الأصولية والحقائق الحية الخالدة
كما يرى جاك بيرك أن صعود الأصولية الإسلامية هو “رد فعل على الأخطاء التي ارتكبت في فترة ما بعد الاستعمار.. إن الجماهير التي قاتلت من أجل الاستقلال اعتقدت بأن كل شيء انتهى بمجرد الحصول على الاستقلال وإقامة الدولة – الأمة … في حين أن الدولة – الأمة هي نقطة البداية”، ويضيف مكسيم رودنسون بأنه: قد “نشأ إحباط تجاه الأيديولوجيات السياسية – الاجتماعية الكبرى التي انتشرت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين”.
ومع ثبات الفاعليات الاجتماعية باستمرارية آلياتها القهرية والتى تسبب الركود الاجتماعى، والاستمساك بالنموذج الماضوى المتمثل فى ماهية الديانة المطلقة والمقدسة بما تمثله من مشيئة إلهية و نمذجة آلياتها فى المواقع المعاش على اعتبار أنها تمثل العصر الذهبي للحياة والمجتمع والإنسان ودون أي تدخل إنساني بإعمال العقل والنقد والقوانين الوضعية ورفض التأويل والاجتهاد والنقاش فالمعرفة مرتبطة كليا الإله وأن الأيمان بالشريعة إيمانا قاطعا ومنفصل عن الاجتهاد العقلى الإنسانى ومن هنا تصير الشريعة مطلقا ثابتا معصومة من الخطأ ومستمدة من التص الدينى وعصمته وبالتالى فإن المساس بها ــ أية مساس ــ هو مساس المقدس ذاته.
ومن منطلق الحاكمية لله وحده وعلى الرغم من حركة التطور البشرى التاريخى والمستمرة تجاه التغيير والمستقبل ، وكما يرى محمد حلمي عبد الوهاب إن “الأصوليات المعروفة كافة تلتقي حول فكرة رئيسية مفادها أن النص المرجعي بالنسبة لكل واحدة منها يحتوي على مجموعة من الحقائق الحية الخالدة ، والتي هي صالحة لكل زمان ومكان كمؤشر وضمان لمعصوميتها من الخطأ لذلك تعتبر الأصولية الكتاب أو النص الذي يتخذ كمرشد مكتف ذاتيا ، بمعنى أنه توجد فيه كافة الإجابات عن كل الأسئلة الحاضرة أو القادمة على حد سواء”.
ويرى المفكر محمود أمين العالم أن “والأصولية تختلف وتتمايز عن هذه المفردات جميعا وتشكل دلالة مذهبية وأيديولوجية خاصة بمعنى أنها الرؤية التي تتخذ من الأصل سواء أكانت نصوصا دينية أم مذهبا دينيا أم سياسيا أم جذرا عرقيا ، مرجعا أساسياً وسنداً مطلقا نهائيا في مفاهيمها وسلوكها فليست كل مرجعية إلى أصل ثابت تتسم بالأصولية.. وإنما تصبح هذه المرجعية أصولية إذا تكررت هذه المرجعية واحتكرت وطغت بشكل مطلق أصبحت منهجا مسيطرا”.
في حين فسرت “رابعة جلبي” مصطلح الأصولية بأنه: “يختلف دلالته بحسب بنية الثقافة التي تستخدمه، إذ يعني التمسك بأصول الدين والاحتكام إليها في المدلول الإسلامي ، يأخذ هذا المصطلح معاني حديثة ترتكز على المفهوم الغربي، فهذه التسمية كانت تطلق على تيار محافظ في اللاهوت البروتستانتي ، ومن خلال هذا المفهوم يستخدم هذا المصطلح للدلالة على الاتجاهات المتشددة عموما، وليس للاتجاهات الإيمائية فقط، كما أنه أصبح في الآونة الأخيرة مصطلحا دالا على جماعات الإرهاب السياسي ذات البعد الديني ولذلك فأن المصطلح تختلف دلالاته من ثقافة إلى أخرى، ومن اتجاه إلى أخر، ومن شخص إلى أخر بحسب ثقافته”، وقد تنوعت رؤي بعض المفكرين الغربيين حول الأصولية الإسلامية فيرى جون اسبوسيتو: “الأصولية الإسلامية في معناها الواسع إلى تجديد الإسلام في كل من الحياة العامة والشخصية للمسلمين ممثلة في زيادة ممارسة الشعائر الدينية والإكثار من المطبوعات الدينية والبرامج الإعلامية التي تدعوا إلى تطبيق الشريعة وإنشاء البنوك الإسلامية وتطوير التنظيمات الإسلامية وحركات الناشطين”.
أما صاموئيل هانتجتون فقد رأى أن الأصولية الإسلامية: “التي ينظر إليها على أنها الإسلام السياسي ليست سوى أحد المكونات في عملية الإحياء الواسعة للأفكار والمعتقدات والدعوة وإعادة الإخلاص للإسلام الذي تمارسه جماهير المسلمين “ويرى” فرانتي ” حقيقة التصور الأمريكي للأصولية بقوله: ” أن الجماعة الدينية المنعوتة بالأصولية تصور دائما كآثار دينية متحجرة.. تعيش أبدا في العصور الماضية ويستعمل الأمريكيون في الأغلب هذا التحليل المبسط لشرح أحداث في الشرق الأوسط، بسبب الغليان السياسي الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ( بما في ذلك حاجتها إلى النفط ) … ولكن مثل هذا التبسيط المبالغ فيه لا يمثل الأصولية ولا يمكنه شرح الاستحسان الواسع الانتشار للحركات الأصولية المعاصرة داخل العديد من ديانات العالم ” ويرى دكمجيان: “أن أنسب المصطلحات للظاهرة الإسلامية هو ” الأصولية الإسلامية ” من حيث أنه يشير إلى البحث عن أصول العقيدة وعن أسس الدولة الإسلامية وقواعد نظام الحكم الشرعي.. وهذا التركيب يؤكد البعد السياسي للحركة الإسلامية أكثر من جانبها الديني”.
موضوعات تهمك: