مطلوب فحص متجدد لتصنيف التهديد الإيراني في المكان الاول في سلم الأولويات القومي لإسرائيل.
قلق يتصدر الخطاب الإسرائيلي في مسألة النووي الإيراني منذ أكثر من عشرين سنة، فيسرّع إلقاء الرعب علينا أساساً.
ما الذي يوجد في التهديد الإيراني وبخاصة التهديد النووي الإيراني، ما يتسلل جدا الى عمق الحالة النفسية والثقافية لليهودي في إسرائيل؟
في حين انشغلنا بإيران نشأت لدى إسرائيل تهديدات جديدة.. احتمال الانهيار الداخلي الكامن فيها أخطر بعدة اضعاف من التهديد النووي الإيراني!
بات التهديد الإيراني بالنسبة للقيادة والمجتمع الإسرائيلي مهرباً من التصدي لتحديات النهضة القومية رغم المثابرة الإيرانية للوصول لقنبلة نووية.
يندمج السلاح النووي دوماً بمنظومة شاملة من وسائل قتالية وميول استراتيجية. فهذا السلاح بشكل عام له دور شبكة الأمان في مجالات الاحتكاك التقليدية.
* * *
بقلم: غرشون هكوهن
وصل الانشغال بالتهديد النووي الإيراني في تصريحات الزعماء وفي الخطاب الإسرائيلي العام، الاسبوع الماضي، الى الذروة. فحكم آيات الله في طهران عن حق وحقيق يهدد دولة إسرائيل. ولكن يجدر بنا النظر ليس فقط الى احتمال التهديد بحد ذاته، بل أيضا الى المكان الذي يحتل فيه هذا التهديد جدول الاعمال ووعي الهوية لدينا.
في سورة لفنه وردت الآية: “وعليهم يقع الرعب والخوف”. ثمة من يشعرون: “عليهم وليس علينا”. أما نمط القلق الذي يتصدر الخطاب الإسرائيلي في مسألة النووي الإيراني منذ أكثر من عشرين سنة، فيسرع إلقاء الرعب علينا أساساً.
يجدر بنا ان نفحص ما الذي يوجد في التهديد الإيراني وبخاصة التهديد النووي، ما يتسلل جدا الى عمق الحالة النفسية والثقافية لليهودي في دولة إسرائيل.
هذا السؤال يدعو المجتمع الإسرائيلي لينظر داخله في التوترات غير المحلولة المغروسة في الوعي وفي الوعي الباطني لأساس هويته.
ثبتت “حرب الاستقلال” في الوعي الإسرائيلي كحرب وجود بلا جدال. أما الحروب التي جاءت بعدها فلم تحظ بالاجماع ذاته. في مسعى التمييز بين حرب عادلة وحرب غير عادلة انغرس في الإسرائيليين مسلّمة بأن الحرب العادلة هي “حرب اللامفر”؛ الحرب التي نحمي فيها وجودنا.
غير أنه في اختبار نقدي، فإن التمييز بين “حرب المفر” و”حرب اللامفر” لا يجتمع في تبرير يكون موضع خلاف. هنا تكمن القوة المغرية للتهديد النووي الإيراني، الذي يعرض كتهديد وجودي صرف. هذا تهديد سطحي ليس موجهاً ضدنا بسبب “الاحتلال”، وهكذا فانه يضع دولة إسرائيل، بنظرها نفسها على الاقل، في مكانة الضحية.
في التشبيه الفيزيائي يعد النووي الإيراني كتهديد الإبادة المعروف لدينا من اوشفيتس. مثلما في معسكرات الابادة، فان النووي الإيراني أيضا يهدد كل يهودي دون تمييز. للمفارقة، يوحد التهديد اليهود بذات وحدة المصير التي تنشأ حيال تهديد مشترك.
عرض الحاخام سلوبتشيك الهوية اليهودية كهوية مترابطة في عهد مصير وعهد غاية. وسعى مفكرون يهود في العصر الجديد بعد الكارثة واقامة دولة إسرائيل الى اقامة هوية يهودية على اساس غاية مشتركة وليس فقط على اساس مصير كارثي مشترك. في هذه الاثناء، تقصر يد القيادة الإسرائيلية على أجيالها عن توفير هوية إسرائيلية – يهودية على أساس القوة الجامعة لوعي غاية مشتركة، وقد اختارت القيادة الفرار الى البعد الموحد المركز حول القلق الوجودي المشترك. هكذا بنيت الحاجة السياسية لرعب النووي الإيراني.
ليس ملجأ فقط
أي دراسة مهنية لاحتمال التهديد النووي الإيراني على دولة إسرائيل ستبين كم هو مفهوم “التهديد الوجودي” أيضاً ليس مفهوماً لا لبس فيه. فحتى لو وصل الإيرانيون الى القنبلة ستكون امام ناظريهم اعتبارات غير قليلة للامتناع عن استخدامها.
وحتى لو أطلقت القنبلة- لا سمح لله- فالدول لا تختفي خطفاً ولا تنهار بضربة واحدة، ولا حتى في هجوم نووي. كل ما مر على الدولة السورية منذ بدأت الحرب الاهلية يدل كيف ان الدولة يمكنها ان تواصل وجودها حتى عندما تبدو انهارت تماماً. وحتى السيناريو الأفظع، من ناحية عملية يوجد اساس للأمل في ألا يتدهور وضع إسرائيل الى درجة وضع سورية.
في هذا الجانب، فان الهجوم على دولة إسرائيل بسلاح نووي هو بالتأكيد تهديد جدي، ومع ذلك مع كل الثمن الباهظ ستواصل إسرائيل وجودها، وستواصل الرد على الحرب، والانتصار.
قيادة دولة إسرائيل ملزمة بأن تفعل كل شيء في وسعها كي تمنع تحقق التهديد بهجوم نووي، وينبغي تطوير قدرات رد مناسب. ولكن من الجدير لجم قلق الوجود. فالنظر الى القلق سيبين كم هو متعلق قبل كل شيء بنا، بالقصة التي نرويها نحن لانفسنا عن سبب وجودنا كدولة في بلاد الآباء، وكل ما نسعى لنحققه فيها.
منذ بدايتها تأرجحت القصة الصهيونية بين غايتين؛ من جهة الغاية العتيقة لخلاص إسرائيل. ومن جهة اخرى غاية بالحد الادنى لدولة إسرائيل كلمجأ آمن ليهود مضطهدين. على الفجوة بين الغايتين وقف اللواء بني بيلد بتهنئته للعام 2000.
كتب بيلد: “لو كان بوسعي لرغبت في السنة القادمة في أن يشطب من القاموس ومن وعينا تطلع الصهيونية كما عرفه المؤتمر الاول في بازل في 1897 وبقي ساري المفعول حتى يومنا هذا: ‘توفير ملجأ آمن للشعب اليهودي في بلاد إسرائيل’. اريد لهذا التعريف لمجال اقامة اليهودي في حدود معترف بها وآمنة من قبل الراعين والمال أن يشطب، وان يأتي بدلاً منه تعريف يتناسب وفكرة الدولة اليهودية لهرتسل، ألا وهو اقامة دولة يهود في بلاد إسرائيل، من قبل اولئك اليهود الذين ملوا حياة المنفى، وهم مستعدون ليقدموا حياتهم من أجلها”.
النقب قبل طهران
لأولئك الذين لا يرون في دولة إسرائيل اكثر من ملجأ آمن، فان التهديد النووي الإيراني يبعث بالتأكيد على الإحباط. فرغم كل مساعي القرن الاخير لم تنجح الصهيونية إلا باستبدال تهديد وجودي من نوع الجريمة الجماعية في كيشنوف، بتهديد وجودي من نوع قنبلة نووية إيرانية، فلا مناص من السؤال: أفلم يحقق اليهود في بروكلين حلاً أكثر نجاعة؟ الجواب هو لا.
ان النقاش الجوهري في أمن دولة إسرائيل يجب ان يتطور، ولا يمكنه ان يجرى بشكل فني فقط على اساس حسابات المخاطر والتهديدات. النقاش مطالب بنظرة ثاقبة الى اساس الغاية والرؤيا بروح بن غوريون: الأمن ليس هو الاساس بل “خلاص إسرائيل، جمع المنافي، ونهضة قومية”.
في إبعاد الإسرائيليين عن وعي غاية الخلاص، بات التهديد الإيراني بالنسبة للقيادة والمجتمع الإسرائيلي مهرباً من التصدي لتحديات النهضة القومية. رغم المثابرة الإيرانية للوصول الى قنبلة نووية، مطلوب فحص متجدد لتصنيف هذا التهديد في المكان الاول في سلم الأولويات القومي لإسرائيل.
يندمج السلاح النووي دوماً في منظومة شاملة من الوسائل القتالية والميول الاستراتيجية. فهذا السلاح بشكل عام له دور شبكة الأمان في مجالات الاحتكاك التقليدية.
أما التركيز الزائد لحكومات إسرائيل على التهديد النووي على مدى السنين فقد مس بقدر كبير بتركيز الجهد في ساحات اخرى، بما فيها الساحة الداخلية ايضا. ففقدان السيادة الإسرائيلية في النقب وفي الجليل يهدد على المدى البعيد دولة إسرائيل بقدر لا يقل عن التهديد الإيراني.
وفضلا عن ذلك، فمن خلال تركيز جهود الحكومات السياسية على المجال الإيراني نشأ ارتباط واشتراط – حتى وان لم يكن صريحا – بين تأييد الادارة الأميركية لمطالب إسرائيل في الساحة الإيرانية وبين ما هو مطلوب من إسرائيل في الساحة الفلسطينية.
لقد ادى هذا التعلق، ضمن أمور أخرى، الى امتناع متواصل من جانب حكومات إسرائيل عن البناء في القدس في المناطق المفتوحة، مثل عطروت.
في الوقت الذي انشغلنا فيه بإيران، نشأت لدولة إسرائيل تهديدات جديدة. احتمال الانهيار الداخلي الكامن فيها أخطر بعدة اضعاف من التهديد النووي الإيراني.
* غرشون هكوهن خبير استراتيجي إسرائيلي
المصدر| إسرائيل اليوم – ترجمة المصدر السياسي
موضوعات تهمك: