يعتبر صعود الفاشية الدينية، ذات الأساليب الإرهابية الاستئصالية خلاصة لمعنى إسرائيل نفسها التي تقول إنها دولة ديمقراطية ويهودية في الآن نفسه!
التطبيع مع دول عربية عامل مستجد يساهم بدوره، في تضييق الخناق على الفلسطينيين، وفي تقوية الاتجاهات العنصرية الدينية الإسرائيلية.
جزء كبير من المسؤولية عن التحول نحو الفاشية يقع على المنظومة الغربية، فهي الراعي والحامي لإسرائيل وتتجاهل انتهاكات إسرائيل حقوق الإنسان وجرائم حرب وكونها دولة عنصرية.
* * *
تشير نتائج الانتخابات الإسرائيلية، حتى الآن، إلى ضمان التحالف الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق، بنيامين نتنياهو، لأغلبية مريحة لتشكيل حكومة جديدة برئاسته.
ساهمت سياسات وشخصية نتنياهو، وبقاؤه طويلا على رأس السلطة التنفيذية، في انقسام أصوات الإسرائيليين، في الانتخابات الأربعة الماضية، إلى معسكرين متساويين تقريبا، ورغم إصرار استطلاعات الرأي الأخيرة، على أن المساواة ستتكرر في الانتخابات الأخيرة، فقد تمكن من ترجيح الكفّة وتغيير الوضع لصالحه، فما الذي جرى؟
تشير الإحصاءات، بداية، إلى دخول أكثر من مئتي ألف مصوّت جديد بين الانتخابات الماضية، في آذار/مارس 2021 والآن، أغلبهم من الشبان اليهود المجندين حديثا، ونظرائهم من المتدينين الرافضين للخدمة العسكرية، وكلاهما يصبّان في معسكر نتنياهو، حيث إن جزءا منهم يجتذبهم حزب الصهيونية الدينية، الذي يرأسه النائب اليميني المتطرف ايتمار بن غفير.
عمل نتنياهو أيضا على استرجاع أصوات 300 ألف ناخب امتنعوا عن التصويت في آخر ثلاث انتخابات، ونجح في جذب أكثر من نصفهم، كما اشتغل على تخويف الناخبين اليهود من تقدم الصوت العربي ما أدى إلى ارتفاع نسبة التصويت إلى قرابة 73٪، كما استثمر في دوره في إبرام «اتفاقيات أبراهام»، وفي المزاودة على مواقف خصمه يائير لبيد في شؤون التعامل مع لبنان (بدعوى خضوعه لحزب الله)، وإيران، وحتى الفلسطينيين، رغم أن حكومة لبيد زاودت على نتنياهو في القمع والقتل على أمل حصد مزيد من الأصوات.
حسب النتائج غير النهائية المعلنة، فقد تحوّل تحالف بن غفير، خلال الانتخابات الأخيرة، إلى القوة الثالثة في الكنيست، وهو أمر لا يمكن تفسيره بالتغيّرات الاجتماعية في الفئات الناخبة فحسب.
يعتبر صعود الفاشية الدينية، ذات الأساليب الإرهابية والأجندة الاستئصالية، في الحقيقة، خلاصة لمعنى إسرائيل نفسها، التي تقول إنها دولة ديمقراطية ويهودية في الآن نفسه.
فهذا التعريف يجعل الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، المسلمين والمسيحيين، مواطنين من الدرجة الثانية، فيما يجعل الفلسطينيين، الخاضعين للاحتلال، لاجئين في بلدهم، وخاضعين لقوة احتلال وحشية، مهمتها حماية ورعاية اعتداءات المستوطنين، ونهب أراضي الفلسطينيين لإنشاء مستوطنات مكانها، والتكريس اليومي للاعتداء على مقدساتهم، ومنازعتهم عليها، وتحقير لغتهم وثقافتهم ودينهم.
إضافة إلى العوامل الداخلية المرتبطة بطبيعة إسرائيل نفسها، فإن جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذا التحول، يقع على المنظومة الغربية، التي تعمل دور الراعي والحامي لإسرائيل، وتتجاهل مواقف الأمم المتحدة التي تكشف تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم حرب، وكونها دولة عنصرية.
يؤدي هذا، بالضرورة، إلى تعزيز الاتجاهات العنصرية واليمينية المتطرفة، وهو ما رأينا صعودا واضحا له في إيطاليا والسويد وهنغاريا، كما شهدنا تعززه حتى في إطار الأحزاب اليمينية التقليدية، كما هو الحال مع حزب المحافظين البريطانيين، الذي يميل بشكل متزايد إلى تبني الأطروحات الإسرائيلية بحماس، وإلى تعزيز الكراهية للإسلام والمسلمين، وهو الحال في بلدان رئيسية في أوروبا، كفرنسا وألمانيا.
يشير تفاخر نتنياهو بنجاح جهوده في إطار التطبيع مع عدد من الدول العربية إلى هذا العامل المستجد بوضوح، والبارز، الذي يساهم بدوره، سواء اعترف أم لا، في تضييق الخناق على الفلسطينيين، وفي تقوية الاتجاهات العنصرية الدينية الإسرائيلية.
لا يمكن أن ننسى، في هذا السياق، أن نذكّر بأن جزءا من هذا النجاح الذي يجنيه نتنياهو، يعود إلى الخسارة التي أوقعها الفلسطينيون بأنفسهم، بتشتيت أصواتهم في أربع قوائم، وهو ما أدى إلى تراجع نصيبهم من 15 مقعدا في الانتخابات قبل السابقة، إلى 10 مقاعد فحسب في الانتخابات الحالية.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك:
بعد عودة نتنياهو.. تنامي المخاوف من حليفه اليميني المتطرف بن غفير