إسرائيل انتهكت تعهداتها، ووجهت إهانة للأردن ورسالة واضحة مفادها التراجع عن الاعتراف بهذا الدور الأردني.
الاعتداء على سفير الأردن لدى إسرائيل، داخل باحات المسجد الأقصى، إهانة إسرائيلية للأردن، ومحاولة للاعتداء على دوره بالقدس ورعايته للمقدسات.
لدى الأردن أوراق عديدة يمكن أن يضغط بها على الاحتلال، ليس فقط لفرض احترام السفير، بل للاحتجاج على الإجراءات العدوانية في القدس المحتلة.
اقتصاديا كان وضع الأردن أفضل قبل معاهدة السلام، والبطالة بالأردن دون 9% قبل المعاهدة واليوم تتجاوز 23% ومؤشرات أخرى عديدة تؤكد ذلك.
الأردن عاش دولة مستقلة حُرة عشرات السنين، قبل معاهدة السلام مع إسرائيل وإقامة علاقات معها أي أنه غير مضطر لاتفاقات ومعاملات أبرمت مؤخراً مع العدو.
* * *
بقلم: محمد عايش
الاعتداء الذي تعرض له غسان المجالي سفير الأردن لدى إسرائيل، وهو داخل باحات المسجد الأقصى، يُشكل إهانة إسرائيلية للأردن، ومحاولة للاعتداء على دوره في القدس ورعايته للمقدسات الإسلامية، وهو اعتداء ذو دلالات بالغة ومهمة، خاصة مع صعود اليمين إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بكل ما فيها من تطرف ويمينية ومعاداة للعرب والمسلمين.
للأردن دور خاص ووجود استثنائي في القدس المحتلة، وهذا الدور لا يتوقف عند مستوى الوصاية على المقدسات وعلى المسجد الأقصى ورعايتهما وتقديم الخدمات فيهما، وإنما يتوسع إلى دور تاريخي بالغ الأهمية مزروع في أعماق كل أردني، إذ هناك حول المسجد الأقصى لا يوجد شبر إلا وسالت فيه دماء أردنية، ولا توجد منطقة إلا وتشهد على قوافل الشهداء الأردنيين الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى.
بل إن بعض المؤرخين يُشير إلى أن الأردنيين وحدهم من عرقل سقوط القدس في عام 1948، وأنهم الوحيدون الذي قاتلوا وخاضوا حرباً جدية خلال معارك عام 1948 التي انتهت على أية حال بهزيمة الجيوش العربية وقيام الدولة العبرية، لكنها انتهت بالحيلولة دون سقوط القدس، وظل المسجد الأقصى تحت السيادة الأردنية حتى عام 1967.
الدور التاريخي الأردني، بما في ذلك الرعاية التي يتم تقديمها للمقدسات الإسلامية من قبل الأردن، وعلى نفقة الحكومة الأردنية، اعترفت به إسرائيل في اتفاقية «وادي عربة»، إذ تنص المادة التاسعة من اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية التي تم توقيعها في عام 1994 على ما يلي:
«تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن».
ما حدث إذن مع السفير الأردني بمنعه من دخول المسجد الأقصى (قبل أن تعود سلطات الاحتلال وتسمح له بذلك)، يُشكل انتهاكاً للقانون الدبلوماسي الذي هو جزء من القانون الدولي العام، كما أنه انتهاك لاتفاقية ثنائية مبرمة بين الطرفين ومودعة لدى الأمم المتحدة لتقوم بصيانتها ورعايتها، كما أن السفير يعتبر ممثلاً رسمياً لبلده.
وهو ما يعني في التحليل الأخير أن إسرائيل انتهكت تعهداتها، ووجهت إهانة للأردن ورسالة واضحة مفادها التراجع عن الاعتراف بهذا الدور الأردني.
ثمة دلالة أخرى مهمة لما حدث مع السفير الأردني في القدس وهو، أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا ترغب بتحسين العلاقات مع الأردن، ولا تهدئة التوتر القائم مع الأردن منذ سنوات، بل إنها تتجه إلى التصعيد، وتتعامل مع الأردن على القاعدة نفسها التي تتعامل بها مع الفلسطينيين.
وعليه فإن رد الفعل الأردني على حادثة السفير يجب أن لا تقتصر عند مستوى تقديم الاحتجاج الدبلوماسي، وإن كان الاحتجاج هو أحد الإجراءات الدبلوماسية المعتبرة في العالم، لكن لدى الأردن العديد من الأوراق التي يمكن له أن يضغط بها على الاحتلال، ليس فقط لفرض احترام السفير واحترام هيبته، وإنما أيضاً للاحتجاج على الإجراءات الإسرائيلية العدوانية في القدس المحتلة.
يتوجب على الحكومة الأردنية أن تبحث السير في اتجاه تقديم شكاوى ضد إسرائيل أمام المحاكم الدولية، والأمم المتحدة، والأهم من الشكاوى والقضاء الدولي هو أن الأردن يستطيع معاقبة إسرائيل بالتوقف عن إبرام الصفقات التجارية، بل التوقف عن الاعتماد على الغاز والمياه وغيرهما مما يأتي من دولة الاحتلال.
يجب أن نتذكر بأن الأردن عاش دولة مستقلة وحُرة وعزيزة لعشرات السنين، قبل أن يُبرم اتفاق السلام مع إسرائيل، وقبل أن يقيم أية علاقات مع تل أبيب، وهذا يعني بأنه ليس مضطراً للاتفاقات والمعاملات التي أبرمت مؤخراً مع الاحتلال.
بل إن الأردن كان في وضع اقتصادي أفضل قبل إبرام معاهدة السلام، وأبسط مثال على ذلك أن نسبة البطالة في الأردن كانت دون التسعة في المئة قبل معاهدة السلام، وتتجاوز اليوم 23%، والمؤشرات الأخرى التي تؤكد ذلك كثيرة وحاضرة.
*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: