الإعلام لم يترك شاردة ولا واردة تتعلق بالقضية إلا واهتم بها، ولا نظرية من نظريات أسباب اختفاء الفتاة جابي بتيتو إلا وعرضها.
المؤسسات المعنية في حالة بتيتو سخرت ست مؤسسات أمنية، بما فيها مكتب التحقيقات الفيدرالى، كل مواردها وجهودها من أجل العثور على الفتاة.
تغطية مكثفة لاختفاء فتاة بيضاء ليست جديدة لكن تجسد عنصرية مستترة بالمجتمع ومؤسسات لا تتهتم لحياة آلاف من حالات مماثلة تكون فيها الضحية من غير البيض.
قضية المفقودين أحد تجليات العنصرية «المؤسسية» أى التى تعيد فيها المؤسسات المختلفة بما فيها الإعلام إنتاج شتى أشكال العنصرية الصريحة منها والمستترة.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
حاصرت وسائل الإعلام الأمريكيين بتغطية لا تتوقف، على مدار الساعة، لقصة اختفاء شابة تدعى جابى بتيتو. فالفتاة كانت فى رحلة مع خطيبها، جابا فيها الولايات المختلفة، ثم اختفت فى الأسبوع الأخير من أغسطس الماضى.
والإعلام لم يترك شاردة ولا واردة تتعلق بالقضية إلا واهتم بها، ولا نظرية من نظريات أسباب اختفاء الفتاة إلا وعرضها.
وقصة تلك الشابة مثال ممتاز لقدرة الإعلام على تحويل أى موضوع لقضية رأى عام. لكن ذلك المشهد الإعلامى أثار، فى ذاته، الكثير من الجدل.
فالتغطية المكثفة لاختفاء فتاة بيضاء مثل بتيتو ليست جديدة، ولكنها تجسد أحد أنماط العنصرية المستترة بالمجتمع، بل والمؤسسات التى لا تعطى الاهتمام نفسه لحياة الآلاف من الحالات المماثلة التى تكون فيها الضحية من غير البيض.
والعلاقة بين الإعلام والرأى العام ليست ذات اتجاه واحد يصنع فيه الإعلام الرأى العام. فالإعلام نفسه يغطى ما يرى أن الرأى العام، الأبيض طبعا، سيوليه الاهتمام الأكبر.
أما المؤسسات المعنية، ففى حالة بتيتو، سخرت ست مؤسسات أمنية، بما فيها مكتب التحقيقات الفيدرالى، كل مواردها وجهودها من أجل العثور على الفتاة.
وفور العثور على جثتها، دارت التحقيقات على قدم وساق حتى أشارت أصابع الاتهام لخطيبها الذى اختفى بعد مقتل الفتاة، فتم مسح ما يقرب من 900 كيلومتر مربع بحثا عنه، وأصدر مكتب التحقيقات الفيدرالى أمرا بالقبض عليه.
وفى الفترة ذاتها كان الشاب الأسود جيلانى ديي قد اختفى، هو الآخر، فلم يهتم الإعلام ولا مُنحت قضيته الاهتمام نفسه من المؤسسات الأمنية.
فلا مكتب التحقيقات الفيدرالى تدخل، ولا تحولت القضية من شرطة المقاطعة لمستويات أعلى فى السلم المحلى ولا الفيدرالى. وحين طفت جثته على صفحة نهر إلينوى، ظلت عائلته تستجدى أجهزة الأمن لإعطاء «حياة وممات» ديي اهتماما يماثل الاهتمام بحياة بتيتو ووفاتها.
ويزداد الأمر سوءا حين تكون الضحية من نساء الأقليات. فعلى سبيل المثال، ووفق إحصاءات وزارة العدل الأمريكية، تصل نسبة اختفاء نساء السكان الأصليين وقتلهن، بالمقارنة بباقى الأمريكيين إلى 10 مقابل 1.
ومع ذلك لا تلقى تلك الحالات اهتماما يذكر من الإعلام. وعادة ما يتلقى أهالى المفقودات من أجهزة الأمن، بما فيها مكتب التحقيقات الفيدرالى، رسالة مؤداها أنها لا تملك الموارد الكافية للبحث عنهن ثم الوصول للجانى.
والشىء ذاته يصدق على النساء من السود ومن ذوات الأصول اللاتينية والأقليات الأخرى. بل وتغلق الآلاف من تلك القضايا دون حلها أصلا.
لكن حتى فى حال تغطية الإعلام لحالات اختفاء أبناء الأقليات، فهى عادة تغطية جد مختلفة. ففيها يكون تركيز الإعلام، بل وأجهزة الأمن، على جوانب سلبية فى شخصية الضحية تفسر الاختفاء، وكثيرا ما يتم التحقيق فى تلك القضايا، باعتبار المفقود هاربا، لا باعتبار حياته فى خطر.
وقد دفع الاهتمام الإعلامى المكثف بقضية بتيتو عشرات من المنظمات الحكومية الأمريكية للعمل على مستوى الولايات للضغط على الإعلام وأجهزة الأمن المحلية من أجل أن تولى الاهتمام ذاته لقضايا فيها الضحية من الأقليات.
وكان المثال على ذلك جمع تلك المنظمات حوالى 4 آلاف توقيع لدفع أجهزة الأمن لتخصيص الموارد الكافية للبحث عن شاب أسود اختفى منذ ثلاثة أشهر ولا يعرف أحد شيئا عما جرى له.
وقضية المفقودين هى أحد تجليات العنصرية «المؤسسية»، أى التى تعيد فيها المؤسسات المختلفة، بما فيها الإعلام الأمريكى، إنتاج شتى أشكال العنصرية الصريحة منها والمستترة.
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي.
المصدر| المصري اليوم
موضوعات تهمك: