تشكل الموارد الطبيعيّة للقارة الإفريقيّة والممرات البريّة للتجارة الدوليّة، فرصةً حقيقيةً للجماعات الإرهابيّة للسعي للسيطرة على أجزاء من الحدود واختراقها، لنمو واتساع كل أنواع الجريمة المنظمة، فلم تتمكّن بعض دول القارة الإفريقيّة خاصة التي تشهد صراعات مع الجماعات الإرهابيّة من بناء استراتيجيات ذاتيّة لمواجهة هذه التهديدات المتمثلة في انتشار الحركات الإرهابيّة مثل “جماعة بوكو حرام” في غرب إفريقيا و”حركة الشباب الصوماليّة” في شرق القارة، وغيرهما من الجماعات المسلحة التي تنتمي إلى أيديولوجيات متطرفة.
تأتي كل هذه النزاعات الداخليّة تحت شعار العنف المسلح والمنظَّم داخل المجتمع الواحد، لا لشيء إلا لتحدي السلطات الحكوميّة، وزعزعة الأمن والاستقرار، وتنفيذ أجندات خبيثة من شأنها إحداث فوضى عارمة، أو السعي إلى الحصول على الحكم الذاتيّ داخل المجتمع، والانفصال عن الدولة.
الجماعات الإرهابيّة والصراع الدائم في إفريقيا
بالحديث عن الجماعات الإرهابيّة فلا ننسَ أن القارة الإفريقيّة مؤخرًا لاذَ إليها العديد من عناصر تنظيم (داعش) الإرهابي هربًا من سوريا والعراق بعد أن أُعلن القضاء عليها، وذلك كما ذُكر كون القارة الإفريقيّة مناخًا مناسبًا، مع ضعف المناطق الحدوديّة، ووعورة أراضيها، مثل غابة “سامبيسا” في نيجيريا والتي تُعدُّ ملاذًا لجماعة “بوكو حرام”.
كما أنه وفقًا لتقرير المركز الإفريقي للبحوث والدراسات حول الإرهاب الصادر في أوائل 2020، فقد سجّلت القارة العام الماضي (2019) 78 هجومًا إرهابيًّا. كما تشير الإحصائيات إلى أن عدد العمليات الإرهابيّة التي تنفذها التنظيمات الإرهابيّة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى ارتفع من 90 عملية في العام 2016 إلى 194 عملية في العام 2017، ثم زاد العدد إلى 465 عملية في العام 2018، وكذلك ارتفعت أعداد الضحايا جرّاء تلك العمليات من 218 قتيلًا في العام 2016، إلى 529 قتيلًا في العام 2017، وإلى 1110 قتيلًا في العام التالي.
وبذلك تُعدُّ منطقة دول الساحل والصحراء الكبرى الإفريقيّة مسرحًا كبيرًا للجماعات المسلحة التي تؤرق العالم، ساعية إلى ما يسمونه “دولة الخلافة العابرة للحدود” بحسب منظور الجماعات الإرهابيّة؛ حيث إنَّ منطقة الساحل الإفريقيّ لها خصوصية فريدة، حيث تمثل بعض العوامل السياسيّة والحدوديّة أبرز التحديات التي تواجه جهود مكافحة الجماعات الإرهابيّة، فتستغل هذه الجماعات تراخي المناطق الحدوديّة في هذه الدول تحت غطاء قانونيّ يسمح بحرية حركة الأفراد والتنقل بينها دون قيود أو رقابة طبقًا لعدد من الاتفاقيات الدوليّة بين هذه الدول، خاصة في دول (مالي، وبوركينافاسو، والنيجر، ونيجيريا .. وأعضاء منظمة “إيكواس” بشكل عام وهي: بنين، وبوركينا فاسو، والرأس الأخضر، وساحل العاج، وغامبيا، وغانا، وغينيا بيساو، وليبيريا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال، وسيراليون، وتوجو).
ويمكننا في هذا السياق أن نشير إلى انتشار ونشاط اثنين من أكبر التنظيمات الإرهابيّة في القارة الإفريقيّة، ومدى التهديدات الأمنيّة التي يسبّبها كل منهما:
أولا: بوكو حرام
يُشكِّل تنظيم “بوكو حرام” – الذي يتبع بأيديولوجيته تنظيم داعش الإرهابي- تهديدًا لمنطقة “بحيرة تشاد” التي تضم: (الكاميرون، وتشاد، ونيجيريا، والنيجر)، خاصة بعد ما جعل “أبو بكر شيكاو” من التنظيم آلة فاعلة لجغرافيا الرعب والقتل والترهيب في المنطقة.
ففي ذات السابق، كانت أضرار “بوكو حرام” لا تتعدى نيجيريا، ولكن اعتبارًا من سنة 2013 وسَّعت الجماعة نشاطاتها خارج نيجيريا، فشملت كلًّا من: (الكاميرون، والنيجر، وتشاد)، في سعي منها للسيطرة على مساحة جغرافيّة أوسع، وهو ما قد يمكِّنها من الحصول على موارد ماديّة وبشريّة واستراتيجيّة كبيرة، من جهة، وسعيًا منها لتوسعة مجال نفوذها إلى ما وراء مربعها التقليدي، من جهة أخرى. الأمر الذي من شأنه العمل على زعزعة الأمن واستقراره في تلك الدول المطلة على حوض بحيرة تشاد.
علاوةً على ذلك، كشف خبراء أمنيون أن حركة “بوكو حرام” الإرهابيّة تستغل انشغال بعض الجيوش في منطقة الساحل الإفريقي للمساعدة في مواجهة فيروس كورونا؛ لتنفيذ هجمات إرهابية، وهو ما حذَّر منه مرصد الأزهر في العديد من تقاريره التي بيَّن من خلالها أن انتشار فيروس كورونا من أهم العوامل التي أدَّت إلى تنامي النشاط الإرهابي لحركة “بوكو حرام”، وأنها ستعمل على استغلال انتشار الوباء للعودة إلى الهجمات الإرهابيّة في منطقة غرب افريقيا، وضمان مناطق انتشار أخرى له، في تحدٍّ صارخٍ لهذا الوباء العالميّ.
ثانيا: حركة الشباب الصومالية
تتمركز هذه الحركة في الصومال، وهناك يظهر التنافس الشديد بين “حركة الشباب الصومالية” التابعة بأيديولوجيتها إلى “تنظيم القاعدة”، ويعارض السلطات الحكوميّة بقوة، وبين “تنظيم داعش الإرهابي” الذي يريد بقوة الانتشار في منطقة القرن الإفريقيّ نتيجة لموقعها الاستراتيجيّ. وفي هذا السياق قدَّم مرصد الأزهر تقريرًا مفصلًا حول الصراع بين “القاعدة” و”داعش” في الصومال أشار فيه إلى حقيقة الصراع بين التنظيمين ومناطق نفوذ كل منهما، وإثبات أن الصراع بين “القاعدة” و”داعش” صراع هيمنة لا فِكر، واتضح ذلك من خلال قراءة المرصد للبيانات التي تصدرها مثل هذه الجماعات؛ ففرض الإتاوات المالية على التجار الصوماليين يُعَزِّز ذلك المنظور، وهو أن الصراع بين الجانبين لا يرتبط بالأيديولوجيّة الفكريّة، وإنما يتركز على الهيمنة ومصادر التمويل.
وأخيرًا، يمكننا القول إن هشاشة الحدود بين الدول الإفريقيّة خاصة في منطقة الساحل تسبّبت في نشاط تلك التنظيمات الإرهابيّة وتزايد تهديداتها الأمنيّة نتيجة استغلالها لتلك الحالة لفرض سيطرتها والتوسع جغرافيًا؛ لضمان مصادر تمويل لها وعناصر جدد أيضًا. كما يحذر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من استمرارية مثل هذه التهديدات التي تستخدمها الجماعات الإرهابية المسلحة في ظل جائحة كورونا والتي تعد مؤشرًا خطيرًا على تصاعد الصراع داخل القارة الإفريقية، وبالتالي تمثل تهديداً لمستقبل القارة الإفريقية.
وحدة الرصد باللغات الإفريقيه