المؤسسة الحزبية في الجزائر تنتج الفكرة والإطار، وتطرح البدائل والمشاريع السياسية بالحدود والأدوات الممكنة.
الحركات السياسية في الجزائر بحاجة لجرعة ثورية وتنظيمية بعد الحراك الشعبي، لأن الديمقراطية لن تعبر إلا من خلال أحزاب قوية.
يُطرح في الجزائر سؤال حول الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب الجزائرية لإحراج قوى المعارضة كونها تطالب بالتغيير والديمقراطية من دون أن تمارسها في داخلها.
أحزاب تقدمية وإسلامية تخلصت من هيمنة “الشيخ” و”الزعيم” وفرضت عليها ظروف سياسية ودورة الحياة تجديد منظومتها القيادية بعد انسحاب الجيل المؤسس.
الحزب جزء من البيئة المحيطة به والبيئة الجزائرية بيئة ملتبسة في علاقتها بالعمل السياسي لظروف تاريخية وبسبب هيمنة السلطة واحتكارها الكامل للأدوات المحركة للمجتمع.
* * *
بقلم: عثمان لحياني
في كثير من الفترات السياسية، يُطرح في الجزائر سؤال حول الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب الجزائرية، ويقصد به في الغالب إحراج قوى المعارضة تحديداً، من كونها تطالب بالتغيير والديمقراطية من دون أن تمارسها في داخلها. عاد هذا السؤال الأسبوع الماضي بمناسبة فوز لويزة حنون التي تقود حزب العمال منذ 32 عاماً، بولاية جديدة.
توجد في الجزائر ثلاثة مستويات من الأحزاب السياسية في العلاقة بالممارسة الديمقراطية والتداول على القيادة. هناك مستوى يخص أحزاب المؤسسة السلطوية، والتي تتدخل السلطة بشكل مباشر في تغيير قياداتها بين الفترة والفترة، خاصة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
وأحياناً تتم هذه التغييرات في ظروف غير مفهومة وبطرق مفضوحة، لذلك لا يمكن فهم التداول الذي يجري في هذا النوع من الأحزاب على أنه فعل ديمقراطي.
هناك مستوى ثانٍ من الأحزاب، تقدمية وإسلامية، تخلصت بعد فترة من هيمنة “الشيخ” و”الزعيم”، وفرضت عليها ظروف سياسية وأخرى تتعلق بدورة الحياة، تجديد منظومتها القيادية، بعد انسحاب الجيل المؤسس عن القيادة، سواء بسبب الرحيل كما حدث مع محفوظ نحناح مؤسس حركة مجتمع السلم، أو لشعور بنهاية الدورة السياسية مثل زعيم جبهة القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد، أو الانسحاب لصالح الجيل الجديد، كمؤسس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي.
رغم إكراهات البيئة السياسية غير السليمة في الجزائر، والمناخ المعادي للعمل السياسي والحزبي، فإن سيرورة المواقف تؤكد أن الجيل الجديد في هذه الأحزاب، حقق معطيين مهمين.
فقد نجح هذا الجيل القيادي في الحفاظ على الموقف النقدي وتأدية الدور الذي يتطلبه الوجود السياسي للاعتراض على السلطة وخياراتها والتمسك بالمسألة الديمقراطية وبقضايا الحريات والانتقال الديمقراطي كمطلب تاريخي، وثانياً كسر الجدران الوهمية التي فصلت بين هذه التيارات السياسية لسنوات، والتي كانت تغذيها السلطة والنقاشات الهامشية.
وجرى الانتباه إلى أن هناك نقاط تقاطع ومساحات عمل مشترك ممكنة بين هذه التيارات السياسية لأجل المطلب الديمقراطي.
المستوى الآخر يخص الأحزاب اليسارية التقليدية التي تعتبر أن التداول على القيادة ودمقرطة مؤسسات الحزب، مسألة شكلية وأمر داخلي يخص المناضلين، ولا علاقة لها بتبني الديمقراطية.
يرتبط ذلك بالفكر اليساري المبني على جدلية “الفكرة والقائد”، ولذلك يمكن فهم لماذا تبقى زعيمة حزب العمال في الجزائر لويزة حنون على رأس الحزب منذ أكثر من 32 عاماً.
ويمكن ملاحظة أن هذا النوع من المؤسسات الحزبية، لم يشهد تطوراً كبيراً في بنيته السياسية وتأثيره الشعبي، على الرغم من أنه يملك خطاباً يرافع لصالح الطبقات العمالية والمزارعين وغيرهم.
أسهم وجود جيل جديد من القيادات السياسية في الجزء الفاعل والنوعي من الأحزاب الجزائرية، في تثبيت قضايا التغيير والديمقراطية والحريات، كخطوط صدام سياسي مستمر مع السلطة.
وبخلاف ما يعتقد الكثيرون من أن الحزب السياسي في الجزائر معطوب، فإن الواقع يؤكد خلاف ذلك، فالمؤسسة الحزبية في الجزائر تنتج الفكرة والإطار، وتطرح البدائل والمشاريع السياسية بالحدود والأدوات الممكنة.
ولا يغيب عن الأذهان أن الحزب هو في النهاية جزء من البيئة التي تحيط به، والبيئة الجزائرية هي بالأساس بيئة ملتبسة في علاقة بالعمل السياسي لظروف تاريخية، وبسبب الهيمنة التي تفرضها السلطة واحتكارها الكامل للأدوات المحركة للمجتمع.
لا يمنع ذلك من الإقرار أن الحركات السياسية في الجزائر بحاجة إلى جرعة ثورية وتنظيمية بعد الحراك الشعبي، لأن الديمقراطية لن تعبر إلا من خلال أحزاب قوية.
* عثمان لحياني كاتب صحفي جزائري
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: