الثقافة العربية فى طريق الموت والهاوية
الهاوية هى الهلاك والأم التى فقدت ولدها كما إنها أسم من أسماء نار جهنم وحفرة غامضة لا نهاية لها يضيع فيها كل شيئ ..وقد أصبحت خصوصية الثقافة العربية فى طريقها للموت وللهاوية بسبب خضوعها للتحديات الراهنة وأهمها والأكثر خطورة العديد من النخب التى لم تخرج من الهوية الصلبة للمجتمع العربى ولم تعرف حقيقة الانتماء ولم ترتبط بالعمق التاريخى المكون للأمة والكامن فى ذاتها وافتقدت الضمير والروح الطليعية للإرادة العربية كروح مقاومة للظلم والاستبداد وكمقدمة للتقدم والتغير ، نخب اعتلت القيادة التى خلقتها الأوضاع الراهنة وتميزت بالجهالة وعدم القدرة على التعمق فى تحليل وفهم الواقع، واستغلت قدراتها فى دعم أغنياء البترول واغنياء السلطة على حساب شعوبها.
نخب دفعت بها ومولها هؤلاء الأغنياء و القوى الأجنبية فإذا بها تقود بلدانها وهى متبنية سلوكيات ونماذج أجنبية لتسييدها فى مجتمعاتها وبالتالى تتسيد شعوبها مستهدفة تخريب وتفتيت المقومات الثقافية الأصيلة لشعوبها وقطع تواصلها واستمراريتها ودفعها للتخلف وللعزلة والانفصال والتشويه وإفقادها كرامة الإنسان العربى لصالح هؤلاء الأغنياء وإغلاق جميع ابواب المجتمع فى وجه الحرية والعلم والتطور بل وصار الوطن على نحو ما يقول المناضل الراحل عبد الله النديم: “كانت البلاد على سعة أطرافها كليمان أعد للمذنبين..” وضاع الوطن وكما يقول الشيخ الإمام محمد عبده :” لاوطن إلا مع الحرية”.
بل أصبحت هذه النخب تأخذ شكلا جديدا للاستشراق الذى يمكن تسميته بـ “الاستشراق المحلى” كأداة محلية للغزو الفكرى والثقافى لإعادة تشكيل الوطن بأفراده ومؤسساته نحو ربطه بالنموذج الغربى وتحطيم كل ارتباط واستمرارية بمكنونات القيم العربية النضالية وقطع الصلة معها وإخضاعها للإرادة الأجنبية بل وفى أغلب الأحوال يتمركز ويتمحور الوعى الثقافى لهذه النخب حول الحاكم/الخليفة/ الملهم فيكثرالتضليل والتهليل والطبل والتزمير وشراء الضمير وبيعه فى مختلف المحافل على حساب الوطن والتاريخ والولاء لهما.
وهكذا يشهد الواقع العربى اليوم كثيرا من التصادمات التدميرية بين المثقفين بما يشكلون من جماعات متباينة وأفراد وعناصر وأقليات ونخب قد تحكمت فيها الجغرافيا العرقية والأيديولوجيا العنصرية والتاريخية الماضوية وبما يهدد الوجود الجماعى للوطن الذى ينصهر فيه كل أفراده من أجل الحفاظ على بقائهم فى مواجهة الهجمات الاستعمارية والتى تتخذ أشكالا متعددة وتحت مسميات مختلفة لتشعل الصراع بينهم وتنال وجودهم وتأخذه نحو الخراب والتحلل والفناء ووجعله مكانا لتجارب أسلحة الدمار والصناعات المدمرة للبشر وللبيئة وتحقيق الأهداف الاستعمارية فى التفكيك والتجزئة والتقسيم ، ومن ثم تكون مقدمة وداعيا للتدخل العسكرى ــ وهذه ما نراه الآن ــ للاستيلاء على مقدراتهم الاستراتيجية والقضاء على مقوماتهم القومية التى توحدهم من أجل البقاء.
فيما تكشف هذه التصادمات عن توافقا يصل إلى حد التحالف بين عناصرها وبين الغرب الاستعمارى الذى يهدد بلادها ويحول الكثير من الأفعال التى تبدو ثقافية فى شكلانياتها إلى نوع من الأفعال التدميرية الثقافية المستهدفة بل وضمن المخططات الغربية الاستعمارية للسيطرة والسيادة على الوطن وتحت ما يسمى بالقانون الدولى وفى إطار خضوع الأمم المتحدة الدائم للهيمنة الاستعمارية يجرى تقويض الوحدة الجغرافية والتاريخية بموافقة الكثير من النخب الثقافية المتصادمة والأقليات المتطاحنة مع بعضها البعض ممالأة للسلطان وإعلاءً لمصالحهم و وللأطماع الاستعمارية تأكيدا لعمالتهم للغرب وارتباطا به وسعيا للاستمرار فى السيطرة على الحكم بمساعدته والاستحواذ الدائم على السلطة.
وفى سبيل ذلك تم تسييد سياسات التنازلات ابتداء من التنازل عن السيادة وإلى التنازل عن المقدرات حتى التنازل عن الجغرافيا والتنازل عن حقوق التاريخ والقيم الأصيلة لشعوبها ـ كما يتضح فى الراهن العربى فى العراق وسوريا وليبا وفى الحالة المصرية فى عهد مبارك كما فى نموذج الاستثمارات الأجنبية وبيع القطاع العام والأراضى للأجانب والحالة الثقافية المصرية والتى تمثلت فى استلاب الوعى وتتغييب وتشويه قيم المقاومة وترسيخ الاستسلام للأمر الواقع والخضوع للمعلب الثقافى الغربى المستورد الجاهز الذى تقدمه النخب الحاكمة.
وتصير الثقافة تعبيرا عن ماهية التراكم الذى يشهده الواقع الثقافى المنهك والذى تحول فيه الوطن إلى مجرد رهان متنازع عليه بين الحضور والغياب والتعمية وردود الأفعال ليصيرالواقع الثقافى تعبيرا مأساويا عن التفتت والتشرذم والانكفاء والانفصام والانفصال والتعدد والنفى والمصادرة والحجب والرقابة أمام تحولات وتغيرات الواقع الاجتماعى والواقع العالمى أو التمترس حول سلطة الحكم وإغراءتها المادية وسلطة الغرب بكونه فكرا واستعمارا.
وأصبحت الحركة الثقافية ودينامياتها تعيش رهنات الماضى وتعجزعن تكوين روح نقدية حقيقية فى مواجهة الفناء والرجعية والتكرارية الماضوية والتطرف الدينى والتشدد الإرهابى وتبنى النماذج الغربية والخضوع لها، كما تعجز عن مواكبة التطور والتغلب على الواقع وخلق واقع جديد ينهض بالأمة ويخرجها من أزماتها وينقذها من الصراع الثقافى التدميرى كما يعيشه الكثير اعتمادا على الفكر القبائلى ( وظهر ذلك جليا فى التصادمات القبائلية والعشائرية والقرائبي فى الكثير من الدول العربية وفى مصر كنتاج لفشل هذه النخب ــ رغم ادعاءات بعضها بالتقدمية والوحدوية ــ فى صهر الروح القبائلية داخل الوطن الواحد )، واعتمادا على الفكر التكفيرى وكما يرى أحدهم : “علينا ردع العلمانيين كما رددنا المغول والصليبيين، وأوضح أن أهل الباطل يتحالفون على نصر باطلهم، ولن يهدأ لهم بال حتى يطفئوا نور الله ، فكونوا حصن الشريعة ” وأخر يصف جامعة القاهرة بأنها قامت من أجل هدم الشريعة الإسلامية رغم وجود كلية دارالعلوم التى قدمت للمجتمع العربى والإسلامى والعالمى الآلاف من معلمى اللغة العربية الذين حافظوا على لغة القرآن فى العالم، وأخرون قبلهم فى التسعينات من القرن الماضى حاولوا قتل المبدع نجيب محفوظ وتكفيره لرواية إبداعية هى أولاد حارتنا، وكما شارك كثير من الجناه البلطجية حرق المجمع العلمى بالقاهرة تحت مرأى ومسمع من ذوى السلطان والقوة الذين يمتلكون ويسيطرون ويتحكمون فى وسائل الإطفاء السريعة والفاعلة والقادرة بقوة على إطفائه فى دقائق معدودات ودون تدخل لإنقاذ التراث الثقافى الإنسانى بداخله، رغم أنهم ذهبو للعدو الصهيونى بطائراتهم المتخصصة لإطفاء حرائق الغابات هناك .. وفى منظر متكرر إلى الآن!
وبالإضافة إلى ماسبق يوجز مسعد عربيد العديد من التحديات، بشكل مكثف، في المحاور الرئيسية التالية: أ ـ تدمير الثقافة والهوية القومية العربية واختلاق هويات جديدة كالاوسطية (هوية الشرق الاوسط الكبير) والمتوسطية (هوية البحر الابيض المتوسط) ــ والتى تراقص طربا لها العديد من النخب العميلة ــ .ب ـ تفكيك الثقافة والهوية القومية العربية الى ثقافات وهويات قطرية ومن ثم وتفتيت تلك وتحويلها الى هويات وكانتونات إثنية وطائفية ودينية ولغوية (كما نرى في لبنان والعراق)، بل ومتصارعة.ج ـ مشروع إعادة التثقيف يهدف الى اختراق الطبقات الشعبية العربية، ثقافياً وسياسياً من أجل غرس مفاهيم السوق، واستحالة مقاومة رأس المال والعولمة (تيئيس الجماهير)، وتعميق القطرية على حساب الانتماء القومي والوحدوي للأمة العربية. وهو مشروع رأسمالي غربي ذو أذرعة تنفيذية قطرية عربية يشكل المثقفون فيه الحاملة الرئيسية ، منها المساعدات الغربية والأمريكية لمنظمات المجتمع المدنى والتى يتم استخدام بعضها فى تسييد الثقافة الغربية والعمل لحساب الحكومات الأجنبية والعمل خارج نطاق الحكومات الوطنية ، وهو ما تجلى فى إتهام اللواء حسن الروينى لبعض المنظمات بالحصول على تمويل أجنبى وتدريب عناصرها فى صربيا حيث مقر المخابرات الأمريكية فى اوروبا..
موضوعات تهمك:
الاستعلاء على المجتمع والتاريخ
Sorry Comments are closed