ضرورة الحرص بعد الآن في ظل الأزمة على اختيار مسؤولين من طينة الأردنيين.
لا بد من إنهاء حالة الاستشراق والتغريب ونكران شرائح المجتمع الأردني ومكوناته عند التوظيف في المواقع العليا.
ما أفضل نصيحة يمكن تقديمها من باب الولاء العميق وليس المسموم طبعا لصناع القرار في المشهد الأردني؟
ما الذي يمكن أن يقال للمرجعية من نصائح محددة لو أتيحت لك الفرصة منفردا وبدون فلاتر أو مستشارين أو موظفين؟
استبدال وصفات الإرشاد المعلبة والمترجمة من لغات أخرى بوصفة تنتمي أيضا لطينة الأردنيين على أمل وقف تجاهلهم.
خلط المكونات الاجتماعية في إدارة الدولة بات مسألة ملحة لتقليص أمراض الترهل الإداري ولوقف الشعور بالتهميش حتى وإن كانت خيالية أو مبالغا فيها.
* * *
بقلم: بسام البدارين
قد يكون من الصعب ترك السلطة والحكومة بدون نصائح بين الحين والآخر. لكن فكرة النصيحة حمالة أوجه فقد تفهم خارج السياق ما دامت موضة الولاء المسموم والانتهازية ومنهجية الإقصاء هي السائدة، مع أن واجب النصيحة وطنيا إظهار لياقة في استخدام تعبيرات وطريقة تقديم النصيحة والإيمان بذات الوقت بضرورة التقدم بالنصيحة في وقت الأزمات.
تلك مقدمة للإجابة على سؤال خطر في ذهني مؤخرا: ماهي أفضل نصيحة يمكن تقديمها من باب الولاء العميق وليس المسموم طبعا لصناع القرار في المشهد الأردني؟
المسألة هنا لا تتعلق بالمزاودة ولا باستعراض القدرة على النصح بقدر ما تتعلق أحيانا باحتجاب المعلومة، وخوفها من الولادة أو إساءة التفسير.
سألت صديقا موثوقا يشتبك مع تفاصيل الحياة العامة بصيغة افتراضية: ما الذي يمكن أن تقوله للمرجعية من نصائح محددة لو أتيحت لك الفرصة منفردا وبدون فلاتر أو مستشارين أو موظفين؟
ضحك صاحبنا وألمح إلى أن النصيحة قد تكون مكلفة أحيانا وصنّف السؤال الصغير باعتباره “ورطة أو كمينا” لكن بعد الإلحاح وعلى اعتبار النصح واجب وطني، أدهشتني العبارات البسيطة المباشرة التي وردت بحرارة وبدون تزويق لفظي وبكل الأدب واللياقة، فقررت نقلها كما هي ليس فقط للقارئ الكريم ولكن لكل من يهمه الأمر وبعنوان: ماذا ستقول لو سألك واستفسر منك مرجع القرار؟
أولا – وهو الأهم – ضرورة الحرص بعد الآن في ظل الأزمة على اختيار مسؤولين من طينة الأردنيين. ما الذي تعنيه كلمة “طينة” هنا؟
.. واضح تماما أن الرأي العام الأردني لم يعد يشعر بوجود ممثلين له في الإدارة العليا يؤمنون به أو يفهمونه أو حتى يتحدثوا لغته، فالمناصب تتوزع في سياق شللي أحيانا.
ثانيا وهي نصيحة أزعم أنها أساسية لا بد من إنهاء حالة الاستشراق والتغريب ونكران شرائح المجتمع الأردني ومكوناته عند التوظيف في المواقع العليا، وذلك يشمل المجازفة برئيس وزراء جديد وقادر، يمثل الناس ويجمعهم ولا يفرقهم فعلا، لا بل قد يشمل أيضا استفتاء الأردنيين بجرأة بهوية من يرشحونه ويختارونه رئيسا لحكومة ما دام صاحب المنصب لا ينتخب بالاقتراع المباشر.
وهنا تبرز أهمية النصيحة الثالثة والتي تتمثل في الإقرار بأن طبقة نخبة المسؤولين خذلوا القيادة والشعب على أكثر من نحو ومسار، والمسألة هنا تتجاوز الإقرار بحصول أخطاء باتجاه التوقف عن تبريرها أو إنكارها، فذلك يحصل برأي صاحب النصيحة في كل الدول، وسبق أن حصل في الأردن، حيث لا يوجد أصلا سؤال مطروح تحت عنوان الشرعية، وحيث يمكن للأردني إذا ما فهم وأدرك بأن الدولة تحترمه على الصبر على الضائقة الاقتصادية والجوع والعطش، ما دامت الدولة بشكلها النخبوي وخارطة المناصب فيها، تقرر بأن الحكم والنظام هما التعبير السياسي عن هوية الأردنيين، حيث الانقلاب هنا يمارسه المسؤولون وليس الناس.
تسترسل النصائح المباشرة بعنوان وقف حالة “الزهايمر الثمانيني” والتوقف عن سياسات الاسترضاء لأقلية من المواطنين على حساب الدولة وهيبتها، والحرص على وجود مفهوم اسمه التقاعد السياسي والبيروقراطي والأمني.
ثمة مكونات اجتماعية بأكملها حسب مضمون ومنطوق النصيحة نفسها تتعرض للإقصاء والتصرف معها وكأنها في الترانزيت أو في المطار، مما فاقم مجموعة مستعصية من المشكلات، أبرزها الفصام الاجتماعي، وبروز مفهوم المكتسبات على حساب المهنية والموضوعية والانتاج، بكل ما ينطوي عليه الأمر من تفريط بالمؤسسية وهيبة الدولة وقوة القانون وأيضا بالعدالة والإنصاف.
خلط المكونات الاجتماعية في إدارة الدولة بات مسألة ملحة لتقليص بعض أمراض الترهل الإداري أيضا ولوقف حالة الشعور بالتهميش حتى وإن كانت خيالية أو مبالغا بها.
لو قيض لصاحب النصيحة نفسه أن يتحدث بارتياح في الكلام العالق في حلقه لنصح مركز القرار بالانتباه جيدا لقطاع الشباب والعمل على منع الأجيال الشابة من الخروج للشارع في الاحتجاج أو التظاهر أو الاعتراض بكل السبل المتاحة، فهؤلاء إن خرجوا للشارع تحت وطأة الإحباط لن يعودوا، واسترضاؤهم مكلف جدا، ولا يمكن للماكينة الأمنية أن تحتويهم كما تفعل مع أحزاب المعارضة أو من يعزف منفردا من كبار المعارضين أو متقمصي المعارضة خلافا لأن قطاع الشباب إذا خرج إلى الشارع لا سمح الله، لا يمكن مقارنته بالحراك الشعبي الذي يحصل هنا أو هناك.
تتضمن النصيحة وفي الجزء الخامس هنا أيضا التأشير على عقم البدائل في اختيار نخبة كبار اللاعبين والموظفين حيث لا تعمل الماكينة لأسباب يعرفها الجميع على توفير فرص بديلة تطلق طاقة الكفاءات، وتتضمن استبدال وصفات الإرشاد المعلبة والمترجمة من لغات أخرى بوصفة تنتمي أيضا لطينة الأردنيين على أمل وقف تجاهلهم.
بصراحة تلك نصائح بسيطة وقد تكون مكررة، لكنها مثيرة وتستوجب التوقف والتأمل.
٭ بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: