إن حجم التباينات الثقافية في أوروبا تفوق بشكل كبير حجم التباينات في المجتمع العربي.
رغم كل العوامل المضادة توحدوا، ولم تطلق طلقة واحدة داخل دول الاتحاد الأوروبي منذ 1950، أي خلال 70 سنة، وهنا يبرز السؤال لماذا؟
عمق التباينات الثقافية والاجتماعية بأوروبا تكاد لا تختلف عن بقية أقاليم العالم، فلماذا توحدوا إقليميا دون غيرهم ورغم الردة البريطانية على ذلك؟
يغلب الصراع على علاقات الأوروبيين التاريخية فأكبر 12 حرب بالتاريخ من حيث عدد القتلى منها 4 أوروبية وعدد القتلى في حروب أوروبا الداخلية يبلغ 100 مليون.
العامل الأهم “دور العقلانية التي غرسها الفكر الأوروبي تدريجيا” ما ساعدهم على إدارة خلافاتهم وتبايناتهم وتطور المنهج العقلاني لا يتم إلا بإخضاع “الثوابت والمسلمات” له.
* * *
تلعب التباينات الثقافية داخل المجتمعات دورا في تأجيج الصراعات الدولية (إلى جوانب العوامل السياسية والاقتصادية ..الخ)، والقدرة على تجاوز هذه المسألة الثقافية أمر يستحق التأمل، فلو أخذنا الاتحاد الأوروبي الحالي سنجد أن عمق التباينات الثقافية والاجتماعية فيه تكاد لا تختلف عن بقية أقاليم العالم، فلماذا توحدوا إقليميا دون غيرهم حتى رغم الردة البريطانية على ذلك؟
إن حجم التباينات الثقافية في أوروبا تفوق بشكل كبير حجم التباينات في المجتمع العربي، ويكفي أن اعطي المؤشرات التالية:
1- فروق دينية بين الأوربيين ، فهم منقسمون دينيا ومذهبيا، فهناك مسيحيون: روم كاثوليك (في الغرب والجنوب الغربي)، وبروتستانت (الشمال) وأرثوذكسية شرقية (الشرق والجنوب الشرقي) بجانب ملحدين 11% ولاأدريين (غنوصيين) 14%، ثم مجموعات دينية صغيرة أخرى: مسلمون ويهود وأتباع ديانات آسيوية…ذلك يعني أن هناك حوالي 10 مجموعات دينية او مذاهب دينية.
2- فروق لغوية: هناك 24 لغة رسمية مستعملة في دول الاتحاد.
3- فروق عرقية (قومية)، هناك 87 مجموعة عرقية أوروبية، منها 33 مجموعة كبرى و54 أقلية عرقية أوروبية أخرى.
4- تباين النظم السياسية: هناك تباين في النظم السياسية: 7 دول ملكية والباقي جمهوريات.
5- الذاكرة التاريخية: يغلب على العلاقات التاريخية بين الأوروبيين الصورة السلبية ، فلو أخذنا اكبر 12 حرب في التاريخ الانساني من حيث عدد القتلى سنجد أن 4 منها أوروبية (حوالي 33% من حروب العالم الكبرى)، وان عدد القتلى في الحروب الأوروبية الداخلية يصل لحوالي 100 مليون قتيل.
رغم كل ذلك توحدوا، ولم تطلق طلقة واحدة داخل دول الاتحاد الأوروبي منذ 1950، أي خلال 70 سنة، وهنا يبرز السؤال لماذا؟
لا أميل لتفسير الظواهر–خاصة المعقدة منها والتاريخية- لسبب واحد، فأحادية العلة لا تصلح لتفسير الظواهر غالبا، لكني أعتقد أن العامل الأهم هو “دور العقلانية التي غرسها الفكر الأوروبي تدريجيا” وهو ما ساعدهم على إدارة خلافاتهم وتبايناتهم، وتطور المنهج العقلاني لا يتم إلا بإخضاع كثير من “الثوابت والمسلمات” له، وهو ما فعله الأوروبيون في كل تفاصيل حياتهم بدءا من العلاقات الفردية إلى العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومن فنون وآداب!
* د. وليد عبد الحي أستاذ علوم سياسية، باحث في المستقبليات والاستشراف.
موضوعات تهمك: