إن «انتصارا عسكريا أوكرانيا ــ يعرف بأنه طرد الروس من كل أوكرانيا.. هو احتمال بعيد الحدوث بصورة كبيرة».
الصين تنتظر بصبر بينما تعمل موسكو وواشنطن على تآكل قوتهما القتالية، وتخوض حربا بالوكالة للسيطرة على أوكرانيا.
«بينما يتقاتل نمران بشراسة فى الوادى، يجلس قرد حكيم على قمة الجبل، ينظر إلى الأسفل وينتظر ليرى متى ينزل ومن سيواجه».
روسيا ليست على وشك الاحتفال بالانتصار، مع فقدانها عشرات الآلاف من جنودها بين قتيل وجريح، ويعانى أغلب شعبها عقوبات الغرب الواسعة.
تجمع علاقات معقدة بين روسيا والصين، وقد تتدخل الدولتان لمساعدة بعضهما فى أى صراع إذا واجه أى منهما الهزيمة من قبل أمريكا والناتو.
تعرب الصين عن قلقها بشأن حرب روسيا في أوكرانيا، لكن لا تنتقدها علانية، ودفع ذلك بالرئيس بوتين للإشارة المباشرة إلى مخاوف الصين.
تعيق العقوبات قدرة روسيا الإنتاجية الصناعية العسكرية، لأنها تعتمد على مكونات أجنبية عالية التقنية كأشباه الموصلات والرقائق الدقيقة وغيرها لتطوير الأسلحة.
تستنزف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا مخزون البنتاغون من الأسلحة الحيوية، ما يؤدى لتآكل استعداده القتالي أى عدم القدرة على القتال إذا استدعت الضرورة.
* * *
بقلم: محمد المنشاوي
يتعلم طلبة المدارس الصينية فى أحد فصول التاريخ القديم حدوتة تراثية ذات معانٍ معاصرة، تجسد بدهاء جوهر تفكير الصين فى هذا الصراع، إذ تقول «بينما يتقاتل نمران بشراسة فى الوادى، يجلس قرد حكيم على قمة الجبل، ينظر إلى الأسفل وينتظر ليرى متى ينزل ومن سيواجه».
والنمران هما روسيا والولايات المتحدة، وكلاهما تعتبره الصين أكبر خصومها. الصين هى القرد الحكيم الذى ينتظر بصبر بينما تعمل موسكو وواشنطن على تآكل قوتهما القتالية، وتخوض حربا بالوكالة للسيطرة على أوكرانيا.
* * *
ينشغل الخبراء حول العالم فى تقييم الحرب الروسية على أوكرانيا التى دخلت شهرها التاسع دون حسم من أحد طرفيها، فى وقت لا تبدو فيه أى آفاق دبلوماسية لمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة تؤدى لوقف القتال.
واعترف البنتاغون قبل أيام على لسان الجنرال مارك ميلى، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن أوكرانيا ليس لديها طريق عسكرى للانتصار على روسيا. وقال الجنرال الأمريكى الأهم مكانة، إن «انتصارا عسكريا أوكرانيا ــ يعرف بأنه طرد الروس من كل أوكرانيا… هو احتمال بعيد الحدوث بصورة كبيرة».
وبعد تسعة أشهر من الهجوم المتواصل من قبل القوات الروسية، سيطرت موسكو على ما يقرب من 20% من الأراضى الأوكرانية، كما دمرت نسبة كبيرة من البنية التحتية الحيوية فى مختلف مدنها وأقاليمها، تاركة أغلب سكانها بدون كهرباء أو تدفئة أو مياه، مع اقتراب وصول درجات الحرارة إلى مستوى التجمد عند حلول فصل الشتاء.
لكن من الصعب فى الوقت ذاته أن يجادل أحد بأن موسكو على وشك الاحتفال بنوع من الانتصار، خاصة مع فقدانها عشرات الآلاف من جنودها بين قتيل وجريح، ويعانى أغلب الشعب الروسى من جراء العقوبات الواسعة التى فرضها الغرب عليهم.
ومن الواضح كذلك أن موسكو استهلكت الكثير من مخزوناتها العسكرية التقليدية، اضطرت معه للجوء إلى كوريا الشمالية وإيران لتجديد ترسانتها من الأسلحة المتناقصة. كما أن ترسانة روسيا العسكرية آخذة فى الانخفاض.
وبعد أن أطلقت موسكو نحو 4 آلاف صاروخ، تشترى مسيرات من إيران وقذائف مدفعية من كوريا الشمالية، فضلا عن إعاقة العقوبات لقدرتها الإنتاجية الصناعية العسكرية، لأن روسيا تعتمد على مكونات أجنبية عالية التقنية مثل أشباه الموصلات والرقائق الدقيقة وأجزاء أخرى لتطوير الأسلحة.
* * *
من ناحية أخرى، ووفقا لخدمة أبحاث الكونغرس، قدمت واشنطن منذ بدء الهجوم الروسى لأوكرانيا أسلحة بقيمة تتجاوز 20 مليار دولار لمساعدتها فى الحفاظ على سلامتها الإقليمية، وتأمين حدودها، وتعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا.
وتعهدت إدارة بايدن بزيادة المخصصات العسكرية لأوكرانيا فى العام المالى الجديد لتصل إلى أكثر من 50 مليار دولار. ويترك ذلك البنتاغون يستنزف بسرعة مخزونه من الأسلحة الحيوية، وهو ما يؤدى إلى تآكل استعداده القتالى، أى عدم القدرة السريعة على الذهاب للقتال إذا استدعت الضرورة.
تظهر دراسة الكونغرس أن واشنطن قدمت لأوكرانيا حتى الآن أكثر من 8500 نظام غافلين الصاروخى المضاد للدروع، وأكثر من 32 ألف نظام آخر مضاد للدروع، وأكثر من 1400 صاروخ ستينغر المضاد للطائرات.
ومئات المركبات المدرعة من طراز همفى و440 مركبة مقاومة للألغام، و200 ناقلة جنود مدرعة من طراز M113، وأكثر من عشرة آلاف قاذفة قنابل يدوية وأسلحة صغيرة، وكميات لا تحصى من معدات الاتصالات والاستخبارات.
* * *
تجمع علاقات معقدة بين روسيا والصين، وقد تتدخل الدولتان لمساعدة بعضهما البعض فى أى صراع إذا واجه أى منهما الهزيمة من قبل واشنطن وحلف الناتو. ويخوض الجيشان الروسى والصينى مناورات ضخمة سنويا منذ 2005، وكان آخرها باسم «فوستوك ــ2022» حيث تم محاكاة عملية خاصة مشتركة بين روسيا والصين، ردا على تهديد متصور من اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
كما توفر الصين شريان حياة اقتصاديا أساسيا لروسيا التى تعانى من العقوبات الغربية الصارمة. وتوسعت تجارة الصين مع روسيا خاصة فى مجال الطاقة عن طريق خط الأنابيب المشترك الضخم الذى تبلغ تكلفته 55 مليار دولار، ويعرف باسم «باور أوف سيبيريا»، الذى ينقل الغاز الروسى بالفعل إلى أجزاء من الصين، وسيبدأ تشغيله بالكامل فى عام 2025.
وقد يحل هذا الخط محل «نورد ستريم» الناقل للغاز الروسى لأوروبا، والذى أغلقته موسكو أخيرا. ورغم ذلك تعرب الصين عن قلقها بشأن حرب روسيا فى أوكرانيا، لكنها لا تنتقدها علانية، ودفع ذلك بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين للإشارة المباشرة إلى مخاوف الصين.
وقال «نحن نقدر تقديرا عاليا الموقف المتوازن لأصدقائنا الصينيين فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.. نحن نتفهم أسئلتكم ومخاوفكم فى هذا الصدد».
ولا تعنى العلاقات الطيبة بين روسيا والصين اتفاقا فى كل القضايا، إذ يجمع الدولتين تنافس صامت على النفوذ والثروة فى جمهوريات آسيا الوسطى التى كانت جزءا من الاتحاد السوفيتى السابق.
وتستثمر الصين بكثافة فى شبكة مجالات الطاقة والبنية التحتية فى جمهوريات آسيا الوسطى، ضمن مبادرة الرئيس الصينى «الحزام والطريق» التى تربط الصين بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا.
* * *
خلال المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصينى الشهر الماضى، الذى يعقد كل 5 أعوام، وجّه الرئيس شى جينبينغ الجيش الصينى ليكون مستعدا للحرب، قائلا «يجب على الجيش بأكمله تركيز كل الطاقة على خوض الحرب وتوجيه كل العمل نحو الحرب والإسراع فى بناء القدرة على الانتصار».
تتمثل خطة الصين الكبرى فى أن تصبح القوة العالمية المهيمنة بحلول منتصف هذا القرن، لتحل محل أمريكا اقتصاديا وعسكريا، ويشير خطاب الرئيس الصينى شى جينبينغ لمبدأ “صين واحدة” وإعادة ضم تايوان بالقوة العسكرية على المدى القريب بدلا من الاندماج التدريجى على المدى الطويل.
دون ظهور نهاية للحرب الروسية على أوكرانيا بمنتصر واضح بين طرفيها، يحق للصين أن ترى نفسها الطرف الفائز من هذا الصراع، بينما تستنزف الحرب فى أوكرانيا مخزون موسكو وواشنطن من الأسلحة، من المؤكد أن الرئيس شى جينبينغ يشعر بتحسن بشأن مثل هذه الاستعدادات، وقد يكون الوقت قد حان للقرد للنزول بأمان إلى الوادى.
*محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: