الحاكم السوري.. حب الحياة وكره الأحياء!

محرر الرأي14 أبريل 2012آخر تحديث :
muhdr gbwjd 738

muhdr gbwjd 738بقلم: محمد الرميحي
السؤال الأكثر إلحاحاً في الموضوع السوري هو لماذا طال زمن تحرير سوريا من قبضة القمع؟ الإجابة تأخذ تفسيرا طويلا، ففي مجال البحث عن الإجابة لابد من المرور على مفاتيح لفهم ماذا يجري في سوريا وماذا جرى في نصف القرن الماضي على الأقل حتى اليوم، فالحاضر السوري لا يمكن فهمه إلا عبر قراءة الماضي.

في بحثي لمحاولة الإجابة، ذهبت إلى كتاب الكاتبة الفرنسية دانيال لوشاك، المتخصصة في القانون والمهتمة بقضايا حقوق الإنسان، وكتابها المعنون «سوريا في عهد الجنرال الأسد»، الذي ظهر في آخر الثمانينات، وقد طافت بالكثير من الأحداث التاريخية والسياسية في سوريا الأسد وقدمت صورة شبه كاملة لهذا النظام. ما يفعله النظام الحالي في الشعب السوري هو امتداد طبيعي للنظام الماضي، فقد درس الكتاب تطور قبضة الأسد الأب على السلطة، وقالت عنه الكاتبة في وقتها إنه النظام الأكثر قسوة والأكثر ديكتاتورية في الشرق الأوسط. ملخص الموقف أن النظام الأسري الحاكم في سوريا محكوم بعقدة الاضطهاد التاريخي، الذي وقع على الطائفة العلوية في السابق، فأصيبت العائلة بخوف مرضي مزمن من الشريك في الوطن، ولم تفهم تغير الزمان واختلاف الظروف، فكانت وسيلتها للاحتفاظ بالسلطة عن طريق الطغيان غير المحدود مغطى بشعارات حديثة.
تتمثل ردة الفعل على العقدة التاريخية في عدد من الدروس التي تطبقها الأسرة الأسدية بحذق، منها:
أولا في الداخل: تحدث بهدوء واحمل هراوة غليظة. هذا كان التطبيق العملي للاحتفاظ بالسلطة واستمرارها، فقد أقام النظام الأسدي ما يقارب تسعة أجهزة مخابراتية تستخدم لإخضاع المشكوك في ولائهم، كما تقوم بمتابعة بعضها بعضا. توصف الكاتبة لوشاك 38 طريقة للتعذيب معتمدة في سوريا حافظ وبشار، منها الغسالة التي يضع المعتقل ذراعيه في فوهتها وتسحق ذراعيه وأصابعه، ومنها وضع قطعة قطن مغموسة بالكحول أو البنزين على أجزاء مختلفة من جسم المعتقل، ثم تشعل فيها النار، ومنها «العبد الأسود»، حيث يعلق الضحية إلى آلة كهربائية، وعندما يصل إليها التيار تدخل الإسفين الساخن في مؤخرة المعتقل، ذلك جزء مما نقلته الكاتبة مأخوذا من ملفات منظمة العفو الدولية، وسلسلة طويلة من وسائل التعذيب المعتمدة التي يضيق بها المقام هنا، والتي ضرب عنها المجتمع الدولي صفحا حتى اليوم.
ثانيا في الخارج: تحدث عن الشعارات واحمِ الحدود. في كل تاريخ النظام الأسدي لم يكن جادا في تحرير الأرض السورية، فقد كانت سيرة الأسد الأب وتبعه الابن، معتمدة على أن الشعارات هي الأهم من الأفعال، تنقل لنا الكاتبة لوشاك قصة لافتة، هي أن الأسرى الإسرائيليين الذين كانوا بعهدة النظام بعد حرب أكتوبر 1973 عوملوا معاملة حسنة، ولم يشكُ أحد منهم من سوء معاملة بعد عودتهم، كما يمكن تفسير قبول الدول الكبرى بقاء النظام – على شراسته في الداخل – إلى استعداده للحفاظ على هدوء كامل على طول حدوده مع إسرائيل، فالممانعة التي يشهرها في وجه الآخرين، هي ممانعة المس بالحدود لا غير، كما يفسر أيضا انسحابه السريع من لبنان، لما وجد أن هناك تهديدا حقيقيا لبقاء النظام.
ثالثا تحويل الجيش والسلطة الأمنية إلى جيش وسلطة أمنية عقائدية: في كل الدول هناك ما يسمى بالجيش المهني الذي له مواصفات معروفة، وله أيضا عقيدة قتالية محددة غالبا لها علاقة بالخارج لا الداخل، على مر السنين حوّل النظام الأسدي الجيش السوري إلى جيش عقائدي، كان هذا التحول عن طريق وضع رموز من الطائفة التي يثبت ولاؤها للأسرة الأسدية، وهي المكونة من أسر «شاليش، مخلوف، نجيب بجانب الأسرة الأسدية»، في قلب متخذي القرار في المؤسسات الأمنية ومؤسسة الجيش، أما الباقون وإن كانوا في مراكز متقدمة، فإنها مراكز صورية لا أكثر، منها موقع مصطفى طلاس، الذي تفرغ وهو قائد للجيش لأمور أخرى!
رابعا الأسرة: فعن طريق ثنائية القمع والفساد استطاع النظام الأسدي أن يناور من أجل هدف واحد، هو الحفاظ على السلطة للأسرة، فإما جزرة (ولو مهترئة) تقدم لناشطين أو هراوة ضخمة تقع على رؤوس من يحاولون أن يتساءلوا أو يطالبوا بالحريات (فالإجابات جاهزة) وإما أن تكون عبدا للنظام مسيرا أو تكون عميلا للخارج، ويُستخدم في ذلك مفردات وشعارات أمطرت الذاكرة السورية لعقود طويلة، كما استُخدم قانون الطوارئ سيئ الذكر، الذي صاحب كل سنوات النظام الأسدي، لإسكات الخصوم وتعزيز موقع الأسرة، وكان في قمة الهزل تسلم بشار نفسه السلطة وتغيير نصوص الدستور في يوم وليلة.
خامسا العصبية: شكّل النظام طوال هذه السنوات عصبية طائفية ضيقة، تغذت على تخويف للطوائف الأخرى وخوف منها، وحملت شعارات حديثة تخفي خلفها قوة باطشة لا ترحم، وسجونا مأهولة بأشكال من المعارضين، كل ذلك بسبب خوف مرضي دائم من فقدان الحكم.
لعل فيما سبق محاولة للإجابة عن سؤال: لماذا طال زمن تحرير الشعب السوري؟
إلا أن توصيف ما نراه اليوم يقودنا إلى إشكالية تجابه المعارضة السورية، فهي الآن في مرحلة «وقف إطلاق النار»، هذا إن تحقق، وهي مرحلة دفع فيها النظام، وتناسبه تكتيكيا، حيث تستقر القضية بعيدا عن المطالبة بالحريات إلى «وقف إطلاق النار»، وهو أمر إن استمر دون حراك في الشارع قد يقود إلى إطالة عذاب السوريين، المطلوب والمنطقي أن يتزامن وقف إطلاق النار والاشتباكات المسلحة مع قيام المظاهرات السلمية، والمطالبة بالحريات تحت سمع وبصر المراقبين الدوليين إن أتوا.
مرة أخرى تصف دانيال لوشاك الشعب السوري كما رأته بأنه «ودود، رزين، صادق، وشجاع» ولا أكثر دليلا على شجاعته من كل هذه القرابين البشرية التي يقدمها يوميا من أجل الحرية، فإن كان بعض النظام في سوريا يريد أن يصم آذانه ويتذرع بأشكال شتى من الذرائع ويتسوق كبار مسؤوليه في المتاجر الكبرى على الإنترنت بحثا عن الحياة، في الوقت الذي يقتل فيه عشرات الأحياء، فإن كل ذلك يقول لنا إن مستقبل سوريا القريب ليس مزيدا من القبضة الأمنية، بل انفراج إلى الحرية، فسوريا بكل تاريخها وأهميتها لا يمكن أن تستمر (كما في نظام الأسد) تابعا لقوة إقليمية أو مرتعا للفساد وساحة للقمع، ولا سجنا كبيرا يموت فيه الأحياء وهم واقفون.
آخر الكلام:
حتى لا نخدع أنفسنا، كل الثورات (بلا استثناء) هي نوع من الحرب الأهلية، الاختلاف في الشكل وليس في المضمون، فهناك قوى سياسية تريد بقاء الحال على ما هو عليه، وقوى تريد التغيير، نوع السلاح المستخدم في الصراع قد يختلف، إلا أنها حرب أهلية بين الماضي والمستقبل!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة