البرغماتيون الرائعون!
- الثقافة تبدأ هنا من الكلام، من تعيين موقفكم والى من تنحازون.. وذلك هو السؤال!
- المقاومة هي دائماً ممارسة لمقاومات جزئية، يجري “التفاوض” (او التراسل) بشأنها بصورة دائمة ما بين العبودية ورفضها!
- ينبغي العبور من انتظار القدَر للخلاص إلى سيرورة تراكمية إلى مقاومة منتِجة وأن مواقع الثقافة في غاية الاهمية داخل هذه السيرورة..
- الرجل الذي يمتدح بن سلمان وبن زايد “الرائعين” لأنهما “يدعمان اسرائيل أكثر من العديد من اليهود” ويَعْتد بصداقتهما أبرز قادة “الإنجيليين الصهاينة” ودعا لتحويل العراق إلى “غراوند زيرو”.
* * *
بقلم | نهلة الشهال
قيل أن “مؤتمر المنامة الاقتصادي” لن ينعقد لهزال من وافق على المشاركة فيه. لكن ترامب من الصلَف بحيث أنه يتخطى كل الاعتبارات المتعارف عليها في عالمي السياسة والدبلوماسية.
ولهذا تفسير او حتى تحليل، احد عناصره – باختصار وتبسيط – أن الرجل مقتلَع من أي جذر وأصل.. ولأنه يمثِّل السيولة القصوى (انظر تحليل عالم الاجتماع زيغموند باومان لعالم اليوم)، فهو يمكن أن يفعل ما يخطر بباله.. ويمكن أن يرتكب أفعالاً لا تأتي بثمارها المأمولة من قِبله.
كما في خطوته المسرحية في العام الماضي حين نقل سفارة بلاده الى القدس واعتبرها، موحدةً، العاصمة الأبدية لإسرائيل، ولم يتبعه في ذلك إلا بضعة دول ميكروسكوبية أو مِن تلك التي تقع سلطاتها تحت رحمته بالكامل..
ويكفي الاطلاع على التعليقات المحبَطة لكبار الباحثين الاسرائيليين، المؤيدين لسياسة نتنياهو، الذين يؤكدون أن قيمة الخطوة “رمزية” ليس إلا، فهي تلاشت في الهواء ولم يتبعها أحد من الدول ذات الاعتبار..
“وحتى البرازيل لم تفعل، على الرغم من وجود طائفة هائلة من الانجيليين الصهاينة، ومن إعلان رئيسها الجديد، خافيير بولسونارو، انه سينقل سفارة بلاده اقتداء بترامب.. لقد بقي ذلك كلاماً”.
يقول إيمانويل نافون، كبير الباحثين قي “معهد أورشليم للدراسات الاستراتيجية” الذي يُعزّي نفسه بأن “واحداً افضل من لاشيء”، ويضيف “لو نجح ترامب بالفوز في انتخابات 2020 فقد يتغير الموقف”.
بل يُسخّف الأمر برمته، “فقبل 1967 كانت هناك عشرات السفارات في القدس ورحلت عنها لما أعلن الكنيست في 1981 المدينة الموحدة كعاصمة لاسرائيل”، وأن “الخطوة الامريكية لم تفعل سوى تقرير واقع وجود معظم الوزارات الاسرائيلية في القدس، ولا تقصد شيئاً آخر “.. الى آخر هذه الترهات.
بينما يقول أحد كبار باحثي مركز هرتسيليا، عوفر يسرائيلي، أن نتنياهو وترامب متفقان على أن نقل السفارة الأمريكية الى القدس سيساعد في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني”.
كيف؟ “لاستحضار الخطوة بعداً جديداً وهو أن اسرائيل ستحصل على كل طلباتها أو يكاد، وخصوصاً بما يتعلق بالامن، وبالمقابل سيحصل الفلسطينيون على الدعم المالي”.. ها نحن في قلب مؤتمر المنامة!
.. وهذا إذاً سينعقد بعد أيام، في 25 و26 حزيران/ يونيو الجاري، وستُطلق فيه تفاصيل “صفقة القرن” التي يُطبَّل لها ويُزمَّر مع أنها لا تحمل جديداً لا على مستوى الأفكار ولا خصوصاً على مستوى الوقائع. وكان همّ ترامب في الأيام الماضية التأكد من.. توجيه دعوة رسمية وعلنية الى صحافيين إسرائيليين لحضور المؤتمر، وقد تمّ له ذلك.
اسرائيل مهتمة بالدول العربية “البرغماتية” حسب تعبير وزير خارجيتها مؤخرا في مؤتمر بنيويورك، وهي طبعاً معظم دول الخليج الملتزمة بمد الجسور مع تل أبيب.
لكن هناك وصف أكثر بهاء: “رائعان”، لأنهما “أكثر دعماً لإسرائيل من كثير من اليهود” بحسب مايك إيفانز Michael David Evans الذي قال ذلك بصدد بن سلمان وبن زايد، ضاماُ إليهما السيسي، وقد التقاهم جميعاً.
مَن الرجل؟ أحد أعمدة ما يقال له “الإنجيليين الصهاينة”، ومؤسس المجموعة العالمية “الصلاة لأجل أورشليم”، والأهم، “متحف أصدقاء صهيون للتراث” وهو مجمّع متكامل في القدس لديه 52 مليون متابع على فيسبوك يدعمون اسرائيل، ما يجعل الصفحة “أكبر وسيلة تواصل اجتماعي مؤيدة لاسرائيل في العالم”.
ويشمل المجمّع الذي افتتح عام 2015 وكلّف مئة مليون دولار، مركزاً للابحاث والتخطيط، ومعهدا للدبلوماسيين، وجامعة رقمية، جميعها “مخصصة للمساعدة في تعليم مؤيدي اسرائيل حول العالم، تاريخها والتحديات التي تواجهها وانجازاتها” (بحسب موقع المتحف – Friends of Zion Heritage Center).
وأيفانز كاتب عمود في صحف عدة، أمريكية وإسرائيلية، من بينها الأكبر، وصاحب برامج تلفزيونية، ومؤلف اكثر من 90 كتاباً (!) من بينها واحد خطير صدر في 2007، وأصبح الأكثر مبيعاً على لائحة صحيفة نيويورك تايمز.
وهي لائحة واسعة الانتشار والمتابعة، وعنوانه: “الخطوة الاخيرة بما يتجاوز العراق، الحل النهائي فيما العالم نائم” (The Final Move Beyond Iraq: The Final Solution While the World Sleeps).
ولا يُخفى على أحد أن تعبير “الحل النهائي” استخدمته النازية بخصوص المسألة اليهودية، وهو كان يعني الابادة أو “المحرقة”، ويقصده تماماً ايفانز بحسب ما يتبين للقارئ.
والكتاب، كما هو متوقع، عبارة عن قطعة من الهلوسة والعنصرية والاجرام العنفي، ويعتبر أن الولايات المتحدة تدافع عن نفسها و”روحها” إزاء خطر وجودي يتهددها، هو “الفاشية الاسلامية”. وأن العراق هو “غراوند زيرو”، أي فجوة ينبغي ان تكون مدمَّرة تماماً.
هذا هو الرجل الذي يمتدح بن سلمان وبن زايد ويعتد بصداقته بهما، وبأنه ناصح الرؤساء في المنطقة والعالم (ومنهم صديقه ترامب) بحكم علمه الواسع.. وبحكم انه إلتقى بالسيد المسيح وهو في العاشرة من عمره، بينما كان يتعافى من العنف الجسدي الكبير لوالده عليه وعلى والدته..
و”المخلّص” وعده بمستقبل باهر له. معتوه آخر في زمن يسود فيه المعتوهون.
كلمة أخيرة: يقول هومي بابا، أحد أبرز المفكرين في ما سُمّي “دراسات ما بعد – الكولونيالية”، والاستاذ بجامعة هارفارد، وهو هندي – بريطاني، أن المقاومة هي دائماً ممارسة لمقاومات جزئية، يجري “التفاوض” (او التراسل) بشأنها بصورة دائمة ما بين العبودية ورفضها..
وأنه ينبغي العبور من الانتظار القدَري للخلاص إلى سيرورة تراكمية، إلى “مقاومة مُنتِجة”، وأن مواقع الثقافة في غاية الاهمية داخل هذه السيرورة..
والثقافة تبدأ هنا من الكلام، من تعيين موقفكم والى من تنحازون.. وذلك هو السؤال!
* د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية، رئيسة تحرير “السفير العربي”.
المصدر | السفير العربي
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة