“كم هو عارنا كبير نحن المسيحيين أن نسمح (لصرامي) ان تدعي تمثيلنا والتحدث باسمنا”، جملة كتبها الكاتب والمعارض السوري البارز ميخائيل سعد
رغم أن ما يدور في سوريا منذ 2011، يوضح للجميع ما فعله بشار الأسد في سوريا.
قد نحتاج للتوقف قليلا عند جولات بطاركة سوريين ولبنانيين، يصولون ويجولون في محاولات لتلميع النظام السوري، أخرها في مؤتمر جنوب إيطاليا الذي ركز على عودة اللاجئين المسيحيين لبلادهم مطلقا دعايا النظام عن نفسه، عن كونه “نظامًا علمانيًا”، مؤكدا على ما يردده الأسد دومًا، عن أنه البديل الأفضل من الإسلاميين.
الأسد يقدم نفسه على أنه رجل الدولة، التي تضم مواطنين وليس رعايا، كما يصور المتطرفون الإسلامويون، لكن الصورة الكاملة لا تظهر دائما في خطابات الأسد، حيث يحدث الخارج في خطاباته ويمارس فعله على الداخل.
هناك عنصران أساسيان يجب ذكرها في توضيح حقيقة الصورة الأسدية التي يقدمها للسوريين المسيحيين، قبل الحديث عن أي شئ أخر.
المحتويات
الأمر الأول هو الإسلاموين ذاتهم.
منذ بداية الثورة السورية، توجهت الإتهامات لنظام بشار الأسد بتعاونه مع الإسلامويين، أو استغلالهم كأدوات لتدمير الثورة السورية، لكن الأمر يتخطى كون الأسد يستغل الإرهابيين في الوقت الحالي، إلى كون نظام الأسد الأب بدأ تلك الإستراتيجية في ثمانينيات القرن الماضي، بعد زرع نظام حافظ في لبنان، الإرهابيين الثلاث صبري البنا “أبو نضال”، ومحمد زيدان “أبو عباس”، و إلييتش راميريز سانشيز “كارلوس الثعلب)”، بعد قيامه بقتل معارضيه البارزين في لبنان في عام 1976، ليقوم الثلاث إرهابيين الأخطر والأكثر شراسة في الثمنينيات، بتنفيذ عمليات في عراق صدام أو الأردن في أوقات خلافاتهم بين نظام حافظ الأسد وأنظمة تلك الدول أنذاك.
لذا فإن استراتيجية الأسد الإبن، موروثة عن أبيه، يقوم من خلالها بإختراق الجماعات الجهادية، والتحكم في عمودها الفقري، ويحركها حسب مصالحه، لم تكن الثورة السورية هي بداية الممارسة النظامية المعتادة، حيث يذكر استخدامه إياها في حرب العراق عام 2003، من أجل توجيه الحرب نحو دفة مصالح النظام السوري، بنقله ألاف المقاتلين الإسلامويين المتطرفين إلى العراق.
بعد أشهر قليلة من إنطلاق الثورة السورية يفرج نظام بشار الأسد عن مئات المعتقلين في السجون النظامية، من لهم طابع إسلامي، ليتحولوا في ما بعد لأهم صانعي التنظيمات المتطرفة، وذلك بحسب مصدر سابق في المخابرات النظامية، انشق عن القوات في بداية عمليات القتال.
من جهة مشابهة فإن علي مملوك رئيس الأمن الوطني السوري صرح في وقت سابق بأن الأمن السوري ينجح دوما في التعامل مع الإرهابيين، لأنه يستطيع إختراق الجماعات المتطرفة، في هيكلها التنظيمي وزرع عملاء للنظام يوجهون دفة التنظيمات.
في 2014، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول في النظام السوري، قوله أن الأولوية ليست لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي أنذاك، وإنما القضاء على جماعات المعارضة. وأضاف المسؤول أن النظام سعيد برؤية تنظيم الدولة الإسلامية يقتل جماعات المعارضة المسلحة. وجاء في تصريحات المسؤول الحكومي السوري: “إنها استراتيجية للتخلص والقضاء على الجيش السوري الحر ومواجهة اثنين من العناصر الأساسية بعضهما البعض: الأسد والدولة الإسلامية (..) الآن يطلب الأسد من العالم الدعم والمساعدة، والعالم لا يمكنه أن يقول لا”.
الأمر الأخر يتعلق بالمسيحيين
بعد بداية الثورة السورية بأقل من شهر في إبريل/ نيسان، يبدأ النظام السوري بوضع حجر الأساس في تعامله مع المسيحيين السوريين لكسبهم إلى صفه بعيدا عن صف الثورة، وقبل شروع النظام في خطته المعتادة في تنميط أي حدث معادي له بالصبغة الإسلاموية، يمهد الأقليات الدينية والطائفية والعرقية لتلك الإستراتيجية.
وجه الأسد ونظامه خطابهم للأقليات الدينية في البلاد، وكان أبرز خطاباته للمسيحيين السوريين، عبارة عن عمليات تخويف مستمرة من ذلك الإسلامي الملتحي المجهول الذي يأتي من أجل إنهاء حياتهم أو سلب الجزية منهم، أو تهجيرهم من البلاد، ودعم الأسد تلك اللهجة التخويفية، بعمليات رمزية تساهم في تأكيد وجود الذعر حول المواطنين من كل جانب، ففي 17 إبريل/ نيسان، قرر الأسد نشر رجال أمن تابعين لنظامه على أبواب الكنائس، الجو مشحون، والمخاوف تثار كلما بدا الجدية والمبالغة من قبل الأمنيين النظاميين، ثم أوعز إلى رجال الكنيسة بقصر الإحتفالات على الإحتفالات الكنسية فقط. وفي منشور للكنائس السورية قال الأسد أنه لا يجب أن تكون هناك أي تحركات خارج الكنيسة، “حتى لا تتمكن قوى الفتنة الحاق الأذى بالمسيحيين”.
لابد وأن ينتشر الذعر بين المواطنين المسيحيين، احتفالات يحوطها الخوف من كل مكان، إشاعات تطلقها المخابرات السورية، اشاعة عن قنبلة هنا، وعن مسلح هناك، وعن ابطال مفعول حزام ناسف يرتديه ملتحي، الأمور كلها تخنق الخوف حول الأقلية المسيحية من المجهول القادم.
في كتاب “سورية.. اللعب على الورقة الطائفية”، وثق بها شهادات من عايشوا الأحداث إبان الثورة، نقل الكتاب عن أحد المواطنين حديثه عن إحدى التظاهرات، ليظهر عدد من الشبيحة مسلحين، يهتفون في الشارع “شبيحة للأبد”، “والله سورية بشار وبس”، ثم تأتي التظاهرات ليتسلل عدد من الشبيحة للداخل ليُري الجميع أن إطلاق النار بدأ من داخل المظاهرة.
وتضيف أخرى بحسب الكتاب ذاته “كلنا نعلم بمخطط تفريغ منطقة الشرق الأوسط من المسيحيين (..) شعرتُ بشيء يشبه ما حصل أيام الثمانينيات عندما هجم الإخوان المسلمون، وخلصَنا حافظ الأسد منهم. واليوم كانت لدي الثقة بأن بشار الأسد سيفعل بالمثل مع السلفيين. لقد بدأوا بإطلاق النار، وأصاب أهالي الحي الذعر، لماذا يريدون القدوم إلى حينا؟ ماذا سيفعلون هنا؟. لقد أرادوا إفساد العيد علينا، ولكن الحمد لله استطاعت قوات الأمن أن تتصدى لهم”.
النظام زرع انعدام الثقة بين الثورة التي صبغها بغير أهدافها، وبين الأقلية الدينية.
المسيحيون كهدف
قرر رئيس النظام بشار الأسد، عقب بدأ الإحتجاجات ضده بأشعر، تعيين داود راجحة نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع، كأول وزير دفاع من المسيحيين في سوريا، ثم تلا ذلك دفع النظام لعدد من الشخصيات المسيحية المعروفة بإعلان دعمها تحركات النظام.
ثم توالي الزيارات بداية، ببطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لدمشق، ثم زيارة بطريرك الروم الأرثوذكس، وزيارة البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عززت صيغة تفاهمات الكنائس مع نظام الأسد وأعطته صبغة اعلامية دفعت به في الواجهة كالوجه الأفضل بالنسبة للمسيحيين السوريين.
والحل لمواجهة ذلك هي الهجرة، في 2016 أعلنت وزراة خارجية روسيا أن المسيحيين السوريين انخفض عددهم منذ بداية الثورة مليون مسيحي، فيما تظهر الإحصائات أن أعداد المسيحيين السوريين كان 2.2 مليون قبل الثورة السورية، ما يعني أن نحو نصف المسيحيين السوريين تمكنوا من الرحيل خارج البلاد.
قامت منظمات تابعة للكنائس السورية وكنائس دول أخرى، بمساعدة الكثيرين من السوريين المسيحيين، على الرحيل من سوريا، فيما ساعدت بعض الكنائس مسلمين سوريين على الحصول على اللجوء مقابل التنصر.
في يوليو/ تموز 2017 وقعت السلطات الفرنسية مع منظمات مسيحية، اتفاق نقل 500 لاجئ سوري إلى فرنسا، ضمن مبادرة لـ”حماية الأقلية المسيحية في سوريا”، من الحرب الدائرة في البلاد منذ مارس/ أذار 2011.
لينتهي النظام السوري من عملياته في إجهاض الثورة السورية، ثم في يوليو/ تموز الماضي، تبدأ المنظمات الكنسية نفسها، والبطاركة الموالين للنظام السورية ببدأ جولة عالمية من أجل دفع المسيحيين السوريين اللاجئين في دول العالم للعودة إلى سوريا، والتي بدأت بمؤتمر باري جنوب إيطاليا والذي دعا فيها البطاركة المسيحيين السوريين للعودة إلى بلادهم، ثم أكمل في مدح نظام بشار الأسد، بحسب البيان الذي سمى المدعوين للعودة بـ”المسيحيين” فقط.
الحقيقة
في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، نشر في عام 2015، أثناء ذروة صعود تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، قال التقرير أن النظام السوري كان له النصيب الأكبر من تدمير الكنائس في سوريا، وأوضح التقرير أن النظام السوري هو من قصف ثلثي الكنائس المدمرة في سوريا، بينما كان تنظيم “داعش” قد قام باستهداف ثلث الكنائس التي دمرت في تلك الفترة.
وكان التقرير قد أكد أن النظام السوري قصف 46 كنيسة، فيما أشار التقرير إلى أن الهجمات النظامية على الكنائس تمت بطريقة متعمدة. وبحسب التقرير أيضا فإن النظام استخدم أكثر من 6 كنائس كمراكز عسكرية، من أجل قصف المناطق المحيطة مما أدى لإحتقان طائفي.
الأرقام تبدو قديمة بين 2015، و2018 فترة طويلة، ولم توضح تقارير جديدة إحصائيات حديثة عن الأعدد التي دمرها النظام، من الكنائس حتى بعد انتهاء تنظيم داعش الإرهابي.
وتشير تقارير حقوقية أخرى إلى أن النظام السوري، قام بقتل مئات المدنيين المسيحين، فيما أصيب المئات الأخرين خلال عمليات النظام العسكرية في سوريا.
ومع ذلك فإن زعماء الكنائس في سوريا والمرتبطين ارتباطا وثيقا مع النظام السوري ساعدوا النظام كثيرا في عملية إجهاض الثورة السورية، فكما كانت داعش ذراع النظام بالقضاء على الجيش الحر وتصفية الناشطين الدميقراطيين في الثورة، كذلك كان رجال الدين المسيحي هو الذراع الاخرى التي تستثمر ما تقوم به داعش لتشويه صورة الثورة السورية ومنع الاقليات السورية من الانخراط في الثورة السورية.
إحدى الكنائس المستهدفة في سوريا
الحقيقة أيضا تظهر بأن المسيحيين السوريين بينهم إختلافات أيديولوجية وخلافات عقائدية، ولكنهم متحدون على مساعدة النظام الحاكم في سوريا بالغطية والتبرير له وكذلك باستباحة دماء الغالبية العظمى من السوريين، وتحويل الاكثرية السنية الى اقلية في سوريا، ولكن هذا على المستوى الكنسي ولكن على المستوى الشعبي فقد شارك الكثير من المسيحيين في الثورة، وقد نددت أكثر من منظمة مسيحية مؤيدة للثورة السورية بدفاع مؤتمر باري جنوب إيطاليا عن بشاء الأسد ودعمها للنظام على حساب الشعب السوري.
وأخيرا يضيف ميخائيل سعد: “كم هو مخجل وانتهازي ورخيص قول رجال الدين المسيحي في سوريا ولبنان وغيرهما إن نظام الاسد نظام علماني”.