الحرب والانتصار الوهمي

الساعة 2519 نوفمبر 2018آخر تحديث :
الحرب والانتصار الوهمي

الحرب والانتصار الوهمي

  • لم يكن «الوهم الكبير» الخوف من الحرب، بل إن الوهم كان الاطمئنان إلى السلام!
  • هل يتعلم قادة العالم المعاصر من تاريخ لم يعيشوا مآسيه المروعة؟
  • وهل يحتاج العالم إلى مبادئ جديدة لصياغة سلام جديد؟

بقلم: محمد السماك

في عام 1909 صدر كتاب للمؤرخ “نورمان أنجل” عنوانه «الوهم الكبير» The Great Illusion. والوهم الذي كان يقصده هو نشوب حرب في أوروبا.

قامت فكرة الكتاب على أنه لا يمكن أبداً أن تقع حرب جديدة لأن كل الأطراف المعنية باتت تدرك أن التكاليف البشرية والاقتصادية والاجتماعية للحرب مرتفعة جداً بحيث لا يستطيع أي من الأطراف المعنية تحمّلها.

وبسبب هذا الكتاب حصل المؤلف على جائزة نوبل للسلام، ولكن لم تمضِ سوى سنوات قليلة حتى انفجرت الحرب العالمية الأولى التي احتفل العالم بذكرى مرور مائة عام على انتهائها. وتبعتها الحرب العالمية الثانية، والتي كانت بمثابة استمرار للأولى.. وتبع الحرب الثانية الحرب في كوريا.. ثم في فيتنام.

لم يكن «الوهم الكبير» الخوف من الحرب، بل إن الوهم كان الاطمئنان إلى السلام!

ومن هنا جاءت النظرية التي تقول «إذا أردت السلام فاستعدّ للحرب». اليوم تملك كل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي وحدهما ترسانة نووية كافية لقتل كل كائن حيّ ست مرات على الأقل. وهذه الترسانة تتضخم باستمرار، وتتطور باستمرار أيضاً.

وقد انضمت إلى النادي النووي العسكري دول عديدة أخرى، منها ما هو معلن مثل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل والهند وباكستان، ومنها ما هو غير معلن. ويترافق هذا التصعيد في التسلح مع ما أطلق عليه المؤرخ الأميركي تيموثي سيندر «السياسة الأبدية»، وذلك في كتابه الجديد: «الطريق إلى اللاحرية».

ويضرب مثلاً على هذه السياسة ما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. وهو يتلخص في الأمر التالي: «إن كل شيء ممكن من خلال القوة. ومن خلال هذه القوة يمكن تغيير مجرى التاريخ». وهذا بالضبط ما تقوم به إسرائيل، ليس فقط في غزة والضفة الغربية، بل وعلى مدى الشرق الأوسط كله.

في عام 1948 قال الرئيس البريطاني ونستون تشرشل: «إن الذين لا يتعلمون من التاريخ محكومون بإعادته». ولذلك لم يجد تشرشل في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، سوى هدنة. ففي رأيه أن الحربين كانتا حرباً واحدة امتدت من عام 1914 حتى عام 1945.

يؤكد هذه النظرية ما ذكره المؤرخ الألماني الشهير “دانيال شونغلغ” في كتابه «حافة الهاوية». وفيه يقول «ما إن يموت الجيل الذي شهد الحرب، حتى يبدأ الاستعداد لحرب جديدة».

وتبين التحولات الاجتماعية – السياسية التي تعصف في أوروبا اليوم، كيف أن هذه الاستعدادات تجري على قدم وساق من خلال العودة إلى الشعبوية والوطنية الإلغائية للآخر، على غرار ما عرفته أوروبا من عنصريات فجرت الحرب السابقة، كالنازية والفاشية والشيوعية. في ضوء هذه التحولات ترن أجراس التنبيه والتحذير.

وقد أصدر المؤرخ “كرستوفر كلارك” كتاباً جديداً يشكل عنوانه جرساً في حد ذاته، وعنوان الكتاب هو «السائرون النيام» The Sleepwalkers. وفي هذا الكتاب يصور المؤلف أصحاب القرار وكأنهم يسيرون في نومهم نحو الهاوية.

من أجل ذلك تعمد على ما يبدو الرئيس الفرنسي ماكرون في الخطاب الذي ألقاه أمام عدد من قادة العالم في منتدى باريس للسلام أن يردد عبارة: «لن أكون واحداً من أولئك الذين يمشون وهم نائمون».

وهذا يعني أن الرئيس الفرنسي يوجه دعوة إلى رؤساء العالم إلى الاستيقاظ.. وإلى فتح عيونهم حتى يروا إلى أين تقودهم حركات الشعبوية المتطرفة في ضوء الترابط الشديد بين النمو الاقتصادي والعلمنة، والتقدم التكنولوجي.

أظهرت احتفالات باريس بالذكرى المئوية لتلك الحرب أن الذاكرة تحولت إلى تاريخ. أي إن مآسي الحرب وويلاتها هي مجرد صفحة مطوية من صفحات التاريخ. ومن هنا السؤال:

هل يمكن لقادة العالم المعاصر أن يتعلموا من تاريخ لم يكونوا جزءاً منه ولم يعيشوا مآسيه المروعة؟ وهل يحتاج العالم إلى مبادئ جديدة لصياغة سلام جديد؟

لقد كان الهدف من تلك الحرب إنهاء كل الحروب، فإذا بها –مثل كل حرب أخرى- تفتح أبواب جهنم على الجميع.

* محمد السماك كاتب وباحث وناشط لبناني في حوار الأديان والثقافات.

المصدر: الاتحاد – أبوظبي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة