زيارة بايدن لإسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية تشهد “أشياء مثيرة للاهتمام بخصوص السلام مع إسرائيل”.
منذ عهد ترامب تضغط أميركا وتضاعف مساعيها لتطبيع العلاقات العسكرية بين إسرائيل من جانب ودول الخليج العربي من جانب آخر.
ورغم ما يعدّ فشلا كبيرا لصفقة القرن التي طرحها ترامب، فقد نجحت وبشدة في أحد جوانبها في إخراج علاقات إسرائيل بدول الخليج إلى العلن للمرة الأولى.
نقل إسرائيل إلى نطاق عمل القيادة المركزية الأميركية يمثل فرصة للعمل مباشرة مع الجيوش العربية وستتعرف الجيوش على بعضها ليس في ساحات القتال والمعارك.
تغيير كبير بعقيدة الجيوش العربية، ففي العقود السبعة الماضية لم تعرف جيوش العرب عدوا إلا إسرائيل ولم ينفصل إيمان الجيوش بشأن العدو عن الجماهير العربية.
حاولت إدارة ترامب تأسيس تحالف يضم إسرائيل ودول الخليج ومصر والأردن، وفق رؤية أميركية لشرق أوسط جديد يؤدي فيه العرب دورا هامشيا خادما لمصالح أميركا وإسرائيل.
* * *
بقلم: محمد المنشاوي
كان ولا يزال التطبيع بين أي دولة عربية وإسرائيل يمثل هدفا رئيسا للبيت الأبيض بعيدا عن هوية الرئيس القابع داخله، أو انتمائه الحزبي. ولا يختلف الأمر كذلك في الجانب الإسرائيلي الذي يرى في أي خطوة تطبيعية مع أي دولة عربية نجاحا لا يرتبط بهوية رئيس وزرائها أو انتمائه الحزبي.
وأقرّت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، قبل أيام أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أن زيارة الرئيس جو بايدن القادمة لإسرائيل والأراضي الفلسطينية والمملكة السعودية ستشهد “أشياء مثيرة للاهتمام بخصوص السلام مع إسرائيل”.
ومنذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب تضغط واشنطن وتضاعف مساعيها لتطبيع العلاقات العسكرية بين إسرائيل من جانب ودول الخليج العربي من جانب آخر.
ورغم ما يعدّه البعض فشلا كبيرا لصفقة القرن التي طرحها الرئيس ترامب، فإنها نجحت وبشدة في أحد جوانبها في إخراج علاقات إسرائيل بدول الخليج إلى العلن للمرة الأولى.
ويختلف نهج التطبيع الجاري حاليا عما اعتقده الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، وعدد من أنصار التطبيع من العرب، من أن الاقتصاد والتجارة هما أقصر السبل لدعم علاقات إسرائيل بجيرانها.
وخلال حكم ترامب ضاعفت واشنطن من ضغطها على أصدقائها العرب السنّة من أجل تأسيس تحالف إقليمي عسكري يعرف باسم “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي” أو اختصارا بكلمة “ميسا” (MESA)، وعُرف إعلاميا باسم “الناتو العربي”.
وحاولت إدارة ترامب تأسيس التحالف الذي يضم إضافة إليها ولإسرائيل 8 دول عربية، هي: دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن، في محاولة عاكسة لرؤية أميركية لخريطة شرق أوسط جديد، يلعب العرب فيه دورا هامشيا خادما لمصالح واشنطن وإسرائيل من دون اكتراث بأي مصالح حقيقية للشعوب العربية.
وآمنت إدارة ترامب أن من شأن آلية التحالف العسكري أن تقرب بين إسرائيل والدول الخليجية لما يجمعها من هدف رئيسي يتمثل في مواجهة التهديدات الإيرانية.
ودفعت الخلافات بين أعضاء الناتو العربي إلى تهميش الفكرة باعتبارها صعبة التنفيذ، بخاصة مع عدم اتفاق دول التحالف على تحديد مصادر التهديد التي تواجهها. وترى السعودية والإمارات والبحرين إيران خطرا كبيرا تجب مواجهته بكل السبل، وعلى النقيض لا تؤمن بقية دول التحالف بأن إيران تمثل الخطر الأول عليها. كما مثل انخفاض مستوى الثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء تحديا آخرا أمام تشكيل أي تحالف يضمهم معا.
وعلى مدار العقود الأربعة الأخيرة، وتحديدا منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، عملت واشنطن على بناء منظومة عسكرية للأمن الخليجي عمادها وجود عسكري كثيف ومباشر في دول مجلس التعاون من دون استثناء، إضافة إلى تسليح دول هذه المنطقة وتدريب جيوشها في مناورات مشتركة تجمعها بدول المجلس مجتمعة وبصورة فردية أيضا.
ولم تحتج واشنطن إلى تأسيس تحالف جديد، ولم يحتج العرب إلى تأسيس تحالف جديد، إلا ربما حفنة منهم تؤمن بضرورة التودد لإسرائيل من أجل إرضاء واشنطن.. ولا يدل ذلك فقط على جهل كبير بواشنطن، بل على جهل بتوازنات الشرق الأوسط ذاتها.
ومع أفول فكرة الناتو العربي، لجأت إدارة ترامب إلى الاتفاقيات الإبراهيمية لتكون وسيلة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وفي جلسة الاستماع المشار إليها، أقرّت باربرا ليف بأن إدارة بايدن تعمل بجد حاليا وعن قرب مع الحلفاء العرب في المنطقة وإسرائيل من أجل تعزيز تقاسم المعلومات الاستخبارية والمشاركة والتنسيق التكنولوجي وتعزيز الدفاعات.
من ناحية أخرى، تؤكد تقارير أميركية أن الرئيس بايدن سيناقش كذلك خلال زيارته لإسرائيل والسعودية تفعيل نظام دفاع جوي متكامل بين الولايات المتحدة ودول الخليج وإسرائيل.
ولا يحدث كل ذلك في فراغ، بل طبقا لخطوات تدريجية مدروسة، ففي الأول من سبتمبر/أيلول الماضي أعلن البنتاغون دخول إسرائيل رسميا نطاق مسؤوليات منطقة القيادة الوسطى العسكرية “سينتكوم” إلى جانب بقية دول الشرق الأوسط الأخرى.
وتسمح خطوة البنتاغون الأخيرة بتعزيز التنسيق بين القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة وشركائها العرب وحليفتها إسرائيل، في الوقت الذي تركز فيه إدارة الرئيس جو بايدن على مواجهة ما تراه تهديدات إيرانية متزايدة.
وعلى مدار العقود الماضية، كانت إسرائيل تقع ضمن نطاق القيادة الأوروبية “إيوكوم” بسبب حالة العداء بينها وبين الدول العربية التي تمثل العمود الفقري لنطاق عمليات القيادة الوسطى، وذلك منذ تأسيسها عام 1983.
ويمثل انضمام إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة الوسطى اعترافا بواقع جديد يعكس حجم وقوة علاقات إسرائيل العسكرية بعدد متزايد من الدول العربية.
وتحتوي المنطقة الخاضعة لمسؤولية القيادة الوسطى على أكثر من نصف الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط ونحو نصف الاحتياطي من الغاز الطبيعي. ونتيجة لذلك، تتضمن المنطقة أكثر الطرق التجارية نشاطا في العالم بما تمتلكه من 3 معابر بحرية رئيسة لحركة التجارة العالمية: مضيق هرمز، وقناة السويس، ومضيق باب المندب.
ولا يتحرك البنتاغون وحده، إذ بحث الكونغرس من جانبه تشريعا مقترحا من أعضاء عدة، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يطلب من البنتاغون المساعدة في دمج الدفاعات الجوية لدول الشرق الأوسط الحليفة لتحفيز التعاون الأمني ضد تهديدات طهران، ويقترح التشريع أن تساعد واشنطن إسرائيل والدول العربية في تنسيق دفاعاتها الجوية ضد إيران من خلال قيام البنتاغون بدمج الدفاعات الجوية لهذه الدول وربطها ببعضها بعضا.
كما أن نقل إسرائيل إلى نطاق عمل القيادة المركزية الأميركية يمثل فرصة هائلة للعمل مباشرة مع الجيوش العربية، وستتعرف الجيوش على بعضها بعضا ليس في ساحات القتال وميادين المعارك كما كان الحال في العقود الماضية.
ويرتبط بذلك تغيير كبير ودراماتيكي في عقيدة الجيوش العربية، ففي العقود السبعة الماضية لم تعرف جيوش العرب عدوا سوى إسرائيل، ولم ينفصل إيمان الجيوش العربية بشأن هوية العدو عن إيمان جموع الجماهير العربية.
* محمد المِنشاوي كاتب وباحث في الشؤون الأميركية من واشنطن
المصدر: الجزيرة نت – الدوحة
موضوعات تهمك: