ما ينطبق على الثقافة العامة ينطبق على “الثقافة الافتراضية”
يرى العديد من العلماء أن أهم مكنونات مفهوم الثقافة هو الفرق بين الحالة الثقافية، الحضارية والحالة الطبيعية، أى الفرق بين ما هو مكتسب وما هو فطرى ففى حين أن الصفات الفطرية تنتقل من الأصل إلى الفرع حسب الناموس الوراثى، فإن الثقافة تنتشر بين الناس بواسطة الاتصال الاجتماعى أى بواسطة تعلم النماذج التى يقدمها المجتمع، والناس كما يبتكرون تصرفاتهم ويتناقلونها بالتعلم فهم يبتكرون أساليب التخاطب والأعمال الفنية والأدوات أى الثقافة ويتبادلون هذه المبتكرات على صعيد الزمان والمكان بواسطة اللغات التى جهزوها بالترميز الكتابى، الأمر الذى يتيح للأجيال المتعاقبة أن تضيف إلى هذه المكتسبات التراثية إسهامات جديدة.
الثقافة الرقمية فى أغلب تعريفاتها تستنفذ الثقافة بمعانيها المختلفة ففى المعنى الضيق تصير تنمية بعض القدرات فى إطار استخدام تكنولوجيا المعلومات كما تعنى استنتاجا فى هذا المعنى ما هو حاصل نتيجة هذه العملية ، وفى معنى الثقافة الأوسع تكون صفة ذلك الشخص المتعلم لهذه التكنولوجيا والذى أتم ذوقه وحسه النقدى وحكمه بواسطة اكتساب معارف هذه التكنولوجيا وأحيانا للدلالة على عملية التعليم المؤدية إلى اكتساب الصفات المذكورة ومن هذا وذاك ظهرت تعريفات للثقافة الرقمية ترتكزعلى تنمية القدرة على استخدام أجهزة الكمبيوتر والخدمات الإلكترونية وتطبيقات تقنياتها المتجددة بل والترويض الحركى والذهنى على التعامل معها وتنمية لآليات التفاعل مع ما يعرض على الشاشة وتنمية قدرات الحس الفضولى وتربية الذوق كى يعرف كيف يبحث عما يريد بثقة وإتقان، وأن جوهرها يكمن فى تمكين أفراد المجتمع من استخدام التطبيقات الرقمية بكفاءة وثقة لإنجاز أعمالهم الوظيفية أو الشخصية أو واجباتهم ومهامهم تجاه المجتمع، وأن الدخول بالشكل الفنى والإبداعى باستخدام الوسائط المتعددة هو أحد ضرورات الثقافة الرقمية تحقيقا للتواصل والتفاعلية والتعميم لكل النشاط الإنسانى.
1- بهذا المعنى التعليمى الاكتسابى التفاعلى للثقافة الرقمية تصير هى بذاتها غير منفردة بذاتها أو لذاتها وإنما إحدى الأدوات الضرورية للثقافة كنظام للإدراك الجماعى يحدد عناصر المثالية السلوكية الفردية، وهى فى المقابل ـ من ناحية ثانية ـ أيضا إحدى أدوات الغزو الثقافى الذى هو فى حقيقته حرب فكرية تستهدف النيل من نظام الإدراك الجماعى وتدميره وتفكيك عناصره المثالية السلوكية الفردية وإحداث الفوضى بها، وهى أيضا ـ من ناحية ثالثة ـ تعبيرا عن علاقة المشاركة فى المحيط الإنسانى العام.
ويستخلص الدكتور يحيى اليحياوى بأن ما يتعولم من الثقافة إنما هو جانبها المادي وليس الرموز والعقائد والمصادر وما يصدق على الثقافة يصدق على المعرفة على اعتبار أن هذه الأخيرة أقرب إلى الثقافة منها إلى المعطيات والبيانات والأخبار، التي تحتاج كلها إلى التنظير والنمذجة لكي تصبح معرفة.
2- ثم إن ما ينطبق على الثقافة ينطبق على “الثقافة الافتراضية” فما يخضع للافتراضي هو البيانات والمعطيات وليست الثقافة كنموذج حياة وسلوك وكمنظومة قيم ورموز.
كل ذلك يرهن تأسيس ثقافة عالمية ليس فقط بالارتباط بالشبكات ولكن كذلك بقدرة المتلقي على صهر القيم الخارجية في منظومة قيمه وتحويلها إلى مكون من مكوناتها، وهو ما ليس متيسرا للأغلبية العظمى من البشر والذين يتمتعون بقدرات فردية وفكرية وعقلية متنوعة للتعلم والاتصال والتقبل فكل شخصية إنسانية متفردة بشكل مختلف فى تفاعلها مع البيئة و هناك كميات كبيرة من المؤثرات التي ستشكل ردود أفعال مختلفة ومتباينة جدا بين الأفراد الذين ينتمون لنفس المجتمع منها الغرائز والاتجاهات التى تعتبر العملية الادراكية التي تحدد عند الفرد نشاطه المحتمل أو في عالمه الحقيقي، بالإضافة إلى تاثيرات القيم والعادات والتقاليد والأعراف والمعارف والمواقف والحقائق والتربية والتنشئة الاجتماعية والثقافات الفرعية والتى تشكل فى مجموعها ما يعرف بالإطار الدلالى والمرجعى للفرد والذى يحدد بقوة مدى تاثير عمليات التلقى والاتصال والقطيعة المعرفية على الفرد والجماعة وعلى قادة الرأى وهم القلة داخل الجماعة والمجتمع الأكثر إنفتاحا على محيط الجماعة والمجتمع والأكثر استخداما لوسائل الاتصال والأكثر متابعة للشأن العام وإن كانت وسائل الإتصال الرقمية أوجدت شريحة واسعة جدا بهذه المميزات وجعلت من الأتباع أغلبية منفتحة وأزادت من عملية تبادل الأدوار بين الأغلبية والأتباع ولكن تظل القدرة والتمييزوالتأثير ليست بمجرد الإنفتاح ولكن بالمشاركة فى اتخاذ القرار وتحريك المجتمع والجماعة بفاعلية نحو تحقيق أهدافة.
موضوعات تهمك: