رقصة أخيرة برفقة ملاك
محمد حسني عليوة
إهــداء
*((*هنيئًا لله بـأمـي*))*
تصدير
موجودٌ
كحبةِ قمحٍ
في حقلٍ يابس،
أسعى لنيلِ قطرةِ عطرٍ
من فيوضِ الحرف.
قصائد قصيرة
-1-
أحبك؛
فأنتِ وحدكِ قادرةٌ
على تكسير عظامي
إلى قصائد شعرية!
-2-
أكتبُ:
كي ألمس في الشعرِ
عطرَ حروفك.
-3-
أدبتُ قلبي فلم يعدْ
يشغلُ مهجتي نجواك!
-4-
أراني فيكَ،
وفيكَ ما لم أرَ!
-5-
أظمأتُ فيك فؤادي
فجبرتَ خاطرَ مُهجتي،
وأقام منك الهوى رمقي.
-6-
يا أيها الحب:
هل لنا..
أن نصوغ من عينيك مُدنًا
تُطّل فيها الشمسُ:
خُبزَ يتامى
وحُلمَ منكفئينَ بطونا؟!
-7-
إن جُرحكِ في يدي يدميني
أما قلبي، ففيه الجرح قتلُ.
-8-
إن جسدينا
ممزقانِ
في نقطتينِ إتّحدا
كَ:
فراغٍ
شاسعْ!
-9-
إن حُبكِ محضُ بحرٍ
يذيبُ الملحُ فيه فؤادي.
-10-
إن لي في الهوى عندكَ دينٌ
فاقضِ، للقلبِ، عنكَ ما تدان
-11-
أنا ابن تبغِ الشعرِ
وكأسِ الرواية.
-12-
أنتِ بحرٌ،
إذا مسدّه الهوى
فاضتْ قواريري.
-13-
أولى قصائدي كانت
عن وطنٍ أنجبوه
-رُغمًا-
في حقولِ القنابل
يمطروه كلّ صباحٍ
بحربٍ:
مذاقها الموت
في حلوقِ البلابل.
-14-
عليلٌ..
ألاقي عند هواك:
حتفَ فؤادي!
-15-
في حِما كفّيكِ:
بحـرٌ،
تأرجحَ بالهوى؛
وعْدًا.. بشوقِ لقياكِ
كم يُسعِد الليل إنْ حَللْتِ بهِ
يُشرِق في محيّاهُ رؤياكِ.
-16-
في كلِّ أرجاءِ عينيكِ:
مُدُنٌ كُبرى مِن العيونِ
فكيف أقدُّ منهما بصري،
وهلْ تُرى لبصيرتي معراجَ رؤياها؟
-17-
لأجل حزني،
طوحت حقائب عمري
في منافي السفر..
لأجل يقيني،
بأن الحياةَ: الموت
منحتُ الشتاتَ روحي،
وانطلق فؤادي ولعًا بالطيران.
-18-
لم يعد للغيمةِ قلبٌ
وهْي تمطر في مساءٍ
تنبت فيه الفراشةُ
من خيوطِ العنكبوت!
-19-
كلما قلتُ أحبكِ .:.:.:. ذُبْتِ في فمي شِعرا
-20-
لماذا أنا…
كلما قلبتُ في وجهكِ
رأيتُ مرساةَ حنيني؟!
-21-
جميع من قال الشعر فى ليلى
تجنـّى على ليلى ..
أو تعالى
فما ليلى سوى هـــمٍّ
أسقمَ الشعرَ ..
وأشقى الذي قالَ!
-22-
ماذا عساي..؟
حين صارتْ دماي،
ينبوعًا تلقفته يداكِ
فجرَتْ فوق الموجِ
أسرابًا من النجمات.
-23-
ماذا لو كان
الرصاصُ عطرًا
والنابالم ماءَ وردٍ
والجندي
في الحربِ نبيّا؟
-24-
متى إنفكّ في القلبِ قيدٌ؟!
مذْ متى والقلب يحييه عِتقُ؟!
-25-
وحزنك
أنبتُّ فيه نواظري
إذ ربما
ترتويه جفوني.
-26-
وليلى:
محض شعر،
كل قافية فيه بلوى!
-27-
ومَن له في الهوى
مثل عذابي…؟
حين أقولُ كُـفّي..
أعيدُ في فمكِ رضابي!
-28-
أمي،
لا تطفئي أصابعكِ؛
فلديّ من العمر ِ
ما أحبّ أن أراكِ فيه.
-29-
أيكم يحسن الظن في الشعرِ
أن ينعي البلاد؟
وفيها الحب يُقطف
عند كل ناصيةٍ
وخلفَ كل باب.
-30-
قوافينا:
مُتْقنةَ الهتكِ؛
فأعرضنا عن نظمِ البَكارة!
-31-
قديمًا قال رحالة صوفيّ،
وأصابعه على موقد الشوق،
تثير حماسةَ الفؤاد:
“الفناء فيمن تحب مقصده الخلود.”
-32-
ماذا كنتِ فاعلة،
بقلبٍ أنت به:
وعاء عمري..
وأنفاسكِ وِرْد صدري؟
-33-
أنا…
بـ وِردِكِ أُحيي قلبي
إذ ما لمستِ الشغافَ أثاب.
-34-
إن وعدكِ لي في الهوى:
وطنٌ،
فأسكنينيهِ..
حينًا من الدهرِ
فأنا الحبّ،
يأكل الحزنُ
والمنفى
والتيهُ:
عظامَ روحِه
ويُشفى الداءُ بالكسرِ.
-35-
لأن الحبَّ مرادفٌ للضعفِ
فهآنذا..
أنبتُّ بين يديك قلبي
واهنًا/ مسكينا.
-36-
ماذا ستفعل نافذةٌ مشرعة
على عالمٍ رحب
يضج بالخوفِ والحزنِ
والكآبةِ
كأنما
موتٌ، هنالك، يدنو
-على أطرافِ أصابعه-
من حجرة قلبي الموصدة؟!
-37-
إن القصيدةَ الآن
مسكونة بالحزن
مصقولة بالمنافي!
فهلّا صرفتَ العمرَ
في طلبِ القوافي؟
-38-
أتعافى من الحزنِ بالحزنِ
كمن يجبُر الداءَ بالكيّ!
-39-
أودعتُكِ،
في قُـبْلةٍ:
وطنًا
فهلّا رددتيها أوطانا؟
-40-
القبلة
ذنبُ قلبٍ تمادى عشقًا
فأوصت شجون الوجدِ ألا يتوبَ!
-41-
الحزنُ عادةٌ سرية
لجسدٍ
انغلق هديره بقوة حائط
موشومٌ فيه بالأسود:
عظمتا إنسانٍ، وجمجمة جحيم!
-42-
إن دمعَ عينيك
أنبتَ وردًا
في أَصَائِص عمري.
-43-
عندما تجدر الإشارة
في شاشة الفحص
لقلبٍ ينبض
لا تعتزمي طبعَ قبلةٍ حارّة على شفتي
فالقلب لا ينجو فجأةً
من طقسِ الحياةِ الغاضب.
-44-
في ظروف غامضة
تاهتْ قبلتان على شفاهِ بحرٍ من التعب
فما هنالك، حينها،
للقلب أن يحتطب؟!
-45-
لا لشيءٍ،
إلا أنني:
أشعِلُ في وحشةِ الليلِ أصابعي
وأمدّ قنديلكِ، من دمي، بالزيت!
-46-
البحر محشورٌ في زاوية من تخوم الكون
بين ساقيْ وحشٍ هائل
- هذا جنوني!
دهشتْ سيدة لصديقتها
وعبرتا، فزعًا،
من باب الخريطة الضيق
ج
د
ًا.
-47-
خريفٌ صارم،
ليس لي سواه
أواصل فيه المشي كقديس
فقد وعي الحياة بالحياة
والدفءَ في عباءته الرسولية.
-48-
لا حظّ للوردة
في الحياةِ
دون دموع
لا راحةَ للشفاهِ
دون قُبل.
-49-
فوق شرفةِ حلمٍ مُجهض
في عتمةِ يأسٍ
كان سحابٌ ما
تفانى في سقوطه المفاجئ.
-50-
في البيت الصغير
المعلق في فرع شجرة عتيقة
هناك دومًا صيادٌ منتظر.
-51-
كُلّ قَصيدةٍ مِن دَمي:
– وطنٌ مُحتَدِم الصراع!
-52-
كل الأزقةِ حيرى،
فمتى اهتدى شارعُك إلى نافذةٍ مشرعة؟
-53-
- اصمدي!
أقولُ لرأسي،
والحرف يشحذُ فوقها المقصلة.
-54-
أي شتاءٍ بارد تلصقيه بجلدك
حتى لا تفكر النوارس
في النوم هانئةً على شاطئيكِ
ولا العصافيرُ بالتقاطِ حبوبِ اللقاح
من راحتيك؟!
-55-
من خمرةِ الحبِّ نحيا؛
فاسقنيها..
راحةُ النفسِ كأسٌ
لا يشرب الموت فيها.
ديار أبي القصيّة عند أطراف الحنين
بوسعِكَ أن تدعوني
(مِمن زرَعَتهُ يداك قمحًا
وأنجبْتَ في سنابلهِ اليراعَ
ياسمينا)
إلى رحابكَ طفلاً،
غرّته الحوائطُ المبنيةُ
بالجداتِ، والحكايا
وتبعٍ رخيص لاكه الكبار
وسيرةِ وطنٍ؛ ورثناه دينا.
هو ذاك بيتي،
عند ناصية الحزن المورق
فوق ضفافِ البحرِ
توقظه الشمسُ على كفّيها
ويغفو الليلُ
على شرفتهِ سفينا.
حين نمضي معًا،
يخفق القلبُ في وعاءِ ضلوعي
وتصير لديه فكرةَ أن يحلّق
“طائرَ الشوقِ”
تذروه الرياحُ حنينا.
فأنا،
منكَ أبي…
من ديارٍ تربينا في زواياها
وأسقيناها من مآقينا
جرينا
لعبنا
ضحكنا
وبكينا
وبُحْنا للحوائطِ فيها عن مآسينا
هي أمٌّ تعلمنا
من طميها نحيا
أو قل أنها: تُحيينا.
أوَ ليس جميلاً
ورائعًا
ذات أبدٍ، يا أبي
أن تعيش الديارُ فينا؟!
طوبي لعشّاق الدرب
أزورُ مُقلتيكِ كلّ صباحٍ
أزفُّ إليهما الشوقَ
مشبوبًا
وممتنّا.
أزوركِ،
في جعبتي العشقَ
والنرجسَ الفوّار بالزهوِ
أضِيفُكِ من لدنّي
كلّ ما صُغْتهُ
، في عينيك،
شِعْرًا
ونسَجْتهُ
مِن لحَمِ سَريرَتي
فصار يفوحُ عِطرًا
عبقريًّا،
من ” لدنّـا”
في صُرّةِ القلبِ،
اعترى وجْدي فتورٌ
– لبعضِ العمرِ-
فهَلُمّ نَسْقِيهِ اليومَ
عِشْقًا
ففي مجونِ العشقِ:
فَنـّا
……………………………
طوبى لمزيجِ الشّهوةِ والفورانْ
طوبى لحضورِ الرؤيةِ والنسيانْ
طوبى للقفزِ على زَفَراتِ العُمرْ
واستنشاقِ الحبِّ على حِرْمانْ
………
وطوبى،
لمن صار
على الدّربِ
وغنّى.
عجوزُ مدن البحر
إن امرأةً بعنفِ قنبلةٍ
وحدِّ سكينٍ
وقاطرةٍ تزن أحزان الشعرِ
وأوجاع القصيدة
كانت تهمس لي:
احذرْ اللعناتِ في عينين
تحملهما السحبُ الشريدة.
=-=-=-=
لا أروع هنا، أو هناك
من اجترارِ القهوة
في شرفةِ الوقتِ
وقراءةِ نعيكِ في جريدة!
ورجل عجوز،
ينشدُ في معية بردِ الفصول:
|سلامٌ على الحربِ
والتاريخِ المرافقِ للعالقين
في شتاتِ الحياةْ!|
|سلامٌ على
ضفائركِ المبعثرةِ في الريحِ
على ابتسامتكِ المنتقاة
من قناني الشمس،
ومن قوارير المياه|
|سلامٌ على
وجهكِ المطلسم
المنحوتِ
في الذاكرة بملحِ الوتين
وصبغةِ الشهوةِ والهوى
المدوزنِ
في نوتةِ السحر
تلعقه الألسنةُ كحلوى
وتمزّ رضابَه الأفواه|
|سلامٌ على
الذين يطوبُ فيهم
شجنُ امتداد الحزن في مفاصلهم
والكرب في محياهم
وينام في أعينهم:
شيطانُ الهوى الأوّاه|
هآنذا عجوزُ مدن البحر
من كلِّ قاطبةٍ
من كلِّ قِبلةٍ أولّيها
من كلِّ صبحٍ أواليه
على نافذتي الوحيدة
في سماواتِ العمرِ
تدفقتُ كشهوةٍ مبتغاةْ!
سهرة على إحداثيات الغياب
أنتِ،
وكل المدن التي
ترفرف منهكةَ التفاصيل،
مثل روحٍ غزَتْ شرايينَ الكونِ
انتشاءً بمزاجِ الحرية.
.…
حين يدورُ مُشغِّل الموسيقى
ينهش جلدي لهبُ الرقصِ
ويضّج في ضلوعي
صهيلُ الرغبةِ في الهذيان!
…..
على وقع ارتعاشاتِ يديكِ
صَنعْتِ لي قُرصَ شَمسٍ
من حَفيفِ جِنّياتٍ رقصنَ صَخبًا
بإيقاعِ تنفّسكِ السيمفونيّ..
وبقيتُ أغني، طربًا،
حتى سقطتِ من رأسي
منهارةً كذكرياتٍ مريرة،
فوق خشب البيانو العتيق.
……….
لا ندري ما الحب إن تلاقينا
وماذا قد كان في تجافينا؟!
.…
أنا الطائر السرمدي المجنح،
و الأبيض الدامس في السراب..
أنا الضائع في الرمال
فلا كفّتْ نوارسُ البحرِ عن كشف أصدافي
ولا كفّ شلالُ الحزنِ يغسل مقلتيّ برفق.
……….
من منا تمنحه الريحُ نصالها الحمراء
ويقصّ من نعومة حزنه السفر؟
أي سفرٍ تقصده القلوب،
معطرًا بالفقد،
إن لم تكن الليالي الحبلى بالوجد ثكلى؟!
……….
حين مضى بنا العمر،
توقف القلب
وانسلخ الشريان إلى قضاء سهرته
في الغرفة المظلمة.
في باريس ، لا شيء يصلح أن يكون باريسيًا!
هل ترينَ شيئًا؟
ولم تبقَ غير أغنيتي
تطنّ في ضجيج الشانزليزيه..!
الأزقةُ فاتتها الريحُ
فانبطحتْ تعوي
نباحَ الصمتِ في الأروقة.
هل تفهمينَ شيئًا؟
لحمي.. عظامي
ملحمةَ شراييني الممزقة
متاهةَ أحلامي
قوافي الشعر في دواويني
المعتقة
-لا!
فهلّا تركتِ
ما بوسعي
يأكلني..
دونَ زمنٍ،
في المحرقة؟
———
باريس،
الأفعى الدافقة السّم
تلدغ ليلَ السهارى
المعتق بالرغبةِ في الفناء
بعطرٍ يبلله الندى،
ويجعل من نهديه خشبةَ مسرحٍ عتيق.
كل مساءٍ يبيع رجالكِ أرواحَهم
للنبيذِ بلا مقابل!
الموتُ مذاقُ قُبلتك الأولى
والثانية والمالانهاية
فاسقني حتى يضيعُ من قدمي الطريق.
سنواتُ عمري معطلةٌ
أبيعُ جرائدَ الحسرةِ العربية
تأكلُ الطيرُ من ذاكرتي العفنة
ويهتك شرطي المدينة
ثوبي الصفيق.
حذائي،
يفرد الشتات في الطرقات
أباريق لذاتي منقوصة بالنفي
والفراغ،
والكآبة،
والحزن
…..
وباريسُ/ باريسُ تحيا ماجنة
فلا تصرخي كالسحابة اللدنة
وأحزاني تقصّ من شرائطك
عناقيدَ أطفالٍ صغار
إفتقدَ الموتُ في أعينهم
جنونَ الحياةِ الساكنة!
كل نقطة عري في مدنك
تفتح وابلاً من تيه المنافي
ورُغمًا،
أتْبعكِ، عبر تيار “باتيست*”
والسحب الفضفاضة،
يصحبها الزهو
وهي تغدو كراقصة رشيقة،
وتروح على مسرح الأفق البديع
ك
ق
ا
ت
ل
ةٍ
ماكنةْ!
بعدها،
نسيتُ ذاكرتي كمعطفٍ رثّ
في إحدى حاويات القمامة
على إيقاع صدري الرتيب
ينوح الطير،
وتضيع رؤياي
في غمامةٍ
داكنة.
* جان باتيست لولي
في الزمنِ الثوريّ تُحَلّق الأوطان
السماءُ، ههنا..
فى الأرضِ الزهيدةِ بالطربْ..
تراقِبنُا، كرُخّ..
تعشّشُ تحتَ جناحَيْه:
ثورةٌ صغيرةْ،
لم تجدْ شيئًا في المكانِ..
غيرَ آثارِ وطنٍ.. وفُتاتِ مَنايا!
الأجسادُ:
مشطورةٌ إلى حَشايا مُفضّضة
والرؤوسُ مُثقلة بالفراغْ!
سَراديبُ الموْتى:
شَجراتٌ نَمَتْ ضدّ سَقفِ الزَنازين
والأسْلاكِ المكهْربةِ،
والبواباتِ المصّفَحةِ
وحرّاسِ المراقبةِ/ النواطيرْ
والشوارعِ المسلسلةِ الضبابْ.
………………
وطنٌ يدُسّ بطانته في خيمةٍ ضيقةْ
لا تستوفي أسبابَ الرّاحة؛
لكنها تبقى مَبيتًا ملائكيًا
ريثما يعود للأرواحِ الهائجةِ
توازنها الثوريّ المبجلْ.
تستيقظ الساحةُ الغجريّة،
كامرأةٍ ولَدتْ ببطءٍ: قطَّها المتمردْ
على كومةٍ من القش
في نعومةٍ آسرة..
الطقس: مطرٌ يتساقطْ
فابتهجتْ به الساحةُ كالأطفال..
واستحالتْ بـِرْكةً كبيرة..
– “المطرُ من الله برَكةً!”
صاحتْ سيدةٌ عجوز..
فأيقنتُ، في نفسي،
أن هناك نية لدى الله بالإفراجِ عنّا.
….
هكذا ثورةٌ،
تدحرجتْ،
في زمنٍ لا تصدّق أن تحدث فيه المعجزاتْ!
تدُقّ مزهرياتِ الحريةِ في النواصي،
تجتاح العُروبةَ في انحدارها
لانتشال الجثة/الوطن،
قبلَما نفيقُ صباحًا
فنراه قد ماتْ!
قبل الحياةِ بأمتارٍ قليلة
أجلسُ إلى طاولةٍ بعيدة
ككلبٍ،
يُسقِطه الخوفُ والتّيهُ
وبردُ المدينةِ القارس
في غياهبِ زاويةْ.
يُسكِته مفوّه صاخب
يعلن الحربَ على الحزبِ الحاكمِ
ويلعن كلّ الأحذيةِ
في رُدهاتهِ الخاويةْ
لا شيء يشبهني
ولا أشبه شيئًا
تفيض في كأسهِ الخمرُ
وتكسر فيه التعاسةَ غانيةْ.
:.:.:.:. :.:.:.:.:.
أجلس إلى طاولةٍ بعيدة
أتركُ رأسي كاملةً عليها
ثم برفقٍ أنزعها….
والناس من حولي:
– آكلي العشب الطيبين،
الودودين لكلِ خسارةٍ تدميهم-
يقفزون في خطى كنغر مذعور
في حواريها
.. شوارعها
.. ضواحيها
نواصيها المنبعجة
أشرطة التروماي
المغضنة في جبهة الزمان البالي
/تأخذهم/
/تسحبهم/
/تهادنهم/
تمررهم من ثقوبٍ صغيرة
إلى نافذة أرحب اتساعًا
من اللاشيء!
:.:.:.:. :.:.:.:.:.
وأنا أجلس إلى طاولة بعيدة
في كوكب يسير بمفرده
وقارة تتلكؤ في طلبِ الخبز
ورغبة الوقوف تحت الشمس
لتجف تحت جلدتها الرطوبة
هناااااك،
ولا شيء غير هناك
قرب الحياة بأمتارٍ قليلة،
أترك للكآبةِ منافيها
للبحارِ موانيها المعطلة
للعالمِ حزنَه الكابي
وأعتصمُ بنبضِ قصيدةٍ
يخفق في ضبابِ الأسئلة.
وأنا أجلس إلى طاولةٍ بعيدة
أفكر في أن أسأل نفسي:
عن حياة أخرى،
لا تأتي قبل أمتارٍ قليلة،
نسيَ الموت في جيب سترتها قنبلةً موقوتة!
وهل يَصلح الحرثُ في الماء؟
ما ضرّكَ،
إن أنهكتَ القلب شوقًا
والعينَ انتظارَ النهار
والروحَ بعثًا بالرجاء
لا يُلام البحر
إن ماجتْ حواشيهِ
شغفًا،
بنيلِ الهوى
وهل يَصلح الحرثُ في الماء؟
يا لهفةَ الوجدِ حين يمسّه
من معينِ القربِ عَوْدٌ
يجبـُر النأيَ بوعدِ اللقاء
هائمٌ،
لا غرو إن أضحت به الدنيا
يجرب في ضنكها الحزن اللدود
بوفرةِ الداء!
كما لو يشبه الإنسان شتاته
-1-
خيط.
بمفرده، تدلّى…
تمنعهُ الشرفةُ،
– من أن يسقط أرضًا-
والنافذةُ بأمرِ الريحِ
تعقده على حاجبي طفل
يمتشق حصان أحلامه الخشبي
ويمرح في الهواء الطلق.
-2-
بشارة.
ليتَ كفيكَ كانتا
قفازين يلتهمان بردَ أصابعي ..
وعصافيرَ تنبت:
أغنيةً،
في شعابِ شراييني.
-3-
شارع.
أنا وعجوز،
في مثل كرة ثلج تتدحرج
تحت أسقف البنايات العتيقة
نتشابك حول أقواس قزح
فتتفلّت من فروجِ أصابعي
يميل برأسه العجوزُ لأسفل
يلتقط ما بوسعِ فمه
من بقاياها،
وهي تنـزّ كبقعة زيت.
……..
وحين يهبط
ملاك الليل في هدوء
ويدعْنا نسمع قصّته عنّا
أسمع ذكرياتي تلك:
مشوشًا،
قلقًا،
وأنا أتدلى من رأسي
كفرخٍ يخرج من بيضته لأول مرة
مبتلاً ببرودةِ ميلاده..
وجسدُ كلّ منا
يتذكر لوعته الروحية
وهْوَ مفقودٌ في ظلالِ الشارعِ الرمادية!
* نشرت بمجلة الإذاعة والتليفزيون ع4362 -20 أكتوبر 2018
رقصة أخيرة برفقة ملاك
في منتصف الفوضى
العربة غابت في طقوس الموتْ
النسوة صرن يدفعن العجلاتْ
لالتقاط الجثث الباقية من حرب أمس
هنا جثةٌ فوق جثةْ
هناك أملٌ باقٍ يخبو في أعينهن
من الصدماتْ.
جثةٌ تلو جثة
زرابيُ الأرواح صارت مُدنًا،
تبُثّها الريحُ..
نبشتها المخالبُ الحديدية
لا خيارَ لزفتِ الطريق،
وهو يغسل وجههَ الأسود بالنائحات.
العالم الآن، يهندس الحرب
الأشرطةُ الممغنطة
لا تتوقف عن ضجيج الحرب
الأرصادُ الجوية تذيعُ قائمةَ توقعاتها
على صنجات الحرب
السيمفونيات في الأصل:
اختراعٌ معدّل من رقصاتِ حربٍ
سقطت سهوًا في طريق “بيتهوفن”
أو “شوبان”..
أو “موزارت”..
البوارجُ تفقس في مخابئ البحر
الجدران تصفق الأبواب
الكتب المجوفة الحكايا
الشعر محروق القوافي
كلها يمضي العندليبُ مُغرّدًا
فوق رُفاتها الهّش..
وينثر الموتى رمادًا من الشرفات.
..-..-..=..=..
بعد كُلِّ رُصَاصةٍ أطْلَقها الجناةُ
على أعْشاشِ الطيورِ
وحرّروا من فوهاتِ الموتِ
ذئابَهم اللعينةْ
بعد كلّ صبيةٍ أورثوها:
– مدينةً غرقى في جنون العيش
– و”مهووسًا سلّموه سكينا”
صارتْ الأوطانُ وهمًا
وكلّ رجلٍ منّا:
صَارَ قَبْرًا دَفينا!
..-..-..=..=..
في منتصف الفوضى
أراني طفلاً غريرًا
//طفلٌ ملائكيٌ//
– أنا-
يحاصره الهواءُ الطلق،
في جيبِ سترته قلمٌ
وفي رئتيهِ الرصاصةْ..
ذاك طفلٌ،
مرّغتهُ الحرب في ترابِ دمه
فارتدّ، إليها،
يرقصُ في حماسةْ!
في انتظار قطار الساعة ال10
بعد منتصف ليل القاهرة
ثمة رجل هناك،
يحدّق في مرآةِ الوقت
وهْيَ تصنع فوق رُخامِ أحلامه:
آلافًا من نساء العالم.
ولأنه لا يضيف شيئًا إلى سُمْعةِ
القطاراتِ السيئة،
فلم يكن ليعنيني
وصولَ قطاري متأخرًا
غير التواءِ المفاصل
وتصلبِ العمودِ الفقري
على مقعدٍ وسْط المتاهةِ البشرية،
زوّدته عوامل التعريةِ ببرودةٍ حادة!
تارةً، أسألُ المارّين عن وطنٍ:
أبيتُ فيه/
وأنا، في جَسَدي، بِكلِ مَحَطّةٍ: وطن!
عن وطنٍ:
أسْعَى فيه لالتِقاطِ لُقْمةَ عَيْشي
أغَذّي أفواهَ أطْفالي مِن لحمي
أكسوهم معطفي الشتوي المرقع
وأتعرّى بجلدتي للسماء
علّها، ما استطاعتْ
أن تنجيني “من عذابٍ أليم!”
لا شَيء مَعي منتظرًا،
غَيْر: علّاتي/ مُعْضلاتي
عوراتِ القوافي في شِعْري
أفجِّرُها في صَمْتٍ رَهيبٍ
على قارعةِ مدينةٍ
لا أسمّيها،
لم أسمعْ بها مِن قبلُ
وأدْخُلُها لأولِ مَرةٍ
كجروٍ أسود،
مرّروه لأحشاءِ أمهِ البغِيّ!
روحي معتّقةٌ في ذكرياتٍ غبية
تُخلِّي رِهانَها مَطْروحًا
على الطاولةِ الفارغةِ وتمضي!
حذائي يركل الجغرافيا،
فتنبعجَ الخرائطْ
فيها تَضلُّ قوافلُ الحنطة
يتَسلّق القراصِنةُ المواني
تغتسلُ المدائنُ من أرامِلها
ترتجلُ الصواري الشتات
ويُبتنى في كلِّ مدينةٍ حائطْ!
وتارةً، أسأل الفارّين
عن منفى
أدق في صحاريه منفايا
يحُدّني التيهُ من كلِ قاطبةٍ
ويخلق الموتُ من طَمْي ذاكرتي البرايا.
……………
الليلة،
صار الرّصيفُ أقلّ غُنجًا
الناسُ تغُطّ في أروقةِ الشوارع
في دورِ السينما
في حاناتِ الخمر
المغلقة على الراشدين
وأطفال تموتُ، ببطءٍ ممتع
في دهاليز الحشايا
لحظتها،
وجدتُ الليلَ مُنخرِطًا
-مثلّ كلّ الذين عرفتهم-
في… الغُوايةْ!
* نشرت في مجلة الفيصل الالكترونية تصدر من فرنسا، 28- فبراير 2018
إلى امرأةٍ موغلة القِدم في ذاكرة الأنوثة
عشر سنواتٍ من النضالِ الذهني
تذهبُ سدًى؛
لأنّ امرأةً تأبى فُرشاتي
خِشيةَ أن تُحاكَ/ القصيدة.
……
أيتها الأنثى التي في بيتها:
القلبُ “مكسورٌ على الطاولة”
الذكرياتُ محنية الظهر خلفَ الستائر
الغبارُ على جوازاتِ السفر
النصالُ مزرية الشهوات.
إليكِ أنتِ،
بعثرُت شوقي في جنباتك
فارتدّ إليّ الشوق جُنونا
أمهليني ألفَ عامٍ أخرى
وانظري، بعدها،
كيف صَنَعْتُ من شِعري
مُدنًا، قَمْحية القَسَماتِ
تُشْعل تبغَ الحروبِ في الطرقاتْ
تتنفّس حُلُمَ الموتِ في الطرقاتْ
أنتِ،
شفتاكِ شمبانيا ناضجة في الكأس
“عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ”
أطيّرهما متى شئتُ،
“شَعْرُكِ كَقَطِيعِ معْزٍ رَابِضٍ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ” *
يذكرني صوتك المسلوب من فمكِ
بفَحيحِ وطنٍ يتلوى غُنْجا
لحمُك الطازج،
تتغذى عليه أصابعُ بيانو قديم
تضرِبُ أوتارك الدموية أقواسُ قزح
وتنفخ الريحُ في عِظامِك النخرة
كأنما تُبَشِّر لَعَناتِكِ بالانفلات
جنونكِ بالصخب
أنوثَتكِ بالفوران
مبْسما نهْديكِ بالوخز
وساقيكِ بالطيران
ثم صارتْ الموسيقى،
… عجبًا !
ترتشف الغُرفةُ وقْعَها من جِلدِك
كما لو تمُصّ حباتِ اللّقاحِ
فينسلخُ تمامًا جِسْمي..
من الفوضى..
وتكون ذاكرتي،
… خِلالك،
قد مرّتْ بلا حدثٍ، عظيم!
أيتها الأنثى،
التي تدفع المعضلاتَ صوبي
لماذا .. إذن:
(سميتك الشمعَ الذي يضاء في الكنائس؟
(الحناء في أصابع العرائس..
ضفدعَ النهرِ الذي
يمضى منتشيًا بدبدباتِ حنجرته
لماذا؟
سميتك الصيفَ الذي تحملهُ
في ريشها الحمامة
سميتك الأجراسَ والأعياد
وضحكةَ الشمسِ على مَرايلِ الأولاد)**
وبحّة الحزنِ في حُلوقنا المصبوبة
تعالي، مرغمةً إليّ
محرّرةً،
بللّك الهوى، لديّ
لأجلِ الأيامِ الخوالي
… من أجلي
ناوليني الحبّ جرعة واحدة
صُبّي كلَّ الأنوثة الطاغية،
إبريقي مملوءٌ بالهذيان
اقرئي على جسدي
ما تيسر من طلاسم الوجْدِ
من صدًى يُعتِّق في الحضورِ جُذُورَه
واقرئي على أذنيّ إلياذةَ الخلجاتِ
ورتـّلي الجوى ترتيلا
أيتها السوسن المزروع في قصائدِ حزني
الحزن الناضج في قصائدِ السوسنْ
المسكونة/ المسجونة/
المعجونة في تلافيف جنوني
المبعثرة الخواطر،
المشردة الشرايين،
النيّئة بلا طعمٍ في خيالي،
يا التي تطيق النارَ في خِياناتي
وتشاءُ تعيد إلى عينيّ مدامِعَها
وتشاءُ تردّ بَصيرتَها إلى عينيّ
تعاليْ،
إلـيّ
أستعير منكِ أغنيةَ الحياةِ
فقلبيَ؛
ذاك الهيلمانُ من السيمفونياتِ
لو لمْ يجدْ ما يغنّيه، ماتَ
بين يديّ!
——-
* من سِفْرُ نَشِيدُ الأَنَاشِيدِ- صح4
** من السيمفونية الجنوبية الخامسة، نزار قباني. بتصرف
هلاوس ذاكرة،
تفي بإراقةِ المُدن عبرَ خدشٍ طفيفْ
خَدْشٌ حَذِر،
يتحسّس ذاكرتي؛
فيبهر عنفوانها الذاتي بالفزع.
——-
….. ذاكرتي، تلك:
أفتشها،
كلصٍ فقد كنـزه الثمين..
بَحْثًا عَن فَراغٍ يَكْتَسيني
ويطعمني فتات الحياة.
….. ذاكرتي، تلك:
خرائطي فيها،
تعنيني وحدي..
مُدنها، ترتدي سَراويلَ تحْتيّة
مُفَخّخةٌ،
بالنابالمْ:
ذاتيّ الإقلاع من كلِ المرافئ
ذاتيّ الإقناعِ لِكلِ الضحايا بشرفِ الموْت.
هوسٌ لا تغفره لأحدٍ أن يطعنك به
كلما أمَلتَ شراعك باتجاه منفى،
يخونك فيه بحرٌ بلا ذاكرة.
*/*/*/*
(ليتني كنت أفكر قبلما أعطل هوسي
في تفجير موسيقاي النابضة من ضلوعي
وأمشي كعصفور بلا أجنحة
أو كريحٍ تداعب شغف الطفولة بالطيران
بحثًا عن ذاكرة تليق بي.)
مــحــمــد حـسـني عليـــــوة
عضو جمعية الأدباء بالقاهرة
عضو الرابطة العربية للآداب والثقافة- العراق
** المركز الثالث في مسابقة صلاح هلال حنفي في القصة القصيرة 2018
** المركز العاشر مكرر في المسابقة العربية الثالثة للقصة القصيرة للعام 2018 م، دورة الروائي والقاص الراحل كاظم الحصيني
*:::***:: نشرت بعض الأعمال في الجرائد المصرية والعربية