تفكيك الوهم: الأصولية بين فكر الخلاص وفكر الخلافة
- (1-2) صناعة الخطر، سلسلة مقالات حول الوهم الذي تعاني منه الشعوب من الأنظمة الحاكمة
ليصبح أصحاب هذا الفكر هم الأصول التى لابد وحتما الخضوع لها بالسمع والطاعة، وهم القانون الصارم والمباشر والحرفى القائم على تنفيذ المبادىء الأساسية للدين وتحقيقا لهذا الوكالة الراسخة والتكليف تجرى عمليات الإبادة الجماعية والاغتيالات والتطهير العرقى والتهجير وتدمير المستشفيات وقتل الجرحى واغتصاب النساء والأطفال.
ومن هذا التفرد المقدس كما يؤكد حاخامات الأصولية الصهيونية مثل الحاخام جينسبرج بان: “الحياة اليهودية لا تقدر بثمن، إن هناك شيئا أكثر قداسة وتفردا بشأن الحياة اليهودية أكثر من الحياة غير اليهودية”، و “إن إنزال عقوبة الموت بالعرب الذين يلقون الحجارة ليس جائزا فقط ولكنه واجب” وكما يقول الحاخام أفنيري، فإن باروخ غولدشتاين يمثل نموذجا للتفكير والسلوك الأصولي اليهودي، والذى أصبح قديسا ويزار قبره كل عام من الإسرائيليين وهو الذى اقتحم المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994 وقتل 29 شخصا من بينهم أطفال أثناء أدائهم صلاة الفجر، وهكذا تكون التصرفات العنصرية التى تنفى الآخر من أجل الرب ومن أجل مملكته.
لم تعد الأصولية ذلك البناء الأيديولوجى الذى يجمع بين الدينامية التى تحافظ على سماحة النص المقدس وتجمع بين عبر التاريخ وإشراقاته والثابت القديم بأنواره وخلاصة التجارب الإنسانية فى الماضى وبين المتغير العصرى الحديث والحاضر القائم المتطور بالعلم والعقل والذى يتطلع إلى آفاق الإنسانية التى تستوعب الإنسان فى جماليات السلام والمحبة وكما قال تعالى: “وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى السلام ودَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25″، وقوله الحق تعالى عز وجل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” ( النساء: 94 ).
وأمر الله -عز وجل- نبيه الكريم أن يصفح عن الجاهلين بقوله لهم “سلام”: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” (الزخرف: 89) وروى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: ) أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ (.وكما روى في صحيحه معلقًا، عن عَمَّار بن ياسر قال: ) ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ. ويقول الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. (الحجرات: 13) ليجسد الله عز وجل للإنسانية والتعارف ، وكما يرى الشيخ جاد الحق رحمه الله أن تعدد الشعوب ليس للخصومة والهدم وإنما هو مدعاة للتعارف والتوادِّ والتحابِّ، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكره كلمة حرب ولا يحب أن يسمعها وفى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: “أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّةُ”.
عذراً التعليقات مغلقة