دول القارة تتعرض لعملية ابتزاز وضغوط سياسية كبيرة، خاصة من قبل كبار المنتجين للغاز الطبيعي في العالم مثل روسيا وبيلاروسيا.
عملية تأخير شبه متعمدة من روسيا في زيادة إمدادات الغاز لأوروبا، رغم إعلان بوتين أنه أعطى تعليمات لـ”غازبروم” بزيادة الإمدادات للقارة.
الجزائر ساهمت بشكل في تفاقم أزمة الطاقة داخل أوروبا عبر عدم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي الواصل بين الجزائر وإسبانيا.
* * *
بقلم: مصطفى عبدالسلام
أوروبا ستعيش شتاء قارسا هذا العام، والموطن الأوروبي سيتحمل تكاليف إضافية ضخمة هذا الشتاء جراء تضخم الأسعار المتوقع في السلع والخدمات، خاصة فواتير الكهرباء والتدفئة والمواصلات، وزيادة المخاوف من شبح ركود اقتصادي سيتضرر منه الجميع.
والسبب في ذلك الشتاء القارس يكمن في أزمة الغاز الطبيعي العنيفة التي تتفاقم في القارة يوما بعد يوم من دون أي حل يبدو في الأفق المنظور، وقفزات متواصلة في أسعار الوقود لم تشهدها أوروبا من قبل.
ومع اتساع رقعة هذا المأزق الكبير، باتت دول القارة تتعرض لعملية ابتزاز وضغوط سياسية كبيرة، خاصة من قبل كبار المنتجين للغاز الطبيعي في العالم مثل روسيا، أو الدول التي تمر خطوط غاز عبر أراضيها مثل بيلاروسيا وأطراف أخرى، بل إن بعض الدول العربية ساهمت بشكل غير مباشر في تأزيم وضع الطاقة داخل أوروبا.
روسيا مثلاً تمارس أبشع أنواع الابتزاز ضد أوروبا، حيث باتت تستخدم الغاز سلاحاً سياسياً ضد الغرب، وتوظف صادرات الطاقة لأهداف استراتيجية وجيوسياسية بهدف الضغط، ليس فقط على دول القارة، ولكن على الولايات المتحدة أيضا، فقد توقفت تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا في جزء من خط أنابيب يامال- أوروبا الذي ينقل الغاز إلى ألمانيا عبر بولندا.
صحيح أن موسكو لم تعلن صراحة عن وقف تزويد أوروبا بالطاقة، ولم تمنع إمدادات الغاز كلية عن القارة لأسباب سياسية، ومبررات أخرى تتعلق باحترام التعاقدات.
لكن في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكرت وسائل إعلام روسية أن تدفقات الغاز الروسي إلى ألمانيا توقفت لتتجه نحو الشرق، أي نحو الصين والهند ودول أسيوية أخرى، بعدما تغير مسار خط أنابيب يامال-أوروبا الروسي.
وهناك عملية تأخير شبه متعمدة من روسيا في زيادة إمدادات الغاز لأوروبا، رغم إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه أعطى تعليمات لشركة “غازبروم” الحكومية بزيادة الإمدادات لمحطات التخزين الأوروبية ورفع مخزوناتها داخل أوروبا.
لكن هذا لم يحدث منذ الإعلان يوم 28 أكتوبر، ولذا، رأينا وكالة الطاقة الدولية وبعض النواب الأوروبيين يتهمون شركة “غازبروم” بعدم القيام بما يكفي لزيادة إمداداتها من الغاز إلى القارة العجوز.
روسيا تدرك الأهمية القصوى لغازها في قطاع الطاقة الأوروبي، لذا تستغل هذه الورقة بامتياز، خاصة أنها تمد الاتحاد الأوروبي بنصف وارداته من الغاز الطبيعي، ولذا كانت بطيئة، منذ أسابيع، في توفير الوقود لتعويض النقص في كثير من الأحيان عن طريق الحد من التسليم لمنشآت التخزين الخاصة بها.
بيلاروسيا استغلت أيضا أزمة الطاقة في أوروبا وحدوث قفزات في قيمة فواتير استهلاك الطاقة في المنازل، ويحاول نظامها القمعي الاستفادة القصوى من الأزمة، حيث هدد رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا، إذا فرضت عقوبات على بلاده بسبب أزمة المهاجرين المتصاعدة بين الجانبين.
وقد أثارت تلك التصريحات مخاوف دول القارة، وسط تفاقم نقص الغاز الطبيعي وارتفاع الأسعار، خاصة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
حتى الجزائر ساهمت بشكل غير مباشر في تفاقم أزمة الطاقة داخل أوروبا عبر عدم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي الواصل بين الجزائر وإسبانيا عبر المغرب، خصوصاً أنّ القرار الجزائري جاء في ذروة ارتفاع أسعار الغاز العالمية وبداية فصل الشتاء في أوروبا.
خطورة القرار تكمن في أنّ الجزائر تعد أهم مزود لإسبانيا بالغاز، إذ تضخ منذ العام 1996 نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً إلى إسبانيا والبرتغال عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا.
الجزائر وقطر والنرويج وكندا وإيران وغيرها من الدول الكبرى المنتجة للغاز، كلها خيارات أمام قادة القارة في تخفيف أزمة الغاز مع قرب فصل الشتاء، لكن هذه الخيارات تحتاج إلى وقت وسيولة مالية ضخمة، ويبدو أنّ عودة مخاطر كورونا قد لا تترك خيارات سريعة لاحتواء أسوأ أزمة طاقة تمر بها القارة في تاريخها.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: