هذا التصعيد كان يصاحبه خط التراجع بعيداً عن الحافة، وهو ما توحي به تصريحات أمريكية عن اتخاذ تدابير لزيادة الثقة.
أطلقت أمريكا والغرب نظرية أن روسيا خرجت مهزومة من الحرب الباردة وهو ما دفع الغرب والناتو للتمدد شرقًا على حساب روسيا
تبدو أزمة أوكرانيا كأنها تندفع نحو حافة الهاوية ثم تتراجع بعيداً عن الحافة وكأن ما ينبئ بالصدام يحمل علامات توحي بالرغبة في تفادي الصدام.
بعد أن تلقت موسكو رد واشنطن الذي اعتبرت روسيا أنه لم يأخذ بالاعتبار مخاوفها الأمنية، حرص الجانبان على إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا.
لا يبدو أن بوتين يميل إلى صدام عسكري، فهو لا يريد أن تتوقف مسيرته لبناء روسيا من الداخل، ويسعى من خلالها لاستعادة مكانة روسيا كقوة عظمى
روسيا ترى أن أمريكا والغرب لم يحترموا تعهداتهم السابقة بعدم ضم أية دولة من الأعضاء السابقين بحلف وارسو وهو ما اعتبرته انتهاكاً لتعهدات جيمس بيكر وزير خارجية بوش الأب عام 1990 من عدم تقدم الناتو بوصة واحدة شرقاً.
* * *
بقلم: عاطف الغمري
صورة الأزمة التي تبدو وقد استحكمت حلقاتها بين أمريكا وروسيا حول أوكرانيا، تتشكل بطريقة تبدو وكأنها تتخذ لنفسها عن قصد، مسارين متعارضين.
فالأزمة تبدو وكأنها تدفع نحو حافة الهاوية، ثم لا تلبث أن تتراجع بعيداً عن الحافة. وكأن ما ينبئ بالصدام، يحمل علامات توحي بالرغبة في تفادي الصدام.
الولايات المتحدة والغرب يتمسكان بوجهة نظرهما بشأن نية روسيا غزو أوكرانيا. وأمريكا تدعو دبلوماسييها لمغادرة العاصمة الأوكرانية كييف. فهي ترى أن روسيا حشدت أكثر من 100 ألف من جنودها قرب حدود أوكرانيا. وهو ما يعكس نيتها لغزوها.
وفي تيار التصعيد من الجانبين كان إرسال 3000 جندي أمريكي إلى شرق أوروبا، بينما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن وصول نظام للصواريخ المضادة للطائرات إلى بيلاروسيا، ثم يتصاعد الخلاف بإرسال واشنطن رسالة مكتوبة إلى موسكو رداً على مطالبتها بمراعاة مخاوفها الأمنية.
ورفض الرئيس الأمريكي بايدن مطالب روسيا بتقديم ضمانات مكتوبة تحول دون انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، والحد من تمركز قوات الناتو في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وهو ما اعتبرته موسكو رداً لا يتضمن أي تأكيد إيجابي بشأن طلبها وقف استمرار تمدد الناتو شرقاً، ونشر منظومة أسلحة هجومية تشكل خطراً على أراضي روسيا.
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وصف الرد الأمريكي بأنه كان سلبياً.
لكن هذا التصعيد كان يصاحبه خط التراجع بعيداً عن الحافة، وهو ما يوحي به تصريح أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكية عن اتخاذ تدابير لزيادة الثقة.
وقال بلينكن، نحن نعتقد أن الدبلوماسية أمامها أفضل فرص النجاح، وأن الدبلوماسية وخفض التصعيد هما السبيل المضمون لتحقيق التقدم.
فبعد أن تلقت موسكو رد واشنطن الذي اعتبرت أنه لم يأخذ في حسابها مخاوفها الأمنية، فإن الجانبين حرصا على إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا، وهو ما أعلنه بلينكن عن استعداد بلاده لاتخاذ خطوات متبادلة لتبديد مخاوف موسكو.
ورد المتحدث باسم الكرملين بأن بلاده لن تتسرع في استخلاص النتائج بعد رد أمريكا على مقترحاتها، وأن من مصلحة الدولتين مواصلة الحوار.
وأوضحت روسيا في تصريحات أخرى مواصلة الاتصالات الدبلوماسية، وهو ما اعتبرته أوكرانيا مؤشراً على نية روسيا إيجاد حل دبلوماسي.
ورافق ذلك ما أعلنه المتحدث للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي من أن الاتحاد لن يفعل مثلما فعلت أمريكا، بطلب مغادرة عائلات موظفي السفارات الأوربية لأوكرانيا.
وفي سياق رد فعل لافروف الذي لم يرحب بالرد الأمريكي، إلا أنه قال في تصريحات صحفية، إن ردود واشنطن تبعث– مع ذلك– على الأمل في بدء حوار جدي، وإن كان ذلك بشأن قضايا ثانوية، وإننا سنقدم لواشنطن استفساراً حول عدم التزام الغرب بتعهداته الخاصة بعدم تقوية أمنه على حساب أمن الآخرين.
ذلك أن روسيا ترى أن أمريكا والغرب لم يحترموا تعهداتهم السابقة بعدم ضم أية دولة من الأعضاء السابقين في حلف وارسو، وهو ما اعتبرته انتهاكاً لما كان جيمس بيكر وزير الخارجية في إدارة بوش الأب قد أعلنه عام 1990 من أنه لن يحدث تقدم ولو بوصة واحدة شرقاً.
وهذا التحول في المواقف الأمريكية على وجه الخصوص، والذي زاد من عمق الشعور النفسي للروس بخيانة الغرب لتعهداته، رافقه إطلاق أمريكا والغرب نظرية توحي بأن روسيا خرجت مهزومة من الحرب الباردة، وهو ما دفع الغرب للتمدد شرقًا على حساب روسيا، التي ترى أن الحرب الباردة لم تكن صداماً عسكرياً، بحيث يمكن تصويرها على أنها انتهت إلى منتصر ومهزوم.
الآن لا يبدو أن الرئيس بوتين يميل إلى صدام عسكري، فهو يدرك أنه لا يريد أن تتوقف مسيرته لبناء روسيا من الداخل، والتي يسعى من خلالها إلى استعادة مكانة روسيا قوة عظمى، وذلك نتيجة مواجهات وصدام مع الغرب، ثم إن الرئيس بايدن من جانبه مازال – في تيار تصريحاته الغاضبة – يطرح فكرة التهدئة والدبلوماسية.
* عاطف الغمري كاتب صحفي مصري
المصدر| الخليج
موضوعات تهمك: