الأمن والسيادة معادلة صعبة أمام التحولات الإقليمية
- تركيا والسعودية وإيران دول ذات قدرات عسكرية واقتصادية تمكنها من ممارسة الهيمنة إقليمياً
- في اليمن والخليج وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان نجد نقاط تقاطع مختلفة لمصالح الدول الثلاث
- المهيمنون الثلاثة يواجهون تحديات وجودية ليست متساوية في الخطورة
- التحديات واقع ماثل نتائجه ستشكل هوية المرحلة القادمة إقليمياًّ
بقلم: ماجد الأنصاري
بالإمكان تقسيم دول العالم إلى ثلاثة أصناف، دول تمارس هيمنة عالمية، وأخرى تمارس هيمنة إقليمية، ودول تحاول المحافظة على سيادتها في ظل تنافس هذه القوى، الولايات المتحدة مثلاً تنافست مع الاتحاد السوفييتي على الهيمنة العالمية وراحت ضحية ذلك العديد من الدول مثل كوريا وفيتنام التي تعرضت لحروب طاحنة نتيجة صراعات القوى العظمى.
إقليمياً كان الصراع بين روسيا والاتحاد الأوروبي كفيلاً بخلخلة دول بحجم أوكرانيا وإثارة قلاقل في جورجيا، وفي منطقتنا العربية جاء مزيج التنافس الإقليمي والدولي ليشكل خريطة المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
ومازال هذا التنافس ينتج تفاعلات في موازين القوى يروح ضحيتها ملايين البشر، واليوم يبدو أننا مقبلون على واقع إقليمي جديد تتكشف صورته أكثر يوماً بعد يوم.
جاء الكثير من اللاعبين الإقليميين وذهبوا خلال القرن الماضي لتستقر الأمور لصالح ثلاث دول تتمتع بالموارد المناسبة للهيمنة الإقليمية وما يكفي من الاستقرار لممارسة هذه الهيمنة.
تركيا والسعودية وإيران ثلاث دول كبيرة ذات قدرات عسكرية واقتصادية تمكنها من ممارسة دور الهيمنة إقليمياً، ووقوع هذه الدول الثلاث في منطقة جغرافية متقاربة يعني أن التنافس بينها حتمي.
تركيا التي بعثت كالعنقاء من تحت الرماد تسعى لاستعادة تأثيرها في المنطقة العربية والأراضي العثمانية القديمة شمالاً.
السعودية ومن خلال موقعها الاقتصادي والرمزي حاولت أن تتسيد الموقف عربياً خاصة مع أفول نجم دول عربية كبرى مثل العراق ومصر، وتمكنت من التحكم في المشهد العربي لفترة ليشكل الربيع العربي تحدياً قاومته السعودية بغية المحافظة على هيمنتها.
إيران من ناحيتها لا تقبل بوجود قوة إقليمية أخرى تشكل تهديداً لمشروعها وحجمها إقليمياً لذلك سعت منذ الثورة لإضعاف ما حولها بشكل كاف لتمارس هيمنة عليه.
يقع التماس بين هذه القوى الثلاث في محيط يمتد من جنوب شبه الجزيرة العربية حتى الحدود السورية التركية، في اليمن والخليج وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان نجد نقاط تقاطع مختلفة لمصالح هذه الدول الثلاث.
كل منها يحاول فرض نفسه والتمدد في مساحات الفراغ التي خلفتها الفوضى التي اجتاحت المنطقة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق.
الصراع بين هذه القوى الإقليمية وضع العديد من الدول الأخرى في المنطقة أمام خيارات ثلاثة:
– الأول انحياز لأحد هذه الأطراف والاستقواء به، وهو اختيار يشكل عامل ردع أمام الآخرين لكنه يضعف السيادة الوطنية خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ويمثل تهديداً من حيث ارتباط المصير مع هذا المهيمن الإقليمي أو ذاك.
– الخيار الثاني محاولة لعب لعبة التوازنات بين هذه القوى من خلال وضع الواحد منها أمام الآخر والتأرجح بين طرف أو آخر حسب ظروف المرحلة، والخطورة هنا هي أن هذا الخيار يضع صاحبه أمام احتمالية عدم إرضاء أي من الأطراف وبالتالي وجود تهديد مستمر بالضغوطات المختلفة،
– الخيار الثالث هو الانعزال والقبول فقط بعلاقات مبنية على المصالح المشتركة دون الدخول في تحالفات مرتبطة بالصراع بين القوى الإقليمية، وهذا الخيار وإن كان الأقل مخاطرة إلا أنه يضعف قدرة متخذه على النمو إقليمياً وضمان تحقق المصالح الوطنية عبر الواقع الإقليمي، دول المنطقة تنوعت خياراتها وانتقلت من خيار لآخر حسب المصالح ولكن التحديات اليوم أصبحت أكبر.
ما زالت الصورة إقليمياً غير واضحة:
هل يصمد مشروع إيران الإقليمي أمام ضغوطات الاقتصاد والعقوبات الأمريكية؟
هل تصمد مغامرة السعودية الإقليمية أمام أزمات قيادتها مع المجتمع الدولي؟
هل تصمد تركيا أمام تحديات الاقتصاد والخلاف مع الغرب؟
المهيمنون الثلاثة يواجهون تحديات وجودية، هي بلا شك ليست متساوية في الخطورة، لكنها واقع ماثل نتائجه ستشكل هوية المرحلة القادمة إقليمياً.
من سيبقى واقفاً بعد العواصف المتلاحقة سيكون له الدور الأكبر في تشكيل مستقبل المنطقة خاصة مع تراجع الدور الأمريكي عالمياً وعدم وضوح البدائل أمام المجتمع الدولي.
أما الدول الوسيطة والصغيرة فليس أمامها سوى دراسة خياراتها بدقة لتحقيق أعلى درجة من الأمن مع أقل خسارة من السيادة.
* د. ماجد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي.
المصدر: «الشرق» القطرية