ظواهر العنف والإرهاب أكثر تعقيداً وارتباطاً بجذور سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية من أن تقتصر معالجاتها على إزاحة فرد أو أفراد من المشهد!
يقع كبار المسؤولين الأمريكيين في خطأ فادح عند النظر إلى منظمات العنف عموما، والجهادية تحديداً، باعتبارها قرينة الأفراد ويمكن تفكيكها بقتلهم.
صعود مفهوم الجهاد المسلح مرتبط بتحولات سياسية وعقدية وعسكرية تذكي نيران المظالم وتوظف مشاعر القهر والإخضاع وغياب المواطنة ومساندة أنظمة الاستبداد.
هل كان غياب الظواهري وبن لادن والبغدادي وسواهما من قادة الساحات الجهادية قد تكفل فعلياً بشلّ قدرات منظمات أخرى كانت أو لم تكن تحت قيادتهم؟
من الخطأ اعتبار العالم أكثر أماناً بعد تصفية أفراد مثل بن لادن أو البغدادي أو الظواهري بحيث يصبح الإمعان في تعميم المظالم والاستبداد يتم بمأمن من كل استهداف!
* * *
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة خلال ضربة صاروخية بطائرة مسيرة استهدفت مسكنه في العاصمة الأفغانية كابول، معتبراً أن «العدالة تحققت الآن» ومعرباً عن أمله في أن مقتل الظواهري سيساعد عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر على «طي الصفحة».
وقد تكون هذه الخلاصة تحديداً هي مكمن الخطأ الفادح الذي يقع فيه كبار المسؤولين الأمريكيين عند النظر إلى المنظمات الإرهابية عموماً، وتلك الجهادية المتشددة تحديداً، باعتبارها قرينة الأفراد ويمكن تفكيكها بالإجهاز عليهم.
ذلك لأن ظواهر الإرهاب أكثر تعقيداً وارتباطاً بجذور سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية من أن تقتصر معالجاتها على إزاحة هذا الفرد أو ذاك من المشهد، أياً كانت مكانته القيادية وجاذبيته الشخصية وهيمنته على المنظمات التي يقودها أو تمنحه البيعة.
ومن الثابت اليوم أن صعود مفهوم الجهاد الإسلامي المسلح خضع على الدوام لتحولات سياسية وعقائدية وعسكرية ظلت تعتمد في المقام الأول على إذكاء نيران المظالم المختلفة وتوظيف أحاسيس القهر والإخضاع وغياب المواطنة ومساندة أنظمة الاستبداد أو التواطؤ معها.
ومن المفهوم أن يتفاخر بايدن بما أنجزته الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية في اغتيال الظواهري، على غرار ما فعل سلفه باراك أوباما بصدد عملية اغتيال زعيم القاعدة ومؤسسها أسامة بن لادن في سنة 2011، ولكن هل كان غياب هذين أو سواهما من أرقام صعبة في الساحات الجهادية قد تكفل فعلياً بشلّ قدرات المنظمات الأخرى التي كانت أو لم تكن تحت قيادة بن لادن أو الظواهري، أو أمثال أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم «تنظيم الدولة» الذي اغتالته قوات خاصة أمريكية في شباط/ فبراير الماضي شمال سوريا؟
وقبل بايدن وبعد أوباما كان دونالد ترامب قد تفاخر باغتيال زعيم «تنظيم الدولة» و«الخليفة» أبو بكر البغدادي خريف 2019، إذا وضع المرء جانباً اختيال جورج بوش الابن بتصفية أبو مصعب الزرقاوي في العراق صيف 2006.
وبهذا المعنى فإن سوء تقدير العلاقة بين المنظمة الجهادية والزعيم الجهادي قاد وسوف يقود غالبية الساسة هنا وهناك في العالم، ولكن خاصة في البيت الأبيض بصرف النظر عن انتماء الرئيس الديمقراطي أو الجمهوري، إلى خطأ اعتبار العالم أكثر أماناً بعد تصفية أفراد أمثال بن لادن أو البغدادي أو الظواهري، بحيث يصبح الإمعان أكثر في تعميم المظالم تحصيل حاصل يتم في مأمن من كل استهداف.
وبعيداً عن كابول والشرفة التي شهدت مقتل الظواهري، ثمة عشرات المواقع في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا التي تشهد اتساع نطاقات الإحساس بالحيف ومرارة فقدان العدالة وتمكين العسف والاضطهاد والتجبر.
ومن مفارقات التاريخ التي لا يصح أن تُنسى في مناسبة اغتيال الظواهري أنه وأمثاله تمتعوا ذات يوم بدعم هائل عسكري ومالي واستخباراتي أمريكي، لأن الأجهزة الأمريكية ذاتها التي خططت وتخطط لاغتيالهم اليوم كانت قبلئذ قد صنفتهم في خانة «المقاتلين من أجل الحرية».
ولهذا يصعب أن تُطوى صفحات دامية تخص قضايا مستعصية شديدة التجذر، لمجرد اغتيال فرد هنا أو تفكيك منظمة هناك.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك:
ايمن الظواهري طريق الإرهابي من عيادته بالقاهرة إلى قيادة أكبر تنظيم إرهابي