تحول لبنان لمعبر للأدوية والمعدات الطبية نحو سوريا، وهي بعد دخولها الأراضي اللبنانية يتم تهريبها تماما كما أي منتوجات ممنوعة أو محرمة عبر الحدود ليستخدمها الثوار في مستشفياتهم السرية. ويقول أحد الأطباء السوريين المقيمين حاليا في لبنان ويتمكن من الذهاب إلى سوريا بين الحين والآخر: «لا فرق بين أدوية الالتهابات والمخدرات بالنسبة للنظام السوري، فالصنفان ممنوع تمريرهما عبر الحدود، ومن يتم القبض عليه متلبسا يتم سجنه وتعذيبه». ويشرح الطبيب الذي رفض الكشف عن اسمه: «الأدوية التي يتم إدخالها إلى سوريا بواسطة الصليب الأحمر اللبناني، تذهب إلى المستشفيات الرسمية. وهذا النوع من المستشفيات، لا يمكن للجرحى الذهاب إليه، لأنه من هناك يتم القبض عليهم وفي أحسن الأحوال تعذيبهم، وربما قتلهم، وهذه حالات شهدناها ونعرفها جيدا». ويضيف: «لذلك فإن المصابين يلجأون إلى المستشفيات الميدانية السرية التي باتت أساسيه وتحل مكان المستشفيات الحكومية، وارتفع عددها إلى العشرات بسبب الحاجة الماسة إليها».
جمعية «هاند إن هاند فور سيريا» التي تأسست في بريطانيا لإعانة السوريين في محنتهم، هي إحدى الهيئات القليلة التي تتمكن من إيصال المساعدات إلى الداخل، عبر الحدود اللبنانية، بسبب علاقاتها المباشرة مع مهربين ومع ثوار في الداخل. أحد الأطباء في الجمعية وصل إلى لبنان منذ أيام ويتحدث عن مساعدات مالية وصلت إلى 150 ألف رطل تمكنت الجمعية من جمعها، لمساعدة العائلات المحتاجة وبلغ عددها أكثر من أربعة آلاف عائلة. ويشرح لنا الطبيب الذي فضل أن يسمي نفسه محمد: «منذ ستة أشهر لا تدفع الدولة رواتب للموظفين، وهو ما أدخل الناس في حالة فقر شديد. نحن في بريطانيا نجمع كل شيء، المواد الغذائية الأدوية، المال، وكل ما يريد أن يتبرع به الناس، وغالبيتهم من العرب والمسلمين». ويشرح الدكتور محمد أن مستوعبات تم شحنها عبر البحر ومساعدات أخرى نقلت جوا إلى مطار رفيق الحريري الدولي.
لكن الدكتور محمد يتحدث عن صعوبات جمة لنقل هذه المساعدات إلى الداخل السوري بعد وصولها إلى لبنان: «أنا هنا لتأمين نقل الشحنات إلى مستحقيها في سوريا. وهو أمر صعب للغاية، والحاجة ماسة إلى كل أنواع الدواء، حيث هناك نقص فادح، سواء في العلاجات أو في المعدات التشخيصية للتصوير بالأشعة أو فحص الدم أو غير ذلك». ويشرح الدكتور محمد: «نضطر لأن نجد مهربين ماهرين، وننقل ما يصل إلى لبنان، صندوقا بعد آخر إلى سوريا. أي إن الأدوية تدخل بالقطارة. النظام يعرف أن مثل هذه الأدوية تصل للثوار ويريد منعها بأي وسيلة».
الطبيب الذي يضطر للعمل مع مهربين على الحدود، يعتبر أنه مضطر للقيام بهذا الدور، ولا خيار غير ذلك، ما دام نقل الدواء جريمة في نظر النظام.
يقول الدكتور محمد: «تمكنت من الدخول إلى سوريا قبل ما يقارب الشهرين، ورأيت بأم العين الحال المزرية للمستشفيات الميدانية. المستشفيات الحكومية في مناطق الاقتتال مثل القصير وحمص تحولت إلى ثكنات عسكرية، لأن لها أسوارا ويمكن للجيش أن يكون آمنا فيها، وترك الناس بلا علاج. لذلك فالمستشفيات الميدانية السرية تتحمل العبء كاملا، فهي لم تعد فقط مكانا لعلاج الجرحى والمصابين، ولكن أيضا تستقبل أصحاب الأمراض المزمنة، مثل مرضى السكر والربو والقلب».
ولكن هل المستشفيات السرية آمنه؟ يقول الدكتور محمد: «قصفت هذه المستشفيات تكرارا، لكن الثوار باتوا يعرفون كيف يختارون الأمكنة الأكثر أمنا، بحيث يتم اختيار موقع محصن تصعب إصابته، له أكثر من مخرج، وثمة شروط أخرى تراعى قبل اختيار الموقع».
ويشرح الطبيب محمد المقيم في بريطانيا، أن الوضع من السوء بحيث أن «ما نقوم به هو جهد فردي بينما يحتاج الأمر إلى مساعدة دول». ويضيف: «ما تزال المساعدات المالية المخصصة للشأن الطبي قليلة وغير كافية. كما أن إدخال المواد بعد وصولها إلى لبنان صعب للغاية. لذلك فما نستطيع إيصاله إلى سوريا عبر المهربين نكتفي به ونوزع الباقي من أطعمة وملابس على النازحين الموجودين في لبنان».
أحمد موسى، من تنسيقية اللاجئين السوريين في لبنان، يقول: «هناك جهات تتكفل بإيصال المساعدات إلى الداخل وهذا لا شأن للتنسيقية به. أما ما يتعذر إيصاله فتتولى تنسيقية اللاجئين توزيعه هنا». وعن العناية الطبية التي تقدم للنازحين في لبنان يقول: «هناك لجنة من 9 أطباء سوريين تستقبل المرضى. أما من يدخلون المستشفيات، فثمة جهات تتولى في كل مرة تكاليف علاجهم. المؤرق في لبنان ليس العلاج – بحسب ما يقول موسى – إنما إيواء النازحين في مساكن ودفع إيجاراتها».
الطبيب السوري محمد، القادم من بريطانيا على أمل إيصال أكبر قدر من المساعدات الطبية إلى مواطنيه، يتحدث عن صعوبات كبيرة في جمع التبرعات داخل بريطانيا، بسبب مخاوف المتبرعين من أن تكون الجمعية ذات توجه سياسي معين. وهذا عائق حقيقي أمام مساعدة السوريين الذين باتوا يعانون من نقص في السيولة كما الغذاء والدواء.