يجب الإبقاء على مقاييس العدالة والكرامة الإنسانية والعلاقات الديمقراطية المجتمعية والأخوة الإنسانية.
الاشتراكية الجديدة عربية أم غير عربية لا تقصد نظاما أبديا ليس له ما بعده بل تقترح نظاما يسد حاجات المجتمعات بالحاضر والمستقبل المنظور!
العديد من المفكرين والتنظيمات العربية، بدأت هي الأخرى بالحديث عن البدائل لتحل محل الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية، والاشتراكية العربية، والهجينة.
* * *
بقلم: محمد علي فخرو
مثل الآخرين سيحتاج العرب أن يختاروا نوع النظام الاقتصادي الذي ينسجم مع، ويقوي مكونات مشروعهم الأيديولوجي النهضوي القومي الشامل.
طرح الكثير من المجتمعات مشروع الأخذ بنظام اقتصادي اشتراكي ديمقراطي اجتماعي، بديلاً عن النظام الرأسمالي الكلاسيكي، والنيوليبرالي العولمي المهيمن حالياً، الذي تميز بالكثير من العيوب وبالأزمات الدورية المعقدة، وبديلاً عن النظام الاقتصادي الاشتراكي الماركسي، الذي فشل في تطبيقاته ونتائجه عبر سبعين سنة من تجربته في الاتحاد السوفييتي السابق.
لكن العديد من المفكرين والتنظيمات العربية، بدأت هي الأخرى بالحديث عن البدائل، لتحل محل الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية، والاشتراكية العربية، والهجينة المختلطة، التي جربتها مختلف الأقطار العربية منذ استقلالها، وإلى يومنا هذا، والتي أظهرت جميعها نواقص وإشكالات في الفكر وفي التطبيق وفي إحداث التنمية الإنسانية المستدامة.
يتبين من مراجعة أدبيات المحاولات العربية، أن التوجه هو للانتقال إلى نظام اقتصادي تحت مسمى «الاشتراكية العربية الجديدة» تجمع من جهة بعضاً من المنطلقات والتطبيقات الرأسمالية الضرورية لبناء اقتصاد إنتاجي يتميز بالكفاءة والتفاعل مع مستجدات العصر العلمية والتكنولوجية والتواصلية، ومع متطلبات الأسواق، ومع المبادرات الفردية التطويرية المبدعة، كما تجمع من جهة أخرى بعضاً من المنطلقات والتطبيقات الاشتراكية الضرورية لبناء اقتصاد يتميز بالعدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروات العادل، ومشاركة القوى العاملة، بندية تشاركية متوازنة، أصحاب رؤوس الأموال في أنظمة ومؤسسات الحكم وفي التخطيط الاقتصادي المركزي المرن، وفي إدارة المنشآت الإنتاجية، وفي اقتسام الأرباح.
ويهدف مقترحو هذا النظام المختلط المتوازن، إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلات الفقر، والبطالة، وتمركز الثروات والقوة المادية والمعنوية في أيادي قلة من المجتمع، وبالتالي هيمنتها على الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام.
كما يهدف إلى وجود دولة الرعاية الاجتماعية في حقول التعليم والصحة والإسكان والعجز والسكن. كما يهدف إلى إنهاء الصراعات الطبقية التي ميزت المسيرة التاريخية الإنسانية. إنه نظام يأخذ بعين الاعتبار الموارد الطبيعية والبشرية العربية، ويسعى إلى انتقال المجتمعات العربية من الاقتصاد الريعي إلى مستويات أعلى من التطور الاقتصادي الإنتاجي العادل، ويستفيد من أداء وقدرات سلطات الحكم ومن دينامية وإمكانيات القطاع الخاص، ويأمل من وراء ذلك في حل مشاكل مستعصية من مثل مواضيع عدالة الأجور واستقرار الأسعار، والابتعاد عن مغامرات التضخم المصطنع ومنع الانكماشات، التي تؤدي إلى البطالة وفقدان الكرامة الإنسانية والذل واليأس.
وتؤكد الأدبيات على أنها عندما تتحدث عن الاشتراكية الجديدة، سواء عربية أم غير عربية، فإنها لا تقصد إطلاقاً أنها تقترح نظاماً أبدياً ليس له ما بعده، وإنما تقصد نظاماً لحاجات الأفراد والمجتمعات في هذه الفترة من الزمن الحاضر والمستقبلي المنظور. إنها تطرح مشروعاً مرناً قابلاً للتطوير مستقبلاً، وذلك على ضوء التجارب والنتائج وعلى ضوء مستجدات الحضارة العلمية والتكنولوجية.
لكن في قلب كل ذلك يجب الإبقاء على مقاييس العدالة والكرامة الإنسانية والعلاقات الديمقراطية المجتمعية والأخوة الإنسانية.
* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني
المصدر| الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: