إنحراف العقيدة الصهيوني

أحمد عزت سليم20 مارس 2020آخر تحديث :
إنحراف العقيدة الصهيونية

إنحراف العقيدة الصهيونية .. أول ما تهدف إليه هذه الخصيصة هو إثبات أن الرب لا يتخلى أبداً مهما حدث عن شعب إسرائيل ومهما فعل ومهما أتى من عصيان وانحراف فى العقيدة بل سرعان ما يندم ويعود ليغفر لشعبه خطاياه ويعقد المواثيق معه التى ينتصر فيها لهم ويعطيهم حقوقاً لا يستحقونها إلا بقدر ما يحبه الإله لهم وما أقسى هذا الحب الذى يتعذب به الحبيب من أجل أن يرضى عنه المحبوب،  ونقرأ فى سفر القضاة (2: 1.-22) أنه أعقب موت يشوع فترة زاع فيها بنو إسرائيل عن الإله واتجهوا نحو عبادة بعل وعشتار،  فسلط الرب عليهم من أذلهم وهنا عادت خراف بنى إسرائيل إلى ربها تدعوه أن يكشف عنها الغمة “فأقام الرب قضاة،  كان الرب مع القاضى وخلصهم من يد أعدائهم كل أيام القاضى،  لأن الرب ندم من أجل أنينهم بسبب مضايقيهم وزاحميهم،  وعند موت القاضى كان يرجعون ويفسدون أكثر من آبائهم بالذهاب وراء آلهة أخرى ليعبدوها ويسجدوا لها، لم يكفوا عن أفعالهم وطريقتهم القاسية،  فحمى غضب الرب على إسرائيل” وسلط عليهم أعداءهم ليمتحنهم بهم، وهكذا تقدم التوراة صورة بشعة لما كان من ارتكاس بنى إسرائيل وانحرافهم الدينى والخلقى بسرعة عجيبة،  الأمر الذى تكرر منهم من قبل مع موسى،  والذى ظل طابعهم المميز (11).

” وفعل بنو إسرائيل الشر فى عينى الرب وعبدوا البعليم وتركوا الرب إله آبائهم الذى أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرب وتركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروت ” … وعند موت القاضى كان يرجعون ويفسدون أكثر .. ” القضاة (2: 11-23) ومن الغريب أن التوراة ترى أن الإله قد تراءى للابان فى الحلم مع أنه وثنى ولم يلحق بيعقوب إلا ليأخذ أصنامه التى سرقتها رحيل ابنته ” وقال له : احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر ” مما جعله آخر الأمر يجنح إلى مسالمته ،  بل ويقطع معه عهد سلام ،  يكون الإله شاهده وإله إبراهيم وآلهة ناحور قاضية فيما شجر بينهم من خلاف فى تنفيذ العهد ” ويعلق الدكتور محمد بيومى مهران على ذلك ويقول : ” ولست أدرى كيف جاز ذلك على كاتبى التوراة وكيف قبلوا أن الله يتراءى للوثنيين فى المنام وكيف قبلوا أن يجمعوا بين إله إبراهيم وآلهة ناحور فى القضاء فى أى خصام يشجر بين لابان ويعقوب ” وهل علم الذين يدعون لهذه النصوص القداسة أن تلك كانت عادة الشعوب الوثنية القديمة … ثم كيف قبل كاتبو التوراة أن يصوروا راحيل وهى سارقة لأصنام أبيها ،  ثم وهى مخادعة له حين خبأت الأصنام فى حداجة الجمل وجلست عليها ،  بل وادعت كذباً على أبيها لأنها لا تستطيع النهوض من مكانها لأنها فى المحيض؟ فهل كانت زوج نبى الله يعقوب وأم ولده يوسف الصديق ـ عليهما السلام ـ ما تزال على الشك وقد مضت على زواجها بيعقوب سنوات عدة ؟ (12) ،  أما داود فلقد سار راقصاً أمام تابوت الرب ،  وقالت له زوجته باحتقار أن تصرفه لا يليق بملك ،  أما الحكيم عاموس فقد عارض بشدة أن يسموه نبياً … ويبدو أن الشعب والأنبياء كانوا جميعاً منحرفين عقائدياً ،  فالشعب كثير وسريع التقلب على الإله وصار الشعب فى فترات لا يعير انتباهه الأنبياء ،  بل صار يحتقرهم ،  ويظهر لنا هذا من خلال الأسئلة التى كان يطرحها سكان جبعة على بعضهم : ” أشاول أيضاً من الأنبياء ” (13) وكما رأينا ضاجع هوشع عاهرة لمدة ثلاث سنوات كى يثبت ليهوذا أنهم بعبادتهم لآلهة غريبة يقدمون على الخطيئة !! وكان موسى ثمرة زواج والده من عمته وطبقاً للقانون العبرى القديم كان هذا الزواج زنا ،  وفسر جيمس فريزر أن طرح الطفل (موسى) فى الماء للتأكد من شرعية هذا الطفل (14) .

وكانت موهبة شمشون بطلهم الذى يعد مفخرة فى تاريخ هذا القضاء الإسرائيلى تتمثل فى إحداث الشغب والعراك وإحراق  مؤن الذرة التى يختزنها الناس ،  وفى كثرة التردد على بيوت الدعارة أى أن شمشون كان يبدو فى شخصيته الطليق الفاجر الخليع أكثر مما يبدو فى شخصية القاضى الكفء الصارم … وكانت فكرة تخليص قومه من العبودية ،  كما يتضح من كل الشواهد آخر ما يتراءى له ،  وعندما كان يقوم بمذبحة للفلسطينيين ـ كما يصورون ـ ،  كما كان يفعل ذلك كثيراً ،  فى تهور بالغ ،  وبارتياح قلبى ،  فإنه لم يكن يفعل هذا بدافع وطنى أو دهاء سياسى ،  وإنما بدافع حقد شخصى صرف يهدف إلى الانتقام من هؤلاء الذين أساءوا له ولزوجته وولدهما ،  فقصته من بدايتها حتى نهايتها هى قصة مغامر أنانى مخادع تحركه ثورات عاطفية جامحة ،  ولا يكترث بشئ سوى إرضاء نزواته الوقتية . ولم يخفف من حدة نذالة هذه الشخصية وابتذالها المألوف سوى تلك القوة الخارقة للعادة،  والبسالة الطائشة،  ونمط مقيت من الفكاهة ،  وقد رفع هذا كله القصة إلى نوع من الملحمة الهزلية من النوع الذى كتبه أريستو (15) ، وأشار النبى هوشع إلى عادة البغاء التى كان يسبغ عليها الصفة الدينية لممارساتها فى ظل الأشجار المقدسة فيقول: “يذبحون على رؤوس الجبال ويبخرون على التلال تحت البلوط واللبنى والبطم لأن ظلها حسن ،  لذلك تزنى بناتكم وتفسق كنانكم . لا أعاقب بناتكم لأنهن يزنين ولا كنانكم لأنهن يفسقن،  لأنهم يعتزلون مع الزانيات ويذبحون مع الناذرات الزنى ” (هوشع 4: 13 وما بعده) … ،  ويشير النبى أرميا فى نغمة انفعالية إلى بنى إسرائيل الآثمين فيقول: “أيضاً فى أذيالك وجد دم نفوس المساكين الأذكياء ،  لا بالنقب وجدته بل على كل هذه ” (أرمياء 2: 35) وهنا يبدو أن دماء الأطفال الذين كانوا يقدمون ضحية، كانت تلطخ بها شجرة البلوط المقدسة ،  والتى كان يمارسون حولها الفجور والفسق (16).

أما أسرة يعقوب فتقدم لنا التوراة عنها صورة لا تحسد عليها فى الإسفاف الجنسى فنقرأ فى التكوين (35: 22) أن رأوبين ـ  بكر إسرائيل وأكبر الأسباط ـ قد انتهك عرض أبيه بأن ضاجع زوجته بلهة وأم أخويه ـ دان ونفتالى ـ، ولم تحدثنا التوراة عما فعل يعقوب (إسرائيل) وبنوه إزاء تلك الجريمة … التى عقابها بنص التوراة القتل ” إذا اضطجع رجل مع إمرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه، أنهما يقتلان كلاهما ،  دمهما عليهما  “وإذا وجد رجل مضطجعاً مع امرأة زوجة بعل يقتل الإثنان الرجل المضطجع مع المرأة، والمرأة،  فتنزع الشر من إسرائيل ” (تثنية :22ـ22) وتفاجئنا التوراة بعد ذلك وفى نفس السفر بأن يهوذا رابع أبناء يعقوب،  والذى يحمل اليهود اسمه، قد زنى بزوجة ابنه ” ثامار” حين نظرها فى الطريق وحسبها زانية، ومع ذلك لم تحدثنا التوراة عن عقاب له أو حتى عتاب وجه إليه، بل أن كل ما فعلته التوراة أنها أظهرت لنا يهوذا فى صورة الرجل المطعون فى شرفه فيأمر بها لتحرق،  وحين تكشف له عن دليل جريمته، بأن تقدم له ما دفعه لها ثمناً لنزوته هذه، الخاتم والعصابة والعصا، فإذا به يعلن “هى أبر منى،  ويعفو عنها،  وكأنه يملك العفو عن الزانيات، فضلاً عن أنه نفسه لم ينله أى سوء، على أن التوراة تنص على قتلهما معاً “إذا اضطجع رجل مع كنته فإنهما يقتلان كلاهما،  قد فعلا فاحشة دمهما عليهما”، وليت كاتب هذه القصص قد اقتصر على ذلك وإنما جعل للجريمة ثمرة هى: فارص وزارح … وأنه من نسل فارص جاء داود ثم المسيح! ثم هى التوراة نفسها التى تمجد أستير على ما ارتضته من أن تكون محظية الملك الفارسى وعشيقته.

وأفردت لها سفراً خاصاً من أسفارها ،  وهو أستير (17) ،  أما داود فيقتل الجندى المحارب المخلص فى سبيل الرب،  فيعتدى على زوجة أوريا الحثى المجاهد فى سبيل الرب بكل ما لديه من إخلاص ،  ويقتله غدراً ثم ينقل الرب عنه خطيئته ويميت الابن ـ الذى لاذنب له ـ المولود سفاحاً من زوجه أوريا وتضيع الجريمة ” فقال ناثان لداود ،  الرب أيضاً نقل عنك خطيئتك ،  ولا تموت غير أنه من أجل أنك قد جعلت بهذا الأمر أعداء الرب يشمتون فالأبن المولود لك يموت ” ولما مات قام وأكل خبزاً !! ثم دخل على زوجة أوريا الحثى بعد أن ضمها فعلاً إلى بيته وولد منها سليمان والرب أحبه !! ورغم كل ذلك يقول داود : ” يكافئنى الرب حسب برى ،  حسب طهارة يدى ” يرد على لأننى حفظت طرق الرب ولم أعصى إلهى،  لأن جميع أحكامه أمامى وفرائضه لا أحيد عنها ” صموئيل (22: 21-22) ،  واعتدى بن داود أمنون على أخته ثامار ،  ويغضب عليه داود ولا يعاقب الجانى، ويقتل ابشالوم أخيه أمنون ثم يغتصب عرش أبيه ،  ثم ينتهك عرض أبيه بمشورة أختيوفل على مرأى من عامة الشعب فنصبوا لأبشالوم خيمة على السطح ودخل أبشالوم على جميع سرارى أبيه أمام جميع إسرائيل ،  ثم قتل إيشالوم وحزن داود عليه حزناً لم يحزنه على الآخرين ،  ولتصير خصيصة نقل الخطيئة خصيصة بنائية تؤسس للجرائم العنصرية ،  فالرب نقل الخطيئة عن داود حتى أنه أمات الطفل البرئ ،  وأصبح داود أمام الرب خالياً من الذنوب مهما فعل، وهكذا شعب إسرائيل،  فالرب يندم على ما يفعله من شر بهم،  هكذا يجمع النص بين كل المتناقض الخير والشر فى ثوب واحد وشخص واحد هو فى النهاية ملك إسرائيل/ شعب إسرائيل/ إله إسرائيل. ولايقف الأمر عند هذا الحد ـ وعلى نحو ماشرح إسرائيل شاحاك ـ  فالكون لا يحكمه إله واحد بل عدة آلهة ففى العديد من أسفار التوراة  إن لم يكن فى معظمها، هناك إقرار واضح بصحة وجود وبقوة آلهة آخرين ولكن يهوه وهو أقوى هذه الآلهة يشعر بغيرة شديدة من منافسيه ويمنع شعبه من عبادتهم.

المراجع:

11) دراسات فى تاريخ الشرق 2 أسرائيل    ص  377

12) نفسه ص  219

13) الأسطورة والحقيقة فى التوراة    ص 281

14) الفلكلور فى العهد القديم    جـ  2  ص 541

15) نفسه ص  544

16) نفسه ص  651

17) دراسات فى تاريخ الشرق 2 أسرائيل    ص  78

موضوعات تهمك:

اللاهوت الصهيوني بين الاحتيال والخداع والتلفيق: تبرير السرقة والنهب

المزاعم العنصرية اللاهوتية الصهيونية

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة