ما هي الحسابات التي تضعها الإمارات في الاعتبار وهي تستقبل رئيس النظام السوري؟
أثبتت الإمارات ريادتها في التطبيع مع كل الأنظمة والكيانات ذات التاريخ الإجرامي بغض النظر عن خلفياتها.
استقبال الإمارات للأسد رد غير مباشر على المطالب الغربية ورسالة إلى روسيا بما يمكن تسميته “حياد” الإمارات في ملف الغزو.
نظام الأسد يبحث عن ملاذٍ آمن لأموال أطرافه المختلفة خاصة في ظل أزمة لبنان الاقتصادية الخانقة وأزمات كبيرة تواجه المصارف اللبنانية.
أبوظبي تشارك إسرائيل معارضة العودة إلى الاتفاق النووي لكنها تسعى أيضا لتجنب “شر” إيران بإظهار الانفتاح على حلفائها والأسد أحدهم.
لعبة التوازنات قد لا تفلح بالمدى البعيد، خاصة إذا طال أمد حرب أوكرانيا وتوسعت رقعتها وأدواتها، فالإمارات لن تكون بعيدة عن تداعياتها.
كل حسابات الإمارات لا تصبّ في تصحيح علاقتها بالغرب وهي علاقة يحميها التقارب الهائل بين أبوظبي وإسرائيل كمطلب أساسي لدى الغرب من الدول العربية.
يتركّز سعي الإمارات على تحول البلاد، وتحديداً دبي، لملاذٍ آمن لرؤوس الأموال الهاربة من المحاسبة، فباتت مقصد الأثرياء الروس الهاربين من العقوبات الغربية.
* * *
بقلم: حسام كنفاني
أثبتت الإمارات، باستقبالها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قبل يومين، ريادتها في التطبيع مع كل الأنظمة ذات التاريخ الإجرامي، بغض النظر عن خلفياتها.
فهي سبق أن فتحت أبواب التطبيع على مصراعيها أمام إسرائيل، بغض النظر عن وضعية احتلال فلسطين أو ارتكاب الجرائم في الضفة الغربية وقطاع غزة، فما المانع من فعل الشيء نفسه مع النظام السوري، وأيضاً بغضّ النظر عن يدي بشار الأسد الملطختين بدماء مئات آلاف السوريين.
ورغم أن لا فارق بين النظامين في الخلفية الإجرامية، إلا أن هناك فارقاً كبيراً في الخطوات الإماراتية وما تهدف إليه، خاصة في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا، والضغط الغربي على الدول الخليجية، وفي مقدمتها الإمارات، لاتخاذ موقف حاسم من موسكو، والانضمام كلياً إلى المعسكر الغربي في مواجهة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وهو ما لم تعلنه أبوظبي حتى اليوم، بل على العكس من ذلك، أبقت الخطوط مفتوحة مع موسكو سياسياً واقتصادياً. وتأتي خطوة استقبال الأسد في إطار هذه الرسائل السياسية التي توجهها أبوظبي في أكثر من اتجاه.
من غير الواضح حتى الآن ما هي الحسابات التي تضعها الإمارات في الاعتبار وهي تستقبل رئيس النظام السوري. لكن هناك احتمالات يمكن البناء عليها، وهي كلها لا تصبّ في خانة تصحيح العلاقة الإماراتية مع الغرب، وهي العلاقة التي يحميها إلى اليوم التقارب الهائل بين أبوظبي وتل أبيب، وهو ما يعدّ مطلباً أساسيا لدى الغرب من كل الدول العربية.
ربما على هذا الأساس تتصرّف أبوظبي بأريحية في الملفات التي من الممكن أن تزعج الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، ولا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا وحلفائها.
احتمالات الخطوة الإماراتية تنقسم إلى قسمين، اقتصادي وسياسي. الشق الاقتصادي منها يتركّز على تحول البلاد، وتحديداً، إمارة دبي إلي ملاذٍ آمن لرؤوس الأموال الهاربة من المحاسبة، وهي على هذا الأساس باتت مقصد الأثرياء الروس الهاربين من العقوبات الغربية.
الأمر لا يختلف كثيراً مع نظام الأسد، والذي يبحث أيضاً عن ملاذٍ آمن لأموال أطرافه المختلفة، وخصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها لبنان، والأزمات الكبيرة التي تواجه المصارف اللبنانية، وعلى رأسها المصرف المركزي.
والتي كانت، حتى وقت قريب، حاضنة لأموال النظام وأفراده، وحتى الذهب الخاص به. الإمارات قد تكون الخيار المناسب في هذا السياق للنظام السوري، وهو ما يصب في مصلحة الطرفين.
وإذا كان الحساب الاقتصادي واضحاً إلى حد ما في الخطوة الإماراتية، فإن الاعتبارات السياسية أكثر تعقيداً، خصوصاً لجهة تشعبها في أكثر من ملف.
من الممكن البدء بالملف الأبرز حالياً، والمرتبط بالغزو الروسي لأوكرانيا، والمطالبة الغربية للإمارات والسعودية بزيادة الإنتاج النفطي لتعويض الخروج الروسي من السوق، إضافة إلى اتخاذ موقف واضح ضد موسكو.
في هذا الإطار، يأتي الاستقبال الإماراتي للأسد كرد غير مباشر على المطالب الغربية، وكرسالة إلى روسيا بما يمكن تسميته “حياد” الإمارات في ملف الغزو، وهي أساساً المستفيدة إلى حد كبير منه، بعدما تحوّلت إلى ملاذ الأثرياء الروس.
قد تكون الإمارات تخاطر إلى حد كبير في الانضمام إلى لائحة المشمولين بالعقوبات الغربية على كل ما يمتّ بصلةٍ إلى روسيا، غير أنها تدرك أنها لا تزال حاجة غربية، خصوصاً مع تطوير علاقتها مع إسرائيل.
أيضاً بالنسبة إلى أبوظبي هناك شقّ الاتفاق النووي الإيراني، والاحتمالات الكبيرة لإعادة تفعيله، مع ما يعنيه ذلك من صعود للنفوذ الإيراني في المنطقة.
وإذا كانت أبوظبي تتشارك مع إسرائيل في معارضة العودة إلى الاتفاق، إلا أنها تسعى في الوقت نفسه إلى تجنب “الشر” الإيراني عبر إظهار الانفتاح على حلفاء طهران، والأسد واحد منهم.
لعبة التوازنات هذه قد لا تفلح على المدى البعيد، خصوصاً إذا طال أمد الحرب في أوكرانيا وتوسعت رقعتها وأدواتها، فالإمارات لن تكون بعيدة عن تداعياتها.
* حسام كنفاني كاتب صحفي لبناني
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: