الجزائر تعلّمت من حراكها الشعبي.. وتعلّمنا منه!
لم يعد الشعب يثق في اي مسؤول حزبي او تنفيذي وخاصة رجال السلطة كما تراجعت مصداقية الجيش عند الشعب.
هل يتمكن الجيش والحراك من إدارة الانتقال بسلاسة؟ مهمة شاقة فالشعب لا يثق بأي انتخابات وشخصيات سابقة!
استوعب المجتمع دروس معاناته الطويلة، وخرج من هوامش الأحزاب والجبهات ليتصدر المشهد، ويضع اللاعبين السابقين بخانة الترقب.
لم يحِد الحراك الشعبي عن مطالبه فكان الوضوح من نقاط القوة التي تميّز بها، بمعزل عما يمكن أن يتحقق في المرحلة التالية.
لم يجرؤ أي طرف في الحراك على دخول تسويات جانبية، فاللعبة كانت مكشوفة ومن يخلّ بها يحترق سياسياً في الشارع.
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
شكّل الحراك الشعبي في الجزائر ظاهرة نموذجية غير متوقعة، قياساً إلى تجارب سابقة شهدتها البلاد، اختطّ مثالاً خاصاً لـ«ربيعه»، وأثبت أن المجتمع استوعب دروس معاناته الطويلة، وخرج من هوامش الأحزاب والجبهات ليتصدر المشهد، ويضع جميع اللاعبين السابقين في خانة الترقب.
ثمة جيل سياسي أو أكثر أُحيل تلقائياً إلى التقاعد أو إلى مراجعة عميقة لفكره وأساليب عمله وعلاقته مع الناس، وثمة جيل شبابي مخضرم برز بالتزامه مصلحة الوطن، ويطالب الآن بأن يأخذ فرصته، مستفيداً من «عشرية سوداء» سادها العنف الأهلي، ومن إنجازات لا تُنكَر لعبدالعزيز بوتفليقة، أهمها تطهير الجيش من جيل المتسلّطين الفاسدين ورعاة الفساد.
يمكن إجمال دروس الأزمة الجزائرية ومآلاتها في الآتي:
أولاً: أن النظام هو من بادر إلى ارتكاب الخطأ، فمشروع «العهدة الخامسة» كان استفزازياً ومخالفاً لأي منطق، وتبين لاحقاً أنه كان مسيئاً للرئيس ولرجالات النظام أنفسهم، إذ اعتقدوا أن سيناريو 2014 لإعادة انتخاب رئيس مريض ومقعد يمكن أن يتكرر، بل اعتقدوا أن مجرد التواطؤ فيما بينهم كافٍ لإنفاذ مشيئتهم.
ثانياً: أن أطراف الحراك الشعبي لم تبادر بالخروج إلى الشارع، بل أطلقت تحذيراتها وانتظرت الإعلان الرسمي عن ترشيح الرئيس، فكان تحركها في الوقت الصحيح، وبدت أطراف السلطة كأنها وقعت في الفخّ الذي نصبته لنفسها.
ثالثاً: أن الانضباط والسلمية اللتين التزمهما الحراك بدتا أقوى من أن تفكر أي سلطة في استخدام القوة لسحقه، ولم يستطع النظام ردّ التهمة التي وُجّهت إليه بأنه بترشيحه رجلاً فاقد الأهلية، يستخفّ بعقول الشعب ويريد مأسسة حكم الحاشية.
رابعاً: أن ردّ فعل قوات الجيش والأمن لم يكن عنيفاً جرياً على العادة ضد احتجاجات توازت مع انتفاضات «الربيع العربي» بدءاً من 2011، لكنه كان حازماً في عدم الانجرار إلى المواجهة، وفي منع الانزلاق إلى الفوضى.
خامساً: أن مصالح ودواعيَ شتّى جعلت أطراف السلطة تتضامن أولاً لتقدّم عروضاً مخاتلة، بغية تنفيس الحراك أو بثّ الانقسام في صفوفه، ولما فشلت تلاشى تضامنها، وأدى انقسامها الى استقالة بوتفليقة التي شكّلت انتصاراً للحراك.
سادساً: أن الحراك رفع مطالب أدناها سحب الترشيح ثم الاستقالة، وأقصاها «تغيير النظام»، ولم يحِد عنها، فكان الوضوح من نقاط القوة التي تميّز بها، بمعزل عما يمكن أن يتحقق في المرحلة التالية، وكان واضحاً أن أي طرف في الحراك لم يجرؤ على دخول تسويات جانبية، فاللعبة كانت مكشوفة، ومن يخلّ بها يحترق سياسياً في الشارع.
سابعاً: أن المراقبين أعادوا النظر في الأفكار المسبقة عن العلاقة بين الجيش والشعب، كما لو أنها في صدد إعادة إنتاج نفسها، كثيرون أفادوا بأن الضبّاط الجدد محترفون ولا يحبّذون التدخّل في السياسة، لكنهم يتوقعون من الجميع الحفاظ على احترام المؤسسة العسكرية ودورها، لذلك لم يسعَ الجيش جدياً إلى بثّ الفرقة في الشارع، ولعله لم يجد مصلحة في ذلك، كما لم يلجأ إلى دسّ عناصر لافتعال حادث يتخذه ذريعة للعنف.
ثامناً: أن الإسلاميين تفادوا تصدّر المشهد، وإن لم يكونوا غائبين عن الحراك الذي أخذ منحى عابراً للأجيال والانتماءات.
المحك الآن أن يتمكن الجيش والحراك من إدارة الانتقال بشكل سلس وآمن، وهذه مهمة صعبة للغاية، فالشعب لا يثق بأي انتخابات سابقة برلمانية أو رئاسية، ولا بأي شخصية استهلكها النظام، ومن شأن الجيش أن يوفّر ضمانات لإعادة بناء الثقة.
الجيش الجزائري يؤكد تأييده لمطالب الشعب
ابو الغيط احداث الجزائر وعودة سوريا خارج اعمال القمة العربية بتونس
من يحكم الجزائر؟ تعرف على “أمراء النظام” و ثالوث العائلة الرئاسية
* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني
المصدر: العرب – الدوحة
عذراً التعليقات مغلقة