تشهد الضفة الغربية حالياً انتفاضة شعبية شاملة، وتتصاعد يوميا، ولا تديرها حركة أو فصيل ولا علاقة لها بأي مستوى سياسي.
استمرار هذه الانتفاضة سيجعل الاحتلالَ مكلفاً وثمنه باهظ بالنسبة للإسرائيليين، كما أن هذه الانتفاضة تختلف تماماً عن سابقاتها.
بدأ الإسرائيليون يدركون أن فترة هدوء الضفة لسنوات طويلة ماضية وكانت «شهر عسل إسرائيليا» قد انتهت، وأن الأوضاع تتجه إلى الانهيار.
في 1987 كانت انتفاضة الحجر وفي 2000 اندلعت انتفاضة الأقصى المسلحة والمشهد اليوم انتفاضة جديدة بأدوات مختلفة وملامح غير مسبوقة.
لا يُمكن حصار الانتفاضة بالاغتيالات أو الاعتقالات أو الاجراءات الأمنية وإنما السبيل الوحيد هو الاعتراف بالحق الفلسطيني وإنهاء حالة الجمود السياسي.
* * *
بقلم: محمد عايش
كل الأحداث التي شهدتها الضفة الغربية في الآونة الأخيرة تؤكد أن ثمة انتفاضة فلسطينية شاملة تلتهب بشكل يومي، ولكنها تختلف تماماً عن الانتفاضات الكبرى السابقة من حيث الملامح والشكل والأساليب المستخدمة، وأهم ما في هذه الانتفاضة أنها ابنة جيل جديد لم يعش الانتفاضات السابقة من قبل.
في الضفة الغربية تتصاعد وتيرة الهجمات المسلحة التي يشنها فلسطينيون، ولا يبدو أنها مجرد هجمات عابرة، بعد أن أصبحت تحدث بشكل شبه يومي، وأهم ما في هذه العمليات اليومية أنها لم تعد على علاقة بأي فصيل أو تنظيم، حيث لا تخرج أية بيانات فصائلية تتبنى هذه العمليات، وهو ما يؤكد أنها انتفاضة شعبية جماهيرية عامة لم تبدأ بقرار سياسي، وليست محكومة بقواعد السياسة، كما لا علاقة لها بأي من الفصائل ولا بمنظمة التحرير ولا السلطة الفلسطينية.
الإسرائيليون بدؤوا يدركون أن فترة الهدوء التي شهدتها الضفة لسنوات طويلة ماضية وكانت «شهر عسل إسرائيليا» قد انتهت، وأن الأوضاع تتجه إلى الانهيار.
ولذلك بدؤوا حالة استنفار وإغلاقات، فضلاً عن حديث قوي في وسائل الإعلام العبرية عن عودة إلى سياسة الاغتيالات، وهي السياسة الإسرائيلية المعتمدة لمواجهة كل انتفاضة، ما يؤكد أن الضفة تشهد انتفاضة متصاعدة.
موقع «والا» الإسرائيلي قال في تقرير له مؤخراً، إن تقديرات الجيش تقول بأن الضفة بانتظار «جريمة يرتكبها مستوطن» لتكون هذه الجريمة هي شرارة المواجهة المفتوحة والأكبر.
أما جريدة «يديعوت أحرونوت» العبرية فقالت إن عام 2022 هو أحد السنوات الصعبة، حيث نفذ الفلسطينيون خلاله 2204 عمليات أدت إلى مقتل 25 إسرائيلياً، فيما تلفت الصحيفة إلى إن العام الحالي ما زال في جعبته شهران كاملان، ما يُمكن أن يجعله واحداً من أكثر الأعوام دموية وصعوبة على الإسرائيليين منذ انتهاء انتفاضة الأقصى.
قائد الأركان الأسبق لجيش الاحتلال غادي آيزنكوت قال في وقت سابق أيضاً، إن التدهور الأمني الحالي في الضفة هو «الأخطر منذ انتهاء انتفاضة الأقصى عام 2005». وأضاف إن «الوضع الأمني الحالي أخطر أيضاً من انتفاضة القدس عام 2015، عندما تطورت العمليات الفلسطينية إلى عمليات إطلاق نار في غالبيتها، بدلاً من السكاكين والدهس».
العمليات اليومية التي تستهدف الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية إذا استمرت على هذه الوتيرة فانها سوف تُنهي حالة «الاحتلال المجاني» التي كان تمتعت بها إسرائيل في الضفة.
كما ستنهي «شهر العسل الإسرائيلي» لأنها تعني في النهاية أن هذا الاحتلال يواجه حرب استنزاف مكلفة في الضفة، وبذلك فإن احتلال الضفة سيصبح تدريجيا مكلفاً لإسرائيل، كما كان حال قطاع غزة قبل 2005 عندما قرر أرييل شارون حينها الانسحاب المفاجئ دون قيد أو شرط ولا اتفاق من غزة.
والخلاصة هو أن ثمة انتفاضة شعبية شاملة تشهدها الضفة الغربية حالياً، وتتصاعد بشكل يومي، ولا تديرها أي حركة ولا فصيل ولا علاقة لها بأي مستوى سياسي، وهذه الانتفاضة إذا استمرت ستجعل الاحتلالَ مكلفاً وذو ثمن باهظ بالنسبة للإسرائيليين.
تختلف هذه الانتفاضة تماماً عن سابقاتها، إذ في عام 1987 كانت «انتفاضة الحجر»، وفي العام ألفين اندلعت انتفاضة «الأقصى» التي كانت مسلحة، والمشهد الفلسطيني اليوم أمام انتفاضة جديدة بأدوات مختلفة وملامح غير مسبوقة..
وهذه الانتفاضة لا يُمكن حصارها بالاغتيالات ولا الاعتقالات ولا الاجراءات الأمنية المختلفة، وإنما السبيل الوحيد لتجنبها هو الاعتراف بالحق الفلسطيني وإنهاء حالة الجمود السياسي من أجل التوصل الى اتفاق منطقي ومعقول يؤدي الى دولة فلسطينية قابلة للحياة.
*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: