«مكر» الجنرالات في السودان والجزائر
- إنقاذ «النظام» احتل الأولوية عند الجنرالات بعد تأكد أن رياح التغيير قد هبّت بقوة، وأنه لا رادّ لها.
- أخذت الشعارات والهتافات «تتحرش» بالمؤسسة العسكرية وقادتها بحذر واستحياء تفادياً لاستفزاز يفضي لحمامات الدم.
- رفعت المؤسسة العسكرية شعار «تصفية النظام القديم ورموزه» و«تطهير البلاد من الفساد والفاسدين».
- الجنرالات لا ينتوون مغادرة السلطة ويراوغون حين يتعلق الأمر بتلبية مطالب الثائرين ويسعون للتسويف والمماطلة.
* * *
بقلم | عريب الرنتاوي
أظهرت المؤسستان العسكريتان في السودان والجزائر قدراً هائلاً من «المكر» والمراوغة، المتأتي من استمساكها بالسلطة وإصرارها على البقاء على رأس هرمها…
هذا ما تكشفت عنه وقائع الأسابيع الأخيرة التي أعقبت الإطاحة بكل من عمر حسن البشر وعبد العزيز بوتفليقة، وهذا ما تشي به الاحتمالات التي تستبطنها الأسابيع والأشهر القليلة القادمة.
فالجنرالات القائمون على المؤسستين، سرعان ما تخلوا عن «أولياء النعم»، وتدخلوا لعزل الرئيس الجزائري بعد عشرين عاماً من الحكم، والرئيس السوداني بعد ثلاثين عاماً…
إنقاذ «النظام» احتل مكانة الأولوية عند هؤلاء، سيما بعد أن تأكد لهم أن رياح التغيير قد هبّت بقوة، وأنه لا رادّ لها، هنا يحضر شعار إنقاذ الدولة، كوسيلة للتغطية على حرص دفين على إنقاذ ما تبقى من النظام.
غالبية الشعبين المنتفضين، لا تريد النظام بيد أنها تستمسك بالدولة وتخشى عليها، وقد تعلمت الدروس المرة، جيداً، من ليبيا واليمن والعراق… وعلى هذا الوتر الحساس، يعزف عسكريو البلدين.
بهذا المعنى، ونتيجة لذلك، نجح الجنرالات في كسب درجة واسعة نسبية من التأييد الشعبي، وعدّت الجماهير الغاضبة، المؤسستين العسكريتين بوصفهما جزءاً من «معسكر الثورة والتغيير»، لا بوصفهما فرسا رهان «الثورة المضادة».. هذا نجاح أولي، انعكس في هتافات الشوارع والميادين وشعاراتها كما لاحظنا.
لكن مع مضي قوى الثورة والحرية والتغيير في مسعاها لإسقاط النظامين، وليس استبدال صورة بصورة، وجنرال بآخر، من داخل المؤسسة ذاتها، ومن دون تغيير جذري يذكر، يضمن عدم الانتكاس إلى الوراء، بدأت الشقة تتسع بين الشارع الغاضب والثائر من جهة، والجنرالات في كلا البلدين من جهة أخرى.
وأخذت الشعارات والهتافات «تتحرش» بالمؤسسة العسكرية وقادتها، وإن بحذر وعلى استحياء، تفادياً للاستفزاز المفضي إلى حمامات الدم.
هنا تكشّف «مكر» الجنرالات عن حيل جديدة.. سارعوا إلى شن أوسع حملات الاعتقال، وفتح الكثير من ملفات «الفساد الكبير»، وإحالة العشرات من رموز النظام القديم، غالباً المدنية والقضائية إلى التقاعد (المعاش)، وتمت التضحية ببعض الجنرالات للحفاظ على حكم أغلبيتهم.
أودع سعيد بوتفليقة في السجن ومعه الجنرالان القويان طرقاق وتوفيق، وقبلهم عدد كبير من رجال المال والأعمال والإدارة.
وفي السودان، أودع الرئيس سجن «كوبر» بعد الإقامة الجبرية، وتم تحويل كوكبة من صحبه ومساعديه، إلى المحاكم بتهم تراوح ما بين الفساد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب وقتل المتظاهرين السلميين، كما تمت التضحية باثنين أو ثلاثة من كبار الجنرالات ممكن كانوا على مقربة لصيقة بالرئيس.
تحت شعار «تصفية النظام القديم ورموزه» و«تطهير البلاد من الفساد والفاسدين»، كانت المؤسسة العسكرية تنتوي تحقيق شيء آخر، مختلف تماماً! كانت تنوي:
أولاً؛ تصفية منافسيها في السلطة ومزاحميها على الحكم (هنا بدت الحالة الجزائرية أكثر وضوحاً من الحالة السودانية)،
وثانياً؛ امتصاص غضب الشارع وطمأنته إلى أن عملية التغيير جارية من دون توقف، أقله لضمان تفتيت المعارضات وشق صفوفها وخلق جدل وانقسام في أوساطها (هنا الحالة السودانية تبدو أكثر وضوحاً من نظيرتها الجزائرية).
الشيء الثابت في الحالتين السودانية والجزائرية، أن الجنرالات لا ينتوون مغادرة السلطة، وأنهم يلجؤون للمراوغة حين يتعلق الأمر بتلبية مطالب المحتجين والثائرين ويسعون للتسويف والمماطلة.
تارة بحجة احترام «مواقيت» الدستور و»هيبة» المؤسسات، وأخرى بحجة حفظ النظام والأمن والاستقرار، وثالثة من خلال محاولة البرهنة على أنهم، «العسكر»، ليسوا أقل «ثورية» من الثائرين أنفسهم.
الجنرالات في مساعيهم للبقاء في السلطة، يحظون بدعم خارجي كبير، عواصم دولية وإقليمية عديدة، لا تريد للتغيير في السودان والجزائر أن يكون جذرياً، ولا تريد لهاتين الدولتين أن تبلغا ضفاف الحرية والديمقراطية.
ففي ذلك نفي لمصالح هذه الأطراف، وقصة نجاح يخشون تكرارها في دول أخرى، والأهم أنهم يريدون لتأثيراتها و»عدواها» أن تبقى بعيدة عن حدودهم الوطنية.
معركة الانتقال الديمقراطي ما زالت مفتوحة في البلدين … لن تخضع المؤسستان العسكريتان للإرادة الجماهيرية الحرة، إلا إذا شعرتا أن مصير قادتهما لن يكون أفضل من مصير من سبقهم.
وأن الشعوب تعلمت دروس الانتقال جيداً، وأن إصرارها على إنجاز الانتقال، لا يضاهيه سوى استعدادها للمثابرة والتضحية والتحلي باليقظة والوعي والنفس الطويل والخيار السلمي ووحدة الصفوف.
* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني
المصدر | الدستور الأردنية
موضوعات تهمك:
الخزاما في الجزائر والفقع في السودان
صداع الثورة المضادة .. ماذا ستفعل؟
عذراً التعليقات مغلقة