جاء اعتراض واشنطن على تطبيع تركيا مع النظام السوري هذه المرة بلغة صريحة وقاطعة.
“هل كانت فعلاً ممارسات النظام السوري قد حملت الإدارة الأميركية على رفض التقارب التركي السوري المحتمل؟
الحسابات الروسية الإيرانية المتداخلة هي العامل الرئيس وراء الاعتراض الأميركي للتطبيع التركي مع النظام السوري ولو هزّ علاقات الحليفين.
هل هناك اعتبارات وحسابات تتصل باحتمالات الوضع السوري أو بالورقة السورية في لعبة الصراع والترتيبات الجارية من أوكرانيا إلى إيران وتبحث أنقرة عن دور فيها؟
* * *
يعود النقاش حول الملف السوري في واشنطن مجدداً، خصوصاً بعد التهديدات التركية ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، حليفة القوات الأميركية في شمال شرق سورية، وارتفاع وتيرة المطاردات لبقايا “داعش” في تلك المنطقة، وكذا النقاش الكبير حول التطبيع المحتمل بين أنقرة والنظام السوري.
وجاء اعتراض واشنطن هذه المرة بلغة صريحة وقاطعة على التوجه التركي للتطبيع مع نظام بشار الأسد، مع أنها في المرات السابقة تعاملت بدبلوماسية أكثر، الأمر الذي أثار تساؤلات حول هذا الإصرار، خاصة أن حيثياته لا تبدو متماسكة، فضلاً عن أنه غير معمول به في حالات مشابهة، وكأن في الأمر غاية أبعد وأعمق ممّا بررت به الإدارة وقوفها ضد هذا التطبيع.
في الأسبوع الماضي، شددت وزارة الخارجية على “عدم دعم” أي خطوة من هذا النوع، وقالت إنها “أبلغت الجميع”، بمن فيهم أنقرة، بموقفها الرافض هذا التطبيع الذي يفتقر إلى “الجدارة” مع نظام ارتكب “الفظائع” ضد شعبه.
وعاد المتحدث نيد برايس وكرر نفس الموقف، وبذات الإصرار، حول هذا الموضوع والزيارة التي قيل إنها قريبة لوزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، كما أسهب برايس في سرد دواعي موقف الإدارة التي تدور حول سلوكيات النظام، مشدداً على أن البديل يكمن في العمل لحل سياسي للأزمة السورية. وقد لفت في رده إلى أنه ترك مسألة زيارة الوزير جاووش أوغلو معلقة في أحسن الأحوال، مشيراً إلى أنها قد لا تحصل.
وأوضح برايس أنه “من المحتمل أن يتوفّر المزيد من التفاصيل بشأن اللقاء قبل مرور وقت طويل”، وأضاف مستدركاً: “أتوقع أن تتوفر الفرصة للوزيرين ليلتقيا في وقت غير متأخر كثيراً”، من دون الإشارة إلى أن اللقاء سيحصل في واشنطن.
تصريحات برايس حملت صيغة ولهجة تدلان على أن الزيارة صارت على الأرجح مستبعدة، وثمة اعتقاد بأن تصريح الوزير مولود جاووش أوغلو، أمس الخميس، حول لقائه مع نظيره في حكومة النظام السوري في فبراير المقبل، قد ساهم في إلغاء زيارة الوزير التركي إلى واشنطن.
كما أن هنالك تفسيراً آخراً يقول بأن الوزير التركي ما كان ليدلي بتصريحه هذا عشية زيارته المحتملة إلى واشنطن، لو لم يكن قد توصل إلى قناعة بأن الإدارة حاسمة في رفضها التطبيع، وأن مفاتحتها بالموضوع صارت في غير محلها.
إلا أن السؤال الذي يبقى بارزاً الآن هو: “هل كانت فعلاً ممارسات النظام السوري قد حملت الإدارة الأميركية على رفض التقارب التركي السوري المحتمل؟ أم أن هناك اعتبارات وحسابات تتصل باحتمالات الوضع السوري، أو بالأحرى الورقة السورية في لعبة الصراع والترتيبات الجارية من أوكرانيا مروراً بإيران، والتي تبحث أنقرة عن دور فيها؟”.
إن التذرع بـ”الفظائع” التي ارتكبها النظام السوري ليست بالحجة المقنعة، بالرغم من وجاهة التهمة، فالإدارة تتهم موسكو وطهران بارتكاب “الفظائع في أوكرانيا وضد التظاهرات الإيرانية”، مع ذلك، تترك باب التفاوض والتواصل معهما مفتوحاً بشأن الحرب والملف النووي، لهذا يبدو أن ثمة دافعا أقوى وأهم بالنسبة للإدارة الأميركية من ذريعة سلوكيات النظام السوري.
وليس خارج الأسباب أن تكون الرعاية الروسية للتقارب التركي السوري الأخير هي التي حملت إدارة جو بايدن على رفض التطبيع بين أنقرة ودمشق، باعتباره استثمارا روسيا لا تقبل به واشنطن في لحظة صارت فيها الأولوية لديها هي كسر شوكة موسكو في أوكرانيا، كما في أي مكان يتيسر لها ذلك، ويبدو أنها جدية في ذلك، حتى لو كان الحليف التركي طرفاً في هذا الاستثمار.
وفي مسلسل الخلافات الأميركية التركية، خلال السنوات الأخيرة بشكل خاص، حرصت واشنطن على مداراة الحليف التركي “المهم في الناتو”، واجتناب مزيد من التوتر معه، من خلال احتواء الخلافات أو على الأقل عدم تصعيدها، سواء عن طريق القوة الناعمة أو المقايضة، إذ تبدو حاجة واشنطن لأنقرة واضحة، خاصة في الظرف الراهن، ونجحت الإدارة الأميركية في ذلك إلى حدّ بعيد.
واتضح ذلك مؤخراً في خطوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على صرف النظر عن القيام بالعملية العسكرية التي توعّد بها في الأراضي السورية.
الآن، تبدو المسألة أكثر جدية، لأن الحسابات الروسية والإيرانية المتداخلة تشكل العامل الرئيسي وراء الرفض الأميركي لهذا التطبيع، ولو أن ذلك قد يهزّ العلاقات بين الحليفين.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: