ما يسمح لها ببيع النفط وتحصيل مليارات الدولارات المجمدة التي ستُمكن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي من إحداث طفرة استثنائية في اقتصاد بلاده.
على أي حال، فيما يتعلق بالصراع مع إيران، تبدو منطقة الخليج خلال العام 2022 أكثر ميلاً للاستقرار وتثبيت التوافقات المؤقتة. ويبقى ملف حرب اليمن ومدى قدرة الرياض وطهران على انجاز تسوية وازنة – تضمن للحوثيين والرياض تقاسماً للسلطة – عاملاً محدداً ومهماً في رسم مسار العلاقات بين إيران وبقية دول الخليج؛ وبالأخص السعودية.
خلافات الإخوة: الاقتصاد أولاً
في ملف الخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وبعد “اتفاق العلا” في القمة الخليجية الحادية والأربعين التي انعقدت في مدينة العلا السعودية أوائل يناير من العام الجاري، لا يبدو أن دول الخليج في معرض الرجوع لأجواء الأزمة الخليجية التي عصفت بمجلس التعاون الخليجي منتصف 2017م.
ولئن كان تقارب قطر مع كل من الإمارات والبحرين يسير ببطء مع أبوظبي ومتعثراً مع المنامة، إلا أن العلاقات بين الرياض والدوحة – وهو المحور الأهم في الأزمة والأكبر تأثيراً – تبدو ايجابية وفي طريقها نحو المزيد من التعافي.
يجدر الإلتفات في هذا السياق إلى أن العلاقات السعودية والإماراتية تسير نحو المزيد من فك الارتباط. ونظراً لطبيعة سياسات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد استراتيجيات سياسية واقتصادية تنافسية – لا تكاملية – مع بعضها البعض، فإن كل من الرياض وأبوظبي ستكونان معنيتان خلال عام 2022، كلٌ على حدا، بصياغة سياساتهما ورعاية مصالحهما الخارجية وتعزيز قوتهما الاقتصادية مع توقع وفرة مالية وازنة جراء ارتفاع أسعار النفط الخام، وتعافي معدلات النمو في الاقتصاد العالمي.
خلال الأشهر الأربعة الماضية، لعبت الدبلوماسية الإماراتية دوراً استباقياً مقارنة ببقية دول الخليج. شمل ذلك الانفتاح وتحسين العلاقات الثنائية مع تركيا (زيارة ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا – 24 نوفمبر 2021) وإيران (زيارة مستشار الأمن الوطني، الشيخ طحنون بن زايد إلى إيران – 6 ديسمبر 2021) وقطر (زيارة مستشار الأمن الوطني إلى قطر 26 أغسطس 2021) ومحاولة عقد تسويات سياسية للعلاقات المأزومة وصولاً لتموضع إماراتي جديد خلال الفترة المقبلة.
في قطر، يمثل تنظيم مونديال كأس العالم آواخر 2022 في الدوحة الحدث الأهم للقطريين، وسيكون فرصة للبلاد نحو تحقيق قفزة في ايرادات الدولة بالتوازي مع إيرادات بيع الغاز التي تسجل أرقامًا قياسية (حققت قطر فائض ميزان تجاري بنحو 45.3 مليار دولار خلال الأشهر 10 الأولى من العام الجاري).
الأهم من ذلك، ستكون الدوحة ومختلف عواصم دول مجلس التعاون الخليجي وطهران، على حد سواء، معنية بالحفاظ على استقرار سياسي وأمني في المنطقة مع قدوم ملايين المشجعين من مختلف دول العالم لحضور مباريات البطولة الأولى عالمياً.
في البحرين، من المرجح أن تنحو الحكومة البحرينية نحو تبريد علاقاتها المتأزمة مع كل من قطر وإيران. وفيما تستعد البلاد لتنظيم انتخابات مجلس النواب في النصف الثاني من العام المقبل، من المتوقع أن تعقد الحكومة اتفاقاً مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان نحو ضمان المزيد من الاصلاحات الحقوقية، يشمل ذلك الغاء أحكام الإعدام الصادرة في حق معارضين واعادة الجنسية المسقطة لبعض السياسيين والصحافيين منذ عام 2011.
يبقى الرهان على أن يقدم ملك البلاد، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، على اصدار قانون بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية والمدنية يتيح لأغلبية المكون الشيعي والمعارضة القدرة على المشاركة في الانتخابات النيابية، وهو ما تسعى له عواصم غربية تمارس ضغوطاً سياسية على البحرين في هذا السياق.
في مسقط، من المؤمل أن تستمر السلطنة لعب دور الوسيط السياسي الأهم في المنطقة، سواءً في علاقات واشنطن ودول الخليج مع إيران أو في ما يتعلق بالحرب في اليمن.
داخلياً، وبعد سياسات اقتصادية “مغلقة” لعقود، تبدو عُمان أكثر انفتاحاً على استقبال الاستثمارات الخارجية، وبالخصوص القادمة من دول الخليج، ونظراً لما تمثله التحديات الاقتصادية وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام ونسب البطالة من أهمية، من المتوقع أن يحظى ملف التنمية الاقتصادية بالأولوية القصوى لدى الحكومة.
كذلك هو الحال في الكويت التي سيؤمن لها ارتفاع ايرادات مبيعات النفط القُدرة على تجاوز تعثرها المالي نسبياً. سياسياً، لعب العفو الأميري الأخير عن معارضين في الداخل والخارج دوراً حاسماً في ترطيب الأزمة السياسية الداخلية.
وفي انتظار أن تترجم هذه الأجواء خلال العام 2022 من خلال تعاون إيجابي بين الحكومة ومجلس الأمة لمعالجة الملفات السياسية والاقتصادية الملحة، تبدو البيئة السياسية الحادة والصدامية عائقاً حقيقياً وشبحاً يلاحق التجربة الكويتية ونجاعة مخرجاتها السياسية والإقتصادية؛ على حد سواء.
في الخلاصة؛ يُبشر العام 2022 بعام أكثر ايجابية. وبالخصوص ما يتعلق بتحقيق وفرة مالية وتحسن مضطرد في معدلات النمو الاقتصادي لدول الخليج. يمكن التنبؤ أيضاً، بأن فرص تحسين العلاقات وتخفيف حدة الصراع السياسي بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران تبدو أفضل.
يبقى أن تصاعد الدخان الأبيض في فيينا بين إيران والولايات المتحدة سيُمثل دافعاً مهماً لتكون شهية الإيرانيين مفتوحة نحو ممارسة المزيد من الضغوط على الحوثيين لصالح السعودية، وهو ما سيرسم مساراً سياسياً أكثر إيجابية؛ حتى حين.
* عادل مرزوق رئيس تحرير “مبادرة عين على الخليج”
المصدر| البيت الخليجي للدراسات والنشر
موضوعات تهمك: