الإسلاميون في مواجهة التشهير

محرر الرأي12 يناير 2019Last Update :
الإسلاميون في مواجهة التشهير

الإسلاميون في مواجهة التشهير

 

بقلم: بلال التليدي

واجه إسلاميو العدالة والتنمية في المغرب سلاح التشهير الأخلاقي في أكثر من محطة، مثلهم في ذلك مثل عدد من القوى الديمقراطية التي استهدفت رموزها بقضايا أخلاقية.

ومع أن التوجهات الحداثية هي الأكثر دفاعا عن الحريات الفردية وعن الثقافة الحقوقية المرتبطة بحماية الخصوصية، إلا أن معركة التشهير الأخلاقي بالإسلاميين كانت دائما تتم بلسانهم، وعبر منابرهم الإعلامية.

والحقيقة أن الظواهر أو الحوادث التي تم الاستناد إليها لخوض معارك أخلاقية ضد الإسلاميين، تبقى في العموم محدودة، فضلا عن أن جزءا من هذه المعارك التي تستثمر سلاح التشهير الأخلاقي، لم تتبين مستنداتها، وماذا إذا كانت صحيحة أم مشكوكا فيها، ثم هي مع هذا الاعتبار، لا تحمل صفة العموم والاطراد حتى تكتسب السمة التي تسمح بالخروج بحكم بهذا التيار ووصمه بالازدواجية أو التعبير عما يناقض اختياراته المرجعية والمعيارية.

لا يهمنا في هذا التحليل التورط في نقاش صدقية المستندات الوثائق والصور، بقدر ما يهمنا على وجه التحديد أثر هذه المعارك على الإسلاميين من جهة، وعلى النخب الدافعة عن الحريات الفردية من جهة ثانية، وهل تدفع الإسلاميين إلى الانخراط في تحولات فكرية بشأن موقفهم من الثقافة الحقوقية ذات الارتباط بحماية الخصوصية؟

 

اقرأ/ي أيضا: ضربات لـ”العدالة والتنمية” المغربي.. هل تضعفه أم تقويه قبل 2021؟

في البدء، لا بد أن نقرر بأن الجدل حول حدود الحياة الخاصة للشخصية العمومية لم يحسم، وأن البعض، يرى أن مساحة الحياة الخاصة للشخصيات التي انخرطت في الشأن العام هي أكثر ضيقا إلى الدرجة التي تسمح بالانمحاء.

بالنسبة إلى الإسلاميين، وبمنطلق من مرجعيتهم، تكاد تضيق التمايزات بين حدود ممارسة الشأن العام في الفضاء العام، وبين ممارسة الحياة الخاصة فيه، خلافا لمنافسيهم ومخالفيهم من القوى الليبرالية والحداثية.

لكن المشكلة لا تطرح على مستوى المبدأ، وإنما تطرح في سياق الديناميات السياسية، أي حينما يتم تحويل هذه الحياة الخاصة، إلى سلاح أخلاقي للتشهير بالإسلاميين وتشويه رموزهم أمام قواعدهم الانتخابية، بالاستناد إلى مفهوم الازدواجية أو مفهوم النفاق الثقافي والاجتماعي، لترتيب نتائج سياسية على هذا الاستهداف الأخلاقي. على مستوى المبدأ، لم يلمس أي تحول في خطاب الإسلاميين وسلوكهم يسمح بالحديث عن انعطافهم الكلي للدفاع عن الحريات الفردية بالشكل الذي تدافع عنه القوى المتشبعة بثقافة حقوق الإنسان بالمعنى الأوروبي المركزي، لكن، ظهرت مؤشرات عدة، على دفاع الإسلاميين عن الحياة الخاصة في سياق الديناميات السياسية.

يقع الالتباس بين المستويين في ذهن بعض المتتبعين، فيختلط لديهم موقف الإسلاميين، ويرتبون بشكل سريع النتيجة، فلا يجدون غير الازدواجية لتقييم هذا السلوك، وفي أحسن الأحوال، تسجيل تحولات للإسلاميين تجاه الحريات الفردية والثقافة المرتبطة بحماية الخصوصية.

 

اقرأ/ي أيضا: سنوات القلق القادمة

 

والواقع أن ملاحظة ورصد مواقف الإسلاميين لا يسمح بهذا الاستنتاج، وإنما يؤكد التمايز بين المستويين. مثال ذلك، أن إسلاميي العدالة والتنمية، في مدافعاتهم حول تعديل مقتضيات القانون الجنائي، لم ينضج عندهم الموقف بتعديل التكييف القانوني لممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج باعتبارها فسادا، لكنهم في الوقت ذاته، لم يترددوا في أن ينتقدوا ممارسة السلطة في تطبيق هذا القانون، والانتقاء والتعسف الذي تمارسه في تنزيله، وتوظيفه ضد الخصوم السياسيين. هذا المثال، يكشف التمايز بين الجانب المرجعي، وبين وضع القضية في سياق الديناميات السياسية، وأن الانعطاف لحماية الحياة الخاصة أو الحريات الفردية في سلوك الإسلاميين ليس قضية فكرية محسومة، بقدر ما هي جواب عن انزياحات السلطة، ومحاولة لنزع سلاح غير الأخلاقي بيدها السلطة، تستعمله ليس لتنمية الأخلاق، ولا لترقية الديمقراطية، وإنما فقط للانتقام من معارضين أو تدمير خصوم سياسيين.

 

اقرأ/ي أيضا: تجارة البركة فى الكنيسة

يعتقد البعض أن هذه الظواهر أو الوقائع المرتبطة بالتشهير ونوع جواب الإسلاميين عنها يؤكد أنهم يسجلون تطورا في اتجاه العلمانية الأخلاقية أو العقائدية، وأن مسار العلمنة يسير في اتجاه الاكتمال في سلوك الإسلاميين، من العلمنة في السياسة بتوجههم نحو السياسات العمومية، إلى العلمنة في الأخلاق بانعطافهم نحو الدفاع عن الحريات الفردية وتبني الثقافة الحقوقية ذات العلاقة بحماية الخصوصية، لكن إذا كانت هذه هي الخلاصة، فلماذا يستهدفون في الجانب الأخلاقي إذن؟
تقديري أنهم يستهدفون أكثر في هذا الجانب، لأنه لا يزال يشكل مصدر قوتهم، ورصيد تميزهم على غيرهم، فلو كان المخالفون للإسلاميين يتمنون حصول هذا التحول، لباركوا الانزياحات المفترضة، وأصبح المتشبه في تورطهم فيها رموزا للانتصار للحرية الفردية وللتنوير الأخلاقي والعقائدي داخل الإسلاميين. في حين، أن العكس هو الذي يحصل، فهؤلاء اليوم، عليهم مدار معركة أخلاقية، يظهر فيها المخالفون، من حملة التوجه الحداثي، أكثر حرصا على الأخلاق حتى من الإسلاميين أنفسهم، وأكثر رغبة في تدمير هذه الرموز من دعمها في مسار التنوير المفترض.

 

اقرأ/ي أيضا: لماذا لا يتعلم الطغاة؟!

في أغلب الكتابات الاستراتيجية التي كتبت حول دعم مشاريع الاعتدال، وتم فيها الرهان على الحداثيين والعلمانيين التي في إنجاح هذه المهمة، تواترت التوصيات بدعم رموز الاعتدال، ورموز التنوير، وتنشئة حلفاء جدد حتى من داخل الإسلاميين من الرموز التي تنتصر للحريات الفردية، لكن المثير للمفارقة أن الحداثيين أنفسهم يجنحون إلى محاكمة الإسلاميين بمنطق أخلاقي، وهم يرغبون في الجوهر أن يشجعوهم على مغادرة هذا الموقع؟

 

اقرأ/ي أيضا: المسيحيون ومسألة الحقوق

ولذلك، تقديري أنه ليس من المتصور اليوم، ولا غدا، أن يتنازل الإسلاميون عن رصيدهم المرجعي والأخلاقي، فهذا ما يمنحهم شرعية التجذر والتموقع، وأن الانزياحات التي تقع، أو يتوقع حصولها، ستجعل الطلب على المرجعية أكثر، وستدفع إلى كثير من الاحتياط والحذر. فمن المستبعد أن تكون مثل هذه الحوادث المعزولة ـ هنا أو هناك ـ مؤثرة على المسار الفكري للإسلاميين، ولا مؤذنة بوقوع تحول فيه، كما أن الاستقراء لتجربة الإسلاميين في المغرب، يفيد بأن الطلب على المرجعية يتزايد، وأنها لا تزال قائمة وملهمة وموجهة، بل تكثف الحديث عن قوتها وضرورتها في المرحلة الأخيرة، واعتبارها عنصر وحدة والتحام في مواجهة الاستهدافات التي يتعرض لها حزب العدالة والتنمية من قبل خصومه.

 

المصدر: القدس العربي

Comments

Sorry Comments are closed

Type a small note about the comments posted on your site (you can hide this note from comments settings)
    Breaking News