اختلاط الأوراق يجري في الذكرى السنوية الثامنة لسقوط الموصل لقمة سائغة بيد «داعش» وكأن ساسة التعطيل لم ولن يعتبروا!
تطور غير مسبوق يتوج أشهرا من الانسداد السياسي وتعطل الاستحقاقات والآجال الدستورية لاختيار رئيس الجمهورية ورئيس للوزراء وتشكيل حكومة.
الخلاف غير معلن يدور حول برامج إصلاحية تستجيب لمطالب الشارع وانتفاضة شعبية شهدها العراق في خريف 2019، خاصة محاربة الفساد وإصلاح البنى التحتية والأمن.
يدور خلاف حول العلاقة بإيران وإعلاء السيادة الوطنية والنأي بالعراق عن صراعاتها الإقليمية والدولية مما يقتضي تحجيم فصائلها وميليشياتها المذهبية المسلحة الموالية.
* * *
في خطوة لا سابقة لها على امتداد تاريخ مجلس النواب العراقي طلب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن يتقدم الأعضاء الـ73 في كتلته باستقالاتهم من عضوية المجلس، موضحاً أن هذا الإجراء «تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهم من المصير المجهول».
وبالفعل استجاب الجميع على الفور، ونقلت وكالات الأنباء تسجيلاً مصوراً يظهر رئيس المجلس محمد الحلبوسي وهو يوقع بالموافقة على طلبات الاستقالة، وفي توقيت متزامن سارع جعفر الصدر سفير العراق الحالي في بريطانيا والمرشح المستقل لرئاسة الوزراء إلى سحب ترشيحه تماشياً مع خطوة الصدر.
ويبدو هذا التطور غير المسبوق بمثابة تتويج أقصى لنحو ثمانية أشهر من انسداد الحلول السياسية وتعطل الاستحقاقات والآجال الدستورية التي توجب أن تعقب الانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي، وعلى رأسها اختيار رئيس للوزراء وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية.
والمضمون المعلن خلف التأزم هو النزاع بين تحالف «إنقاذ وطن» الذي يمثله 155 نائباً ويضم الكتلة الصدرية وكتلة «تقدم» المؤلفة من أغلبية نواب سنّة وكتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني ويطالب بحكومة أغلبية من جهة أولى، وبين «الإطار التنسيقي» ويمثله 83 نائباً من تيارات وفصائل شيعية تطالب بحكومة توافقية من جهة مقابلة.
لكن الخلاف غير المعلن يدور حول مسائل أكثر تعقيداً تخص سلسلة من البرامج الإصلاحية التي يتوجب أن تستجيب لمطالب الشارع العريض والانتفاضة الشعبية التي شهدتها مدن العراق وبلداته وقراه في خريف 2019، خاصة محاربة الفساد وإصلاح البنى التحتية وتوفير الخدمات العامة والتربوية والصحية ومعالجة الغلاء وانفلات الأمن.
كذلك يدور قسط غير قليل من الخلاف حول طبيعة العلاقة مع إيران وإعلاء مبدأ السيادة الوطنية والنأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية والدولية التي تنخرط فيها طهران، وهذا يقتضي أيضاً تحجيم أدوار الفصائل والميليشيات المذهبية المسلحة الموالية لإيران.
وكان تعطيل الاستحقاقات الدستورية قد تحول إلى سلاح استخدمته هذه الفصائل عبر «الإطار التنسيقي» أساساً، للتعويض عن خسائرها في صناديق الاقتراع، وبهدف فرض أمر واقع يوصل البلاد ومؤسساتها إلى حال الاستعصاء الراهنة.
وإذا صح أن الخطوة الصدرية تكفلت بتحريك المياه الراكدة في المستنقعات الآسنة التي تغرق فيها الحياة السياسية العراقية الراهنة، فإن من الصحيح على الجانب الآخر مقدار التعقيدات القانونية والدستورية والعملية التي تكتنف مستقبل الاستقالات الجماعية لنواب التيار الصدري.
فاستقالة النائب لن تصبح سارية المفعول إلا بعد تصديق المجلس خلال 30 يوماً وبتصويت أغلبية مطلقة ضمن نصاب قانوني، مع العلم أن المجلس الآن في عطلة رسمية لمدة شهرين اعتباراً من مطلع يونيو الجاري. فإذا تمت المصادقة، فإن على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن تختار النواب البدلاء من ضمن أعلى الخاسرين أصواتاً داخل الدائرة ذاتها وبمعزل عن الكتلة التي انتموا إليها أصلاً.
وثمة الكثير من المغزى في أن اختلاط الأوراق هذا يجري في الذكرى السنوية الثامنة لسقوط الموصل لقمة سائغة بيد «تنظيم الدولة» وكأن ساسة التعطيل ما اعتبروا ولا يعتبرون.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك:
رصد إسرائيلي لاحتمال انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي