ليس مطلوبا من الأردن الانتحار ولا المجازفة ولا المغامرة في مواجهة عدو قرر بوضوح الاستثمار في فائض انشغال العالم بأوكرانيا وشقيقاتها.
«مصالحنا في القدس مع التصعيد، ولا نفهم لماذا ندعو للتهدئة؟».. عندما تفشل الأدوات والوصفات القديمة يصبح الخلل بالمنهج ولابد من استدراك.
جازف الإسرائيليون كثيرا لتوجيه رسالتهم بخصوص القدس الشرقية وهي تقترح بوضوح أن السلطة والمملكة وعملية السلام خارج المسرح واللعبة في القدس.
صدمة الأردنيين على مستوى المؤسسات بدأت مع برنامج تقويض الوصاية والتحرش بها واستمرت بعد اغتيال شيرين أبو عاقلة والمعركة التي أدارها الاحتلال بصلافة!
* * *
بقلم: بسام البدارين
مغادرة منطقة التشخيص والانتقال الفوري إلى منطقة الإجراء حتى مع اختصار مرحلة الحوار أصبح مطلبا ملحا جدا في المعادلة الأردنية ليس فقط للبقاء في دائرة الدور إقليميا، ولكن أيضا لإنجاح سلسلة تحديث المنظومات التي تقررت مؤخرا في عمان والتفرغ لها قليلا.
ليس سرا أن نخب وصالونات عمان العاصمة مصدومة بعد ما قالته وفعلته حكومة نفتالي بينيت الإسرائيلية الجارة.
ليس سرا أن صدمة الأردنيين على مستوى المؤسسات بدأت مع برنامج تقويض الوصاية والتحرش بها واستمرت بعد اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، والمعركة التي أدارها الاحتلال بصلافة لاختطاف أي قطعة قماش لها علاقة بعلم فلسطين في القدس الشرقية.
جازف الإسرائيليون كثيرا لتوجيه رسالتهم بخصوص القدس الشرقية، وهي بوضوح الرسالة التي تقترح بأن السلطة والمملكة وعملية السلام خارج المسرح واللعبة في القدس.
حجم هجمة وشراسة هجمة اليمين الإسرائيلي عبث بالطبق الأردني، وبدل وحول في المعادلات ونتج عنه وقائع جديدة على الأرض إذا لم يوضع حد لها بأي شكل ستخلط الأوراق ليس في العالم والمنطقة وحسب، لكن في الداخل الأردني أيضا.
لذلك حصريا لا حاجة للمزيد من التشخيص فالمشهد واضح مثل الشمس. وما ينبغي فعله أردنيا أوضح. لكن وحتى نقترب أكثر من الصراحة نقول: ليس مطلوبا من الأردن الانتحار ولا المجازفة ولا المغامرة في مواجهة عدو قرر بوضوح الاستثمار في فائض انشغال العالم بأوكرانيا وشقيقاتها.
لكن المطلوب من الأردن اليوم وحكومته التصرف وبسرعة لمواجهة التحدي الكبير عبر طرح بعض أوراق القوة على الطاولة وتلك لن تكون مغامرة ولا مقامرة بقدر ما ستؤدي إلى وحدة وتصليب الجبهة الداخلية الأردنية فهي القلعة الوحيدة التي تحمي أسوار مملكتنا الغالية الآن من تربصات الاحتلال الإسرائيلي وما بعد مرحلة إعادة تقسيم العالم على البيكار الأوكراني.
ما هي تلك الأوراق وعن ماذا نتحدث؟
نكرر التأكيد على أن المطلوب ليس الانتحار ولا المواجهة ولا المغامرة ولا الصدام لكن حتى نبتعد عن الشكوى والتشخيص والتذمر فقط ننصح وبخطوات يمكن اتخاذها وبكل بساطة وبسرعة مع الناصحين بدون مجازفات طبعا.
نبدأ فورا بترتيب أوضاع الجبهة الداخلية حيث يوجد وثيقة باسم التحديث اليوم لا مبرر لوضعها في المتحف والثلاجة كما كان يحصل في الماضي رغم ملاحظاتنا وملاحظات غيرنا عليها.
وهذا يعني إعلان صريح بأن المهمة الأولى في وظيفة مجلس الأمن القومي الجديد هي ليست البحث أو ينبغي أن لا تكون البحث في سياسة النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية بل العمل على عدة سيناريوهات في المواجهة الاستراتيجية تجنبا للكثير والعديد من المزالق.
خطوة من وزن تشكيل فريق وطني يتولى شؤون الاقتصاد والسياسة وبسرعة لن تؤدي إلى حرب مع إسرائيل ولن تغضب الحلفاء في الغرب لا بل ستسعدهم. كذلك خطوة ضرورية جدا برأينا من وزن توجيه رسائل تقول بأن الأردن أيضا يمكن أن يتغير في اتجاه تثبيت حقوقه في الدفاع عن مصالحه مادام الإسرائيليون في الانقلاب.
في وصفات النصائح يمكن الذهاب فورا إلى منهجية المواطنة حتى يحسم مرة واحدة وإلى الأبد نقاش وجدال الهويات في الحالة الأردنية.
هل تكفي مثل هذه الخطوات؟
طبعا لا تكفي وفي السياق التكتيكي يمكن ببساطة العمل وفورا على إسقاط تلك لنظرية المعلبة التي كانت تعتمد على فكرة «أمن الأردن وأمن إسرائيل «فذلك السيناريو أسقطه الإسرائيلي بوضوح اليوم.
ويمكن العودة لتصديق السيناريو المعاكس بعد الآن والذي ينفي حالة سمعها كاتب المقال شخصيا أكثر من مرة بعنوان «نحن وإسرائيل متفقان على أن الدولة الفلسطينية الحقيقية خطر علينا»… ذلك أيضا تبدل وتغير.
ضروري جدا ولا يحتاج الأمر لأكثر من قرار سياسي تغيير العقيدة البيروقراطية التي رأت مرارا وتكرارا بأن البقاء بقرب الجار الإسرائيلي السيئ هو الاتجاه الأفضل لأن ما يحصل اليوم هو العكس تماما، فهذا الجار يتصرف بهمجية وبشكل مقيت، كما صرح وزير الخارجية أيمن الصفدي ولا يحترم اتفاقية السلام وسبق ان قتل مواطنين أردنيين بارزين بدم بارد.
اجتماعيا وحتى عشائريا من مصلحتنا كأردنيين ان نضع حدا فوريا لتلك الاجتهادات البائسة التي تتسلل بين الحين والآخر تحت عنوان صداقة مع الإسرائيليين.
الإطار والسياق البيروقراطي الرسمي في التعامل مع المخيمات حيث مكون اجتماعي أردني عريق آن الاوان لتغييره.
آن الأوان أيضا لمصافحة دول مثل إيران وسورية لا بل آن الأوان لمعانقة فصائل المقاومة الفلسطينية وبطريقة ذكية.
قالها أحد الزملاء ومن الآخر «مصالحنا في القدس مع التصعيد، أنا لا أفهم لماذا ندعو للتهدئة؟».
عندما تفشل الأدوات والوصفات القديمة يصبح الخلل بالمنهج ولابد من استدراك.
* بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: