إعادة الحيوية لدحر المشروع الصهيوني
- لماذا لا تبقى الخلافات ضمن تنظيم ديمقراطي تحرري نضالي واحد، يمثل الشعب الفلسطيني بقيادة واحدة منتخبة.
- هناك حاجة لأفكار نضالية سياسية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الظروف والتغيرات الجديدة في الواقعين الفلسطيني والعربي القومي.
بقلم: علي محمد فخرو
يحق للفرد العربي المحب لفلسطين، كجزء من الوطن العربي، المساند لشعب فلسطين، كجزء من أمته العربية، يحق له أن يطرح السؤال التالي:
هل من نهاية للانقسامات والخلافات، وأحياناً الصراعات والاقتتال، في ما بين مختلف الفصائل أو الجماعات السياسية الفلسطينية؟
هذا سؤال طرحه الكثيرون ألوف المرات منذ بداية نكبة فلسطين، واستمر مطروحاً بمحبة وإشفاق عبر السبعين سنة الماضية.
طرح السؤال عندما انقسم الفلسطينيون على أنفسهم في الخمسينيات من القرن الماضي، بين حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي، وطرح عندما انقسموا بين مدرستي لينين وتروتسكي، أو بين النهج الشيوعي الصيني الماوي والنهج الشيوعي السوفييتي الستاليني، وطرح عندما انقسموا بين قوميين ليبراليين عرب وإسلاميين، وطرح عندما انقسموا بين اتباع تراجعات أوسلو ومعارضي نهج أوسلو.
اقرأ/ي أيضا: حل المجلس التشريعي الفلسطيني: عبثٌ، وفوق ذلك هراء!
اليوم يطرح أمام الانقسام بين المتربعين على شؤون غزة والمتربعين على شؤون رام الله وما حولها. وحتى في فلسطين المحتلة من قبل الكيان الصهيوني، وجدت مثل تلك الانقسامات بين الحين والآخر.
لسنا بالطبع ضد وجود تعدد في الأيديولوجيات والمواقف السياسية، فذلك من طبائع الأمور في الحياة السياسية، وفي النضالات الشعبية الوجودية، لكن بشرط وجود موازين وقيم تحكم ووجود خطوط حمر لا يتخطاها أحد وسنتطرق إليها بعد حين.
لكن الواقع الفلسطيني والعربي المرير أظهر بصورة واضحة أن تلك الانقسامات أدت، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى إضعاف النضال التحرري الفلسطيني والعربي ضد الكيان الصهيوني الاستعماري والاستئصالي الإرهابي من جهة، وشجعت من جهة أخرى القوى الاستعمارية الخارجية وذوي النفوس الضعيفة الانتهازية من العرب، إلى النظر إلى المسألة الفلسطينية العربية لا كقضية تحرير لوطن مغتصب وإرجاع لحقوق إنسانية أصيلة لشعب مستعمر مطرود من أرضه، وإنما كقضية خلافات سياسية بين جهتين بشأن أرض وخيرات أرض قابلة للأخذ والعطاء والمساومة والتحكيم الدولي.
اقرأ/ي أيضا: لا التطرف ولا الفساد يضعفان شعبية نتنياهو.. لماذا؟
بصراحة، وبدون أي مجاملة، فأنا من الذين ارتبطت حياتهم منذ بداية مرحلة الشباب بقضية فلسطين المقدسة، لا نستطيع أن نفهم عدم بقاء تلك الانقسامات ضمن تنظيم ديمقراطي تحرري نضالي واحد، ممثل للشعب الفلسطيني برمته، له قيادة واحدة منتخبة من قبل شعب فلسطين في الداخل وفي الشتات.
لا على أسس أيديولوجية وإنما على أساس مشروع تحرري ثوري، له أهدافه الواضحة ووسائل نضاله المختلفة المتعاضدة المتناغمة المتفق عليها. في ذلك التنظيم الجبهوي المتراص الواحد تصدر قرارات واحدة من قبل الأغلبية ويلتزم بها الجميع، حتى المعارضين لها.
بدون ذلك فاننا نعلم من خلال قراءتنا للتاريخ البشري، أن الثورات التحررية التي تنقسم على نفسها، وبسبب الأيديولوجيات والأهداف الكبرى والوسائل النضالية والقيادات العديدة المختلفة والمتصارعة، لا يمكن أن تنجح في تحرير أوطانها، مهما لقيت من دعم ومساندة من خارجها.
النجاح تحسمه قوة الداخل وشموليته وديمقراطيته وتخلصه من كل أنواع العبث والهذيان الطفولي. وقوة الداخل لا تتحقق إلا بإشراك كل فلسطيني في بنائها ورعايتها، وإلا بانغماس كل عربي في دعمها وحمايتها، بل والاستعداد للموت من أجلها.
هكذا كان يجب أن تكون مسيرة الحركة التحررية العروبية لدحر المشروع الصهيوني لا في فلسطين فقط، وإنما في كل بلاد العرب، ومن بعد ذلك في كل العالم.
فالمشروع الصهيوني في فكره الديني المتعالي الأساطيري، لا يمكن أن ينتمي لما هو إنساني قائم على قيم العدالة والحقوق والأخوة الإنسانية.
اقرأ/ي أيضا: صفقة القرن في طي النسيان
اليوم، ونحن نشهد بألم وحرقة بداية انقسام جديد من خلال تناحرات فئوية تخدم الاستعمار الصهيوني أكثر مما تخدم الشعب الفلسطيني وأمته العربية المنصهرة في قضيته الوجودية، نعتقد بضرورة الرجوع إلى أسس النضال الثوري التحرري الفلسطيني لتجاوز أوجاع الماضي.
أولا، العمل، وبالسرعة الفائقة ، لقيام جسم نضالي تحرري واحد يمثل كل شعب فلسطين، في الداخل وفي الشتات، لا على أساس المحاصصات بين الكتل، وإنما التمثيل الانتخابي لمشروع وطني واحد. في هذا الجسم يجب أن يكون هناك تواجد كبير لشباب ونساء الشعب الفلسطيني، وتراجع كبير للوجوه التي أثبتت عجزها عن بناء وقيادة مشروع وطني وقومي تحرري.
ثانيا، تكوين جسم مستقل من المفكرين والمناضلين السياسيين المستقلين الملتزمين لوضع تصور لمشروع سياسي تحريري يتجاوز كل التنازلات الفكرية والسياسية التي تضمنتهــا اتفاقيات أوسلو، ويعود إلى الأسس التي تضمنها ميثاق العمل الوطني الفلسطيني عندما رفع شعار «الوطن والتحرير والعودة والبندقية».
إضافة إلى ذلك ستكون هناك حاجة لأفكار نضالية سياسية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الظروف والتغيرات الجديدة في الواقعين الفلسطيني والعربي القومي.
هذا التصور يجب أن يضع الأهداف والوسائل والتنظيمات والالتزامات الوطنية والقومية، من أجل أن يعرض على الجسم الموحد الذي فصلناه في أولاً.
هذا الجسم وحده، وبأساليب ديمقراطية، هو الذي له الحق في تعديل المشروع المقترح والاتفاق على آليات تنفيذه وعلى وضع مراحل ذلك التنفيذ.
ثالثا، سيحتاج ذلك الجسم لمراجعة كل الارتباطات الخاطئة في خارج الحركة التحررية الفلسطينية، سواء الارتباطات مع هذه الدولة العربية، أو تلك الدولة الإقليمية أو تلك الدولة الغربية، أم سواء الارتباطات بمختلف مؤسسات المجتمع المدني العربي.
سينبري المتحذلقون ليشيروا إلى هذه الصعوبة أو تلك، ليست التفاصيل هي التي تعنينا، وإنما القفزة الكبيرة الضرورية لخروج موضوع الصراع العربي الصهيوني من الجحيم الذي يعيشه والمؤامرات التي تلاحقه إلى رحاب العودة إلى أن يصبح حركة تحررية قوية ملزمة قادرة على دحر الوجود الصهيوني في فلسطين العربية وفي الوطن العربي كله.
المصدر: القدس العربي
عذراً التعليقات مغلقة