بقلم: باسم الجسر
الأخضر الإبراهيمي يعرف أن مهمته مستحيلة طالما أن مجلس الأمن مقيد اليدين بالفيتو المزدوج الروسي – الصيني. وعلى الرغم من خبرته العريقة في ميدان حل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط، فإنه يجد نفسه، هذه المرة، أمام صراعات دولية وإقليمية ووطنية وطائفية متشابكة قلما عرف تاريخ الشرق الأوسط مثلها في العصر الحديث. ولسنا نرى أيا من الأطراف العالقة في حبال هذه الصراعات مستعدا للتراجع عن موقفه تسهيلا لبلورة أي حل سياسي بعد أن بلغت التجاذبات والمعارك ما بلغته، وسال من الدماء ما سال، وتهجر من المواطنين السوريين الأبرياء ما تهجر. فالنظام السوري بات يعرف، بعد عجزه عن قمع الانتفاضات الشعبية، أن الخيار الوحيد لديه هو مواصلة القمع والقصف والقتل، وأنه ممنوع عليه الاستسلام من قبل إيران. أما الانتفاضة الشعبية التي تحولت إلى حركة عصيان ثم إلى مقاومة مسلحة، فإنها أيضا باتت ممنوعة من التراجع، لا سيما أنها هي أيضا وجدت من يمدها بوسائل الصمود والمقاومة.
لا استسلام، إذن، حتى الآن من قبل النظام أو الشعب المقاوم، بل إصرار على الصمود والقتال. ولكن إلى متى.. شهر..؟ شهرين..؟ سنة..؟ سنوات..؟ إلى أن تتفكك قوات النظام العسكرية والمدنية؟ أم إلى أن تفرغ الساحة من مقاتلين مقاومين؟ أم إلى أن يتحول الشعب السوري برمته إلى مهجرين ولاجئين؟
إن المجتمع الدولي والدول الكبرى والدول العربية والإسلامية غير مسموح لها بأن تتدخل في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. بأي شكل من الأشكال، عن طريق مجلس الأمن أو بالضغط الاقتصادي أو بفرض عقوبات أو بمد المقاومة السورية بأسباب ووسائل الصمود، أو بفرض منطقة حظر جوي. قد يقول البعض إن كل دعم غربي أو عربي للمقاومة السورية سيقابله مزيد من الدعم الروسي – الإيراني للنظام السوري، وبالتالي فإن تضخم الدعم الخارجي المزدوج للفريقين لن يؤدي إلى حسم النزاع، بل إلى تصعيده وامتداده إلى كل منطقة الشرق الأوسط. ربما، ولكن أن يُترك شعب بأسره مخيرا بين الذل والموت والتهجير ليس أقل ضررا أو مأساة من توسيع النزاع لدفع القتال إلى حافة الحسم.
إن تحول الربيع العربي في سوريا إلى حرب أهلية كان منتظرا بسبب اختلاف أوضاع الحكم فيها وتعددية هويات أبنائها الطائفية، ومركزها الجغرافي وحلفها مع إيران، وكونها حجرا أساسيا في مشروع الهلال الشيعي – الإيراني الذي تعمل إيران على إقامته على حدودها إلى البحر المتوسط. وهو مشروع تقاومه الشعوب والدول العربية والدول الغربية، ولا تحبذه كثيرا روسيا والصين الداعمتان حاليا للنظام السوري. ولكن مهما اختلفت أوضاع سوريا عن أوضاع تونس وليبيا ومصر واليمن، فإن رياح التغيير والحرية والديمقراطية التي هبت على العالم العربي سوف تستمر في هبوبها على سوريا. ومهما طال الأمر والنزاع والقتال، فإن النصر في النهاية سيكون للشعب وللحرية وللإنسان، لا للمدفع والدبابة.
إن مراهنة النظام السوري على التوازنات الدولية وتضارب مصالح الدول الكبرى التكتيكية، لعبة ذكية ولكنها خطرة. فالمصالح تتغير. وكم ذهبت الصفقات بين الدول الكبرى بأنظمة وحكومات دول صغيرة. وإذا كانت سنة الانتخابات الأميركية حالت دون تدخل واشنطن في سوريا، فإن موعد الانتخابات بات قريبا. وأيا كان الرئيس الأميركي القادم، فإن أولى خطواته ستكون اتخاذ موقف أكثر تأثيرا على ما يحدث في سوريا. لا من أجل إنقاذ الشعب السوري فحسب، بل لإنقاذ منطقة الشرق الأوسط من امتداد ألسنة النار السورية إليها. وقضية المتفجرات التي كانت معدة للتفجير في لبنان لإحداث فتنة طائفية فيه، ليست سوى نموذج صغير لما ينتظر غيره من البلدان العربية إذا طالت الحرب الأهلية في سوريا.
لقد كثر الحديث مؤخرا عن تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية. كما أثيرت قضية الحكم الذاتي للأكراد على غرار ما حصل في العراق، وأنها مشاريع قديمة تراهن إسرائيل على إحيائها لمنع قيام طوق مصري – سوري حولها، بل ولتفتيت العشرين دولة عربية «المتحدة» لثلاثين أو أربعين دويلة عرقية وطائفية ومذهبية متخاصمة حكما. كما لم يتوقف الحديث عن الضربة الإسرائيلية أو الأميركية – الإسرائيلية للمفاعل النووي الإيراني. وعن الزاوية التي قد تطل منها إسرائيل لتفجير الوضع أكثر مما هو متفجر، ولخلط كل الأوراق، وربما لتعجيل حل أكثر من أزمة أو قضية شرق أوسطية. والسورية في طليعتها.