يكاد يكون من المؤكد أن «الديمقراطيين» سيخسرون مقاعد، مثلما يخسر أي حزب يتولى الرئاسةَ في الانتخابات النصفية.
من غير المرجح أن يؤثر الاقتصاد على هذه النتيجة بطريقة أو بأخرى. لم يكن هذا هو الحال في القرن الـ19، عندما كانت القضايا الاقتصادية هي غالباً التي تقرر نتائجَ انتخابات التجديد النصفي.
وجدت دراسةٌ متعمقة لانتخابات مجلس الشيوخ عام 2010 أن «انخفاض معدلات التأييد الرئاسي، وليس المؤشرات الاقتصادية»، تنبئ بالهزيمة التي عانى منها الديمقراطيون في ذلك العام.
* * * *
بقلم: ستيفن ميهم
تأتي انتخابات التجديد النصفي، ومعها تنبؤات بأن المشاكل الاقتصادية للبلاد ستكلف «الديمقراطيين» فقدان السيطرة على الكونجرس. وكما أعلن أحد النقاد في قناة فوكس نيوز مؤخراً، فإن القول المأثور للمستشار السياسي جيمس كارفيل في عام 1992، «إنه الاقتصاد، يا أحمق»، لا يزال سارياً.
ويبدو أن بيانات استطلاعات الرأي تدعم وجهة النظر هذه. لكن تطبيق قاعدة أساسية عمرها 30 عاماً لإجراء انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 ليس رهاناً آمناً، إذا احتكمنا إلى التاريخ. ويكاد يكون من المؤكد أن «الديمقراطيين» سيخسرون مقاعد، مثلما يخسر أي حزب يتولى الرئاسةَ في الانتخابات النصفية.
لكن الأبحاث تشير إلى أنه من غير المرجح أن يؤثر الاقتصاد على هذه النتيجة بطريقة أو بأخرى. لم يكن هذا هو الحال في القرن الـ19، عندما كانت القضايا الاقتصادية هي غالباً التي تقرر نتائجَ انتخابات التجديد النصفي. أجرت إحدى الدراسات حول هذه الفترة تحليلات الانحدار لتحديد ما إذا كان النمو الاقتصادي أو أسعار الضروريات المنزلية قد ساعدت في تحديد نتائج التجديد النصفي، وقد وجدت أن ثمة علاقة كبيرة.
وقد تكهن المؤلف أنه في هذه الحقبة السابقة، قام الكونجرس، وليس الرئيس، بمعظم العمل الشاق عندما يتعلق الأمر بصياغة السياسة الاقتصادية. وقبل إنشاء بنك الاحتياطي الفيدرالي كانت المعارك حول السياسة النقدية وغيرها من القضايا الاقتصادية تهيمن على السياسة الأميركية، مع وجود اختلافات واضحة للغاية تفصل بين «الديمقراطيين» و«الجمهوريين».
تم نسيان هذه الخلافات إلى حد كبير اليوم. لكن بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في العصر الذهبي، كانت مسألة العملات الفضية والمناقشات حول استخدام النقود الورقية مقابل العملات المعدنية والقضايا النقدية الأخرى تستهلك الناخبين وممثليهم في الكونجرس. وكذلك فعلت جداول التعريفة، وهي قضية خلافية أخرى سيطر عليها الكونجرس إلى حد كبير. حتى الميزانيات الفيدرالية ظلت بحزم في أيدي لجان الاعتمادات وليس السلطة التنفيذية. باختصار، كانت انتخابات التجديد النصفي فرصة لإبداء الرأي في القضايا الاقتصادية على وجه التحديد، لأن أعضاء الكونجرس، وليس الرؤساء، كانوا يلعبون دوراً ضخماً في تحديد السياسة الاقتصادية.
ونتيجة لذلك، غذت مستويات الأسعار أو نمو الوظائف الإقبالَ على التصويت في انتخابات التجديد النصفي بطرق أثَّرت بشكل مباشر على نتيجة هذه الانتخابات. على سبيل المثال، في عام 1894، قام الناخبون الغاضبون من الكساد الشديد، بصبّ جام غضبهم في الكونجرس. وخسر الديمقراطيون، الذين كانوا يسيطرون في السابق على مجلس النواب، 100 مقعد في هذه الانتخابات، وهي أكبر خسارة على الإطلاق في انتخابات التجديد النصفي.
وجلب القرن العشرون تغييرات أعادت تشكيلَ كيفية فهم الناخبين للعلاقة بين الكونجرس والاقتصاد، إذ أزال قانون الاحتياطي الفيدرالي لعام 1913، الذي بدأ نقلاً تدريجياً للسياسة النقدية من السياسة إلى أيدي «الخبراء» الاقتصاديين، نقطةَ خلاف رئيسية من النزاعات التشريعية. في عام 1921، أعطى المشرعون الرئيسَ سلطاتٍ جديدةً لتحديد أولويات الميزانية، مما يشير إلى استمرار هجرة القرارات الاقتصادية بعيداً عن الكونجرس.
ومع ازدياد صلاحيات الرئيس على حساب الكونجرس، تحولت الانتخابات الرئاسية بشكل متزايد إلى حالة الاقتصاد، بينما اعتمدت سباقات مجلسي النواب والشيوخ على القضايا المحلية وأسلوب المرشحين الفرديين والإنفاق على الحملات الانتخابية. ومع ذلك، فحقيقة أن معظم الرؤساء رأوا أحزابهم تَخسر مقاعدَ في الانتخابات النصفية دفعت العديدَ من النقاد إلى استنتاج أن الناخبين كانوا يستخدمون هذه الانتخابات للإشارة إلى استيائهم النسبي من تعامل الرئيس مع الاقتصاد.
وتم تعزيز هذا التفكير من خلال الرأي السائد في عام 1975، عندما حول الإحصائي «إدوارد تافت» انتباهه إلى انتخابات التجديد النصفي. وقدم مقالُه التاريخي، الذي درس انتخابات التجديد النصفي بين عامي 1946 و1974، حجةً مقنعة بأن هذه المنافسات كانت بمثابة «استفتاء على أداء الرئيس وإدارة حكومته للاقتصاد».
رفض «تافت» فكرةَ أن القضايا العشوائية الأخرى تحدد نتيجة الانتخابات النصفية. وردد باحثون آخرون نتائج «تافت» باعتبارها العقيدة المكتشفة حديثاً في العلوم السياسية. لكن عدداً متزايداً من الباحثين المعارضين بدؤوا في النهاية في التشكيك في تلك النتائج. غير أنهم وجدوا أنفسهم مضطرين بشدة لتفسير كيف تتماشى الظروف الاقتصادية الوطنية مع نتائج سباقات التجديد النصفي، خاصة بعد عام 1960.
وأحدثت دراسة أجريت عام 1990 ثغرةً أكبر في حجة تافت. فقد نشر العالم السياسي روبرت إريكسون مقالاً يجادل فيه بأن تافت فشل في التحكم في كيفية تصويت الناس في الانتخابات الرئاسية السابقة.
وخلص إلى القول: «غالباً ما يتم تصوير الناخبين في انتخابات التجديد النصفي على أنهم ناخبون منتقمون، مستعدون دائماً لفرض عقوبات بأثر رجعي على أعضاء الحزب بسبب أوجه القصور الاقتصادية».
وخلص إلى أن هذه النظرة الساذجة كانت خاطئة، لأن الناخبين «ينسبون المسؤولية الاقتصادية إلى الرئيس، لكن ليس إلى الكونجرس». ووجدت دراسةٌ متعمقة لانتخابات مجلس الشيوخ عام 2010 أن «انخفاض معدلات التأييد الرئاسي، وليس المؤشرات الاقتصادية»، تنبئ بالهزيمة التي عانى منها الديمقراطيون في ذلك العام.
وبالمثل، فإن الخسائر في مجلس النواب التي تكبدها الحزب الجمهوري في عام 2018، على الرغم من الاقتصاد المزدهر، تعكس هذه النتيجة. وتشير الأدبيات الجديدة إلى أن نمو الوظائف (أو تراجعها) «ليس له علاقة بمكاسب حزب الرئيس في كل من مجلسي النواب والشيوخ». وبالمثل، يبدو أن التضخم ليس له أي تأثير على سباقات مجلس الشيوخ النصفية، وله تأثير ضئيل فقط على سباقات مجلس النواب. لا ينبغي لأي من هذا، بالطبع، أن يوحي بأن الديموقراطيين سيفوزون، إذ يكاد حزب الرئيس يخسر مقاعده دائماً في الانتخابات النصفية.
*ستيفن ميهم أستاذ التاريخ بجامعة جورجيا.
المصدر: الاتحاد – أبو ظبي
موضوعات تهمك: