- اختبار أساليب تشديد الحصار لم يمنع «مسيرات العودة» واستخدام طائرات ورقية وبالونات حارقة ووإحراجاتها الداخلية لسلطات الاحتلال.
- أي اتفاق تهدئة لا بد أن يلتزم به الطرفان ليستمر لكن إسرائيل لا تتخلى باتفاق أو من دونه عن التدخل العسكري بحجة ضرب ما تعتبره خطراً على أمنها.
- ترفض الفصائل أن يكون سلاحها ونشاطها العسكري موضع مساومة، ولا تقدّم سوى ضمان للتهدئة فالأمر ليس اتفاق سلام بين الطرفين بل هدنة.
- لم يسبق لأميركا وإسرائيل الحرص على المصالحة، بل استغلوا الانقسام لأبعد حد ويشجعون الآن حل مشكلة غزة لتوظيفه في «صفقة القرن».
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
ما إن يُعلن التوصل إلى تهدئة في غزة حتى تغير الطائرات الإسرائيلية أو يتجدد القصف المدفعي والصاروخي على مناطق متفرقة من القطاع.
ولا يعني ذلك سوى استمرار التفاوض بالتراشق الناري؛ لأن في الاتفاق تفاصيل لا يمكن حلها بالحجج التفاوضية، ولا يمكن لـ«الوسيط» المصري أن يذلل عقباتها، ربما لالتزامه مسبقاً بتفاهمات محددة مع الجانب الإسرائيلي.
هذا لا يمنع أن تقول الأطراف جميعا، بما في ذلك حركة «حماس»، أن ثمة تقدّماً يُحرز على طريق الاتفاق الذي يُفترض أن يجمع بين مقترحات مصرية لفترة هدوء مفتوحة وبين خطة الأمم المتحدة لإنشاء مشاريع اقتصادية تنموية تخفيفاً للحصار الإسرائيلي وتحسيناً للوضع المعيشي في غزّة، باعتبار أن تدهوره إلى مستويات خطيرة يغذّي حال التوتر واحتمالات اندلاع حرب جديدة.
على عكس مراحل سابقة كان جيش الاحتلال يتطلع فيها إلى إشعال مواجهة في غزة لتحقيق أهداف عدة، نجد أن هذا الجيش هو الذي يطرح الآن خططاً لتفادي أي عملية واسعة، رغم تهديده المستمر بها وتأكيد جهوزيته لخوضها.
بين الأهداف التي كان يحددها لأي حرب—وكما جرى التعرف إليها—تأكيد إصراره على كسر أي تطوير تنجزه فصائل القطاع لمقاومتها المسلحة، وضرب الروح المعنوية للغزيين، لكن الأهم كان دائماً تجريب الأسلحة الجديدة لدى إسرائيل.
لكن اختبار كل الأساليب مع تشديد الحصار لم يمنع انطلاق «مسيرات العودة» وما أحدثته من تحدٍّ سلمي غير مسبوق ومن إشكالات خارجية لإسرائيل، كما لم تحلْ دون استخدام الطائرات الورقية والبالونات الحارقة وما أثارته من إحراجات داخلية لسلطات الاحتلال.
لذلك اقترح جيشها تخفيف الحصار، عبر تشغيل رصيف بحري في قبرص لتسهيل تدفق البضائع إلى غزة، وأخيراً لم يمانع رغبة مصرية في نقل هذه العملية إلى رصيف في ميناء بورسعيد.
كان الإسرائيليون يبدون موافقة على شروط التهدئة ولا يثيرون سوى شرط واحد هو إنهاء قضية أسراهم في حرب 2014، من دون أن يؤيد متطرفو حكومتهم الإفراج عن أسرى فلسطينيين في عملية تبادل، وإن كانوا سيرضخون في النهاية.
لكن التعقيد الآخر يكمن في أن أي اتفاق تهدئة لا بد أن يُلتزم به من الطرفين إذا أُريد له أن يستمر. غير أن إسرائيل لا يمكن أن تتخلى، باتفاق أو من دونه، عن إمكان التدخل العسكري بحجة ضرب كل ما تعتبره خطراً على أمنها.
في المقابل، ترفض «حماس» والفصائل الأخرى أن يكون سلاحها ونشاطها العسكري موضع مساومة، ولا تقدّم سوى ضمانها للتهدئة (شرط التزام إسرائيلي مماثل)؛ فالأمر لا يتعلق هنا باتفاق سلام بين الطرفين، بل بهدنة يمكن تطويرها.
ثمة فرص وحوافز تُعرض على غزة ويصعب على الفصائل تفويتها، وفي الوقت نفسه تُطرح مسألة المصالحة وإنهاء الانقسام. هنا لا تبدو الأطراف الخارجية متفقة على الهدف، خصوصاً حين يُقال إن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة جزء لا يتجزأ من اتفاق التهدئة.
لم يسبق للأميركيين والإسرائيليين أن حرصوا على المصالحة، بل استغلوا الانقسام إلى أبعد حد. وإذ يشجعون الآن حل مشكلة غزة، فإنهم يسعون إلى توظيف هذا الحل في «صفقة القرن».
لكن «حماس» والفصائل لن تلعب هذه اللعبة حتى لو أُغريت بأن التهدئة المستدامة تشكّل اعترافاً بسلطة الأمر الواقع التي أنشأتها في غزة، لكنها مدركة بأن هذا الاعتراف المراوغ لا هدف له سوى تغطية مخططات «صفقة القرن» لتهميش السلطة وتقطيع أوصال الضفة.
- عبد الوهاب بدرخان كاتب صحفي لبناني
المصدر: صحيفة «العرب» القطرية
مفاتيح: غزة، التهدئة مع إسرائيل، عودة السلطة الفلسطينية، المصالحة الوطنية، «صفقة القرن»، «حماس»، الفصائل الفلسطينية، سلاح المقاومة، تشديد الحصار، «مسيرات العودة»، الطائرات الورقية الحارقة،