استمرار أساسيات وسياسات الحروب الصليبية الغربية
فى مواجهة الفكر ال برز التطرف الكنسى الكاثوليكي في النصف الثاني من القرن العشرين التي ترى في الكنيسة “شعب الله” وتسعى إلى إقامة عالم كنسي مركزي (حاضرته الفاتيكان) وتضفي على البابا وعلى تعاليمه وتصرفاته صفة القداسة، وتغلق الباب في وجه أي حوار حول مسائل العقيدة أو الحياة الاجتماعية، وتقصر حق تفسير النصوص المقدسة على الكورية البابوية ورجال الإكليروس،وتنسب إلى البابا والكرادلة والمطارنة صفة العصمة،وهي تتسم كغيرها من الأصوليات بالعودة إلى الماضي،وبالرغبة في فرض قانونها عنوةً، وبادعائها امتلاك حقيقة مطلقة وناجزة في شؤون الدين والدنيا.
لكي لا تختلط الامور نرجو ان تقرأ:تعريف الطائفية والزعماء الطائفيين
وقد تجلت هذه السياسات المتشددة في موقف الفاتيكان من لاهوت التحرير في أمريكا الجنوبية بوجه خاص، حتى غدت مرادفة للاهوت الهيمنة مقابل لاهوت التحرير الذي يربط تحرير الإنسان التاريخي اجتماعياً وسياسياً بالتحرر من الخطيئة، ويضع مفهوم الخطيئة الاجتماعية (الفقر والاستغلال والاستعمار والاستبداد) مقابل مفهوم الخطيئة الشخصية (الخطيئة الأصلية)، ويقدمه عليه ويعمل على تحرير الإيمان من الاستعمار، ولم يكن موقف بابا الفاتيكان الحالى فرنسيس أثناء زيارته لميانمار.
التي استمرت ثلاثة أيام وتغاضيه لمأساة المسلمين في ميانمار وما يتعرضون له من اضطهاد ومذابح وحشية يرتكب فيها جيش ميانمار ومليشيات بوذية متطرفة،جرائم واعتداءات ومجازر وحشية ضد أقلية الروهينغا المسلمة، في أراكان والتى أسفرت الجرائم المستمرة منذ ذلك الحين عن مقتل آلاف الروهينغا.
اقرأ/ي أيضا: محاكم التفتيش الحديثة
ومن قبل تاريخيا فيما يعرف بالحروب الصليبية حيث حرض البابا أوربان الثاني في سنة 1095م الآلاف من الناس بالتخلي عن كل شيء و الذهاب الى القدس لتحريرها من السلاجقة بالمقابل فقد وعدوا بالغفران في الحياة الاخرى،وعند الوصول للقدس وكما كتب المؤرخ الانجليزي الشهير إدوارد غيبون -Edward Gibbon- فى كتابه (انحطاط و سقوط الامبراطورية الرومانية)… كانت الجرائم العنصرية ضد المواطنين العرب: ولمدة ثلاثة ايام اشبعوا نزواتهم بالذبح بدون تمييز إلى حد ان تعفن الجثث تسبب في انتشار العدوى،هكذا حصدت السيوف 70 الف مسلما”ولم تخل الأصولية الغربية الحديثة والمعاصرة من إدعاءات التفويض الإلهى وتمثيل الإله،واستخدامها فى تبرير الأعمال الإجرامية ضد الآخر وتجلت فى الحرب الإجرامية الأمريكية ضد العراق فقد أعلن بوش والذى مثل الأصولية الغربية بشكل واضح وسافر: “الله قال لي أن انهي الطغيان في العراق”.
اقرأ/ي أيضا: عدنان الأسد جاسوسا لإسرائيل.. كيف أخفى “قصر حافظ” الفضيحة؟
ويركز الكاتب على تاريخ جورج بوش من انتمائه إلى “كنيسة الإنجيليين المولودين الجدد في عام 1985″، بعد أن كان مدمنا على الكحول، وصولا إلى اعتقاد بوش بأنه “صاحب رسالة” وينطلق بورجر من هذه المرحلة إلى مرحلة ما بعد 11 سبتمبر التي استهلها بوش بإعلان “حملة صليبية على الدول الأعداء”وكما نشرت مجلة النيوزويك فى عدد 10 مارس 2003 م أن “إن أنصار بوش من الإنجيليين يأملون أن تكون الحرب القادمة على العراق فاتحة لنشر المسيحية في بغداد”..، وقد اعترف مسئولون في الإدارة الأمريكية يوم الأحد 18/4/2004م بأن بوش استخدم هذا التعبير للمرة الثانية، ووردت الإشارة الجديدة إلى “حرب صليبية”.
اقرأ عن صناعة الخوازيق في مقال: “برج العرب” فضائح ومشاهد وأسرار ورموز خفية
في خطاب لإدارة حملة بوش- تشيني الانتخابية عن البرنامج السياسي للرئيس الأمريكي ونائبه وحمل الخطاب توقيع رئيس إدارة الحملة “مارك راسيكوت”،وصدر في 3 مارس السابق،ويشيد الخطاب ببوش؛ لأنه “قاد حربًا صليبية عالمية على الإرهاب”،ووردت هذه الفقرة في سياق عرض أدلة على “القيادة القوية والثابتة خلال الأوقات الصعبة” للرئيس بوش، واعتبرت إدارة الحملة- في خطابها-ما فعله بوش في العراق وأفغانستان نجاحات قوية.
صدق أو لا تصدق: الدعارة سلاح الاسد السري
وفى هذه الحرب الصليبية أيضا استخدمت قوات المرتزقة بتعاقد أيديولوجي دينى صليبى بإعادة “دولة فرسان مالطا” كقوات تمثل الأصولوية المسيحية التي تهيمن على صناعة القرار في الولايات المتحدة والعالم الغربى وكما أشار محمد حسنين هيكل فى تحليله لكتاب”بلاك ووتر” للصحفى الأمريكى جيرمى سيكل، إلى التعاقد الدينى الأصولى الذى ربط بين الأدارة الأمريكية وبين شركة “بلاك ووتر”أكبر الشركات الأمنية المتعاقدة مع الإدارة الأمريكية في العراق،والتى تستخدم أدوات قتالية متوسطة وثقيلة وتستخدم الهيلوكبتر والمدرعات لتنفيذ أعمال قتالية وهجومية، وبناء على المعتقدات الأصولية المسيحية الإنجيلية والتى يؤمن بها الرئيس الأمريكى جورج بوش,وعلى الرغم مما تسببته احرب الصليبية الأمريكية الغربية على العراق من أكثر من مليون ونصف طفل اللي ماتوا خلال تسع سنوات، ولا يزال كل شهر يموت ستة آلاف طفل حسب إحصائيات الأمم المتحدة لم يتحرك الفاتيكان صراحة بتبرئة ذاته من الحرب الصليبية وإدانة العدوان الإجرامى الصليبى الأمريكى.
اقرأ/ي أيضا: من «الناتو العربي» إلى «حلف وارسو الجديد»
ويظل الإجرام الغربي تعبيرا عن تطور الخطاب الغربى الدينى واستمراره عبر عصور طويلة، ففى الحروب الصليبية استخدم لفظ الكفار وأصبحت واجباتهم هى الكفاح ضد”الكفار”وأصبح الفرسان هم “جنود المسيح” وأصبح انتصار الآخر هو انتصارا مستعرا للكفار لا تحريرا لأراضيهم وشعوبهم ومقدساتهم ولكنه انتصارا للكفارالمتعطشين لدماء المسيحيين، وكان تشكيل المجموعات الدينية المسلحة أحد الأدوات والوسائل الإيمانية من أجل استمرار السيطرة والغزو فعندما قامت الحروب الصليبية الأولى 1097م وتم الاستيلاء على القدس أنشأ رئيس المستشفى (جيرارد دي مارتيز) تنظيماً منفصلاً أسماه “رهبان مستشفي قديس القدس يوحنا” وقدموا مساعدات قيمة للصليبيين وسرعان ما تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين بفضل ريموند دو بوي (خليفة مارتينز)الذي أعاد تشكيل التنظيم على أساس عسكري مسلح باركه البابا (أنوست الثاني) 1130، حتى قيل: إن الفضل في بقاء مدينة القدس في يد الصليبيين واستمرار الحيوية في الجيوش الصليبية يعود بالأساس إلى فرسان الاستبارية أو الهوسبتاليين بجانب فرسان المعبد (Templars) وقد كان تشكيل تنظيم الهوسبتاليين ينقسم إلى ثلاث فئات:
1- فرسان العدل:الذين هم من النبلاء وأصبحوا فرسانا
2- القساوسة: الذين يقومون على تلبية الاحتياجات الروحية للتنظيم
3-إخوان الخدمة: وهم الذين ينفذون الأوامر الصادرة إليهم.
وهذا فضلا عن الأعضاء الشرفيين ويسمون الجوادين (Danats)) الذين يساهمون بتقديم الأموال والأملاك للتنظيم وبفضل عوائد هذه الأملاك وكذلك الهبات والإعانات(عُشر دخل كنائس بيت المقدس كان مخصصًا لمساعدة فرسان القديس يوحنا)أخذ نفوذ الفرسان ينمو ويتطور حتى أصبحوا أشبه بكنيسة داخل الكنيسة واستمر الموقف والأمل فى إعادة الفرسان مرة أخرى فقد عقدت منظمات الفرسان الصليبية اجتماعًا في جزيرة مالطا في أوائل ديسمبر 1990،هو الأول من نوعه، منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، قبل حوالي قرنين من الزمان، وكان الاجتماع مثيراً للغاية -كما قال (روجر جيورجو) أحد أولئك الفرسان الذين اجتمعوا بالجزيرة- وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمائة ـمعظمهم من القساوسةـ ينتمون إلى إثنين وعشرين دولة ولوحظ أن الفرسان الصليبيين المجتمعين اعتبروا هذا اللقاء خطوة باتجاه إحياء وإنعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية، حتى إنهم قرروا –بعد جولة واسعة في القلاع والقصور والتحصينات التي أقامها أسلافهم لتصفية الحسابات مع المسلمين في الماضي– التفاوض مع الحكومة المالطية لاستئجار واحدة من تلك القواعد في ميناء “فالتا” ـالعاصمةـ ليتخذوا منها مركزًا لنشاطهم.
اقرأ/ي أيضا: لمحة عن تجريم الطائفية وهي أهم عمل قامت به المعارضة السورية خلال ربع قرن.
وذكرت صحيفة “هيرالد تبيون” الأمريكية تفاصيل هذا الاجتماع في حينه قائلة: إن “الفرسان” توافدوا على الاجتماع، وقد ارتدى كل واحد منهم ملابس كهنوتية سوداء،يزينها صليب أبيض مزدوج الأطراف، ورأس الجلسات “الأستاذ الأعظم” الذي يقود المنظمة،وهو اسكتلندي سبق أن عمل في حقل التدريس،اسمه اندروبيرتي(60 سنة) وهو أول بريطاني يرأس المنظمة منذ عام 1277،كما أنه الرئيس رقم الثامن والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها،ويحمل رتبة “كاردينال”، ويرأس مجلسًا يتألف من ستة وعشرين “فارسًا” يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة وتدعمه أمريكا بقوة، وأصبح لهذا التنظيم علاقات دبلوماسية مع خمسين دول منها دول عربية ومسلمة كمصر والمغرب وتشاد كما أن مقرهم الرئيسي (قصر مالطا في روما) له بعض الامتيازات كدولة الفاتيكان، إذ إن لهم محاكمهم الخاصة وجوازات سفرهم الخاصة،بل ويصدرون طوابع بريد خاصة أيضًا.
ويكشف الباحثان الإيرلندي سيمون بيلز والأمريكية ماريسا سانتييرا اللذان تخصصا في بحث السياق الديني والاجتماعي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، عن أن أبرز أعضاء جماعة فرسان مالطا من السياسيين الأمريكيين رونالد ريجان وجورج بوش الأب رئيسا الولايات المتحدة السابقان، وهما من الحزب الجمهوري، كما يشير موقع فرسان مالطا أن من بين الأعضاء البارزين في الجماعة بريسكوت بوش وهو الجد الأكبر للرئيس الحالي جورج بوش الابن، وفى التقرير الذى نشرته مجلة “ذا نيشين” الأمريكية بعنوان “جيش بوش في الظل”. كشفت فيه عن الصلة الدينية التي تجمع بين إدارة بوش ومؤسس فرسان مالطا “إيريك برينس” من حيث أنه يشارك بوش في معتقداته الأصولية التي تهدف الي التمكين للصهيونية الصليبية في العالم، وينحدر في الوقت ذاته من عائلة جمهورية نافذة في ولاية “ميتشيجان”.. ولا يمكن -بحسب الباحثين- انتزاع تصريحات الرئيس بوش عقب هجمات 11 سبتمبر من هذا السياق حين أعلن شن “حرب صليبية” على الإرهاب وذلك قبيل غزوه لأفغانستان عام 2001 ولم تكن الكلمة زلة لسان.
اقرأ/ي أيضا: مزاعم التفرد الصهيونى الإجرامى المقدس
اقرأ/ي أيضا: الشعب المصرى امتلك الحق فى أن يثور عندما يزداد قهر السلطة
ويؤكد القس فريتس أن بوش ومن ورائه من الأصوليين المسيحيين واليهود في أمريكا يمثلون فلسفة دينية أساها العنف والكراهية والتكبر، في وقت تحتاج فيه البشرية إلى التواضع والإنصاف واعتماد النسبية في تقويم الأفراد والأمم، فلا يوجد بين البشر من هو شرير بشكل مطلق ولا مَن هو خيِّر بشكل مطلق، ولا يوجد في البشرية “محور شر” ومحور خير” كما يريد بوش أن يقنعنا بذلك اليوم ويعترف القس فريتس بحقيقة تأثير الدين في السياسة الأمريكية اليوم أكثر من أي وقت مضى، فيقول: “لم يحدث في التاريخ أن كانت أمريكا مسيحية سياسيا وبشكل علني مثل ما هي اليوم” لكنه يحذر بأن “اقتناعنا بأن الرب إلى جانبنا، يجعل الحاجة إلى مراجعة الذات وإلى التواضع أقل”.
اقرأ/ي أيضا: العلاقات الخليجية – الخليجية!
عذراً التعليقات مغلقة