أثارت تقارير غربية عن الأوضاع في الجزائر غضب السلطات التي وصفتها بالمغرضة كونها رسمت صورة سوداء عن البلد وغموض مستقبله في ظل مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة واستمرار غيابه.
وأصدر معهد “أميركان أنتربرايز” الشهر الماضي تقريرا قال فيه إن الجزائر على حافة الانهيار، مشبها الوضع الحالي بما كان سائدا في تونس وليبيا ومصر عام 2010.
كما صنف التقرير السنوي لمنظمة “فريدوم هاوس” الجزائر ضمن الدول “غير الحرة” في العالم بمؤشر الديمقراطية.
ونشر النائبان في البرلمان الفرنسي غي تيسيي عن حزب الجمهوريين اليميني، وجين غلافياني عن الحزب الاشتراكي، تقريرا مفصلا حول الوضع في ثلاث دول مغاربية، هي الجزائر والمغرب وتونس، أنجزاه خلال النصف الأول من عام 2016.
وزعم التقرير في الشق المتعلق بالجزائر وجود تقصير من الجانب الجزائري في التعاون الأمني مع فرنسا لمكافحة “الإرهاب”، إلى جانب رسمه مستقبلا غامضا للبلاد بسبب مرض الرئيس.
وردا على هذه التقارير، وصفت الخارجية الجزائرية مضامينها “بالمغرضة” وأنها “تغيب عنها الموضوعية، وتتضمن تزييفا للواقع الحالي في الجزائر”.
ويعتقد الباحث في الشأن السياسي علي مختاري أن المؤامرة هي جزء من التاريخ ومن اللعبة الدولية، معتبرا في حديثه للجزيرة نت أن الجزائريين ينظرون إلى التقارير الأجنبية بعين الريبة.
ويستشهد مختاري لتشكيكه في مصداقية مضمون هذه التقارير بالحالة التونسية قبل سقوط النظام في 2011، حين كانت تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية تنظر بعين الرضا للوضع في هذا البلد وتقدمه نموذجا لليبرالية الناجحة في المنطقة العربية، “قبل أن تكشف الثورة زيف هذه التقارير وتفاوتا رهيبا في مستويات المعيشة بين التونسيين”.
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة محسن خنيش إن إعداد هذه التقارير يتم بناء على معلومات صحفية منشورة وآراء باحثين وسياسيين أو استطلاعات للرأي تقوم بها مؤسسات خاصة لصالح الجهات صاحبة التقرير، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى “الخلفيات السياسية والأيديولوجية لمعدي هذه التقارير وإن كانت تتمتع بقدر محترم من الموضوعية”.
ويرى خنيش أن الحكومة الجزائرية تتحمل جزءا من المسؤولية بشأن ما ورد في هذه التقارير بسبب سياسة التعتيم الإعلامي والبيروقراطية المعقدة التي تحول دائما دون حصول الباحثين والصحافيين على المعلومة في وقتها ومجالها.
من جانبه، يقول المدون والكاتب ياسين إعمران إن الأوضاع الراهنة في الجزائر على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما يميزها من غموض لمرحلة ما بعد بوتفليقة، وحالة اليأس التي تعم الشارع، كلها تجعل من الجزائر في نظر شركائه بلدا غير مستقر وبيئة غير صالحة للاستثمار والشراكة الاقتصادية الفعالة.
ويضيف إعمران للجزيرة نت أن هذه الأوضاع تعطي مصداقية كبيرة للتقارير الدولية التي تتطرق للحالة الجزائرية بعيدا عن قراءة مؤامراتية تقدمها الحكومة، خصوصا في مجتمع لم يتعود لغة الاقتصاد والأرقام
بدوره يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر علي ربيج أن هذه التقارير شكلت على الدوام هاجسا ومصدر قلق للنظام السياسي.
ويضيف ربيج للجزيرة نت أن تقارير منظمتي “هيومن رايتس ووتش” و”فريدوم هاوس” على سبيل المثال هي من أكثر التقارير إزعاجا للسلطات، لذلك جاء رد الفعل هذه المرة أكثر قوة ووضوحا من خلال التشكيك في نزاهة وموضوعية هذه التقارير واتهامها بمحاولة تنفيذ مخططات لأطراف دولية تريد زعزعة أمن واستقرار الجزائر.
ويعزو ربيج ردة الفعل الحادة إلى علاقة الشك وعدم الثقة بين الجزائر وهذه المنظمات التي تولدت خلال الحرب الأهلية في فترة التسعينيات.
غير أنه دعا حكومة بلاده إلى الابتعاد عن سياسة التصادم والجدال، لأن أفضل وسيلة للرد هي تثبيت قواعد الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير، حسب رأيه.
الجزيرة