التمسك بالأرض الخيار الوحيد لأهل إدلب بعدما شاهدوا وعاينوا تصرفات عصابة النظام مع من استسلم لها.
شكل الثوار 3 غرف عمليات مشتركة: هجومية ودفاعية وثالثة للهجمات الصاروخية على معاقل الطائفيين.
بقلم: أحمد زيدان
كل المؤشرات المحلية والإقليمية والدولية تشير إلى أن الحشد على إدلب ليس كغيره من الحشود السابقة التي تعرضت لها المدن والبلدات السورية.
فعلى الصعيد المحلي الثوري جمعت إدلب كل الرافضين والناقمين على حكم آل الأسد، مما جعل من المحافظة معقلاً رئيسياً للثورة والناقمين على الحكم الطائفي وسدنته المحتلين، لا سيما وأن تراكمات تاريخية تغذي ذلك كله.
فقد عُرفت إدلب تاريخياً بالمحافظة المتمردة، ففي الخمسينيات كانت مع الناصرية ضد البعث، وخلال السبعينيات والثمانينيات وما بعدهما كانت مع الإخوان ضد الحكم الطائفي.
أما على الصعيد الإقليمي فالواضح أن الحسابات الإيرانية غدت مختلفة عن السابق بعد العقوبات الأميركية التي تنتظرها في نوفمبر، مما جعلها بحاجة أكثر إلى تركيا، من أجل مساعدتها مالياً في فك حصارها المالي والاقتصادي.
لعل هذا ما دفع الإيرانيين للقول إن مسألة إدلب معقدة، ونفس الأمر ينطبق على الأوربيين والأميركيين الذين يخشون من كارثة إنسانية حقيقية تُحرجهم بشكل فاقع أمام العالم كله.
وتدفع بمئات الآلاف- إن لم نقل الملايين- إلى داخل حدود دول «الناتو» وهي تركيا، وبالتالي تنداح قنبلة التشرد واللجوء في داخل أوروبا نفسها، وقد تنداح معها قنبلة العنف والتطرف الذي تخشاه أوروبا.
على ساحة إدلب السورية، من الواضح أن ثمة تطورات غير مسبوقة تتمثل في نضج الثوار وفصائلهم في التعاطي مع بعضهم، وهو ما ظهر واضحاً من خلال تشكيل 3 غرف عمليات مشتركة: الأولى هجومية والثانية دفاعية والثالثة لبحث مسألة الهجمات الصاروخية على معاقل الطائفيين.
في مسعى لردع أي هجوم على المحافظة وما حولها، ينضاف إليه حجم الأنفاق العسكرية التي تم تشييدها خلال الفترة الماضية، ويأتي تحرك بعض الفصائل بضرب الحاضنة العلوية بالصواريخ كرد بالمثل على ضرب الحواضن السنية بالصواريخ والطيران.
ليُضعف أي تحرك هجومي للعصابة الطائفية وسدنتها المحتلين، وهو ما تنبهت له روسيا مباشرة حين طالبت تركيا أخيراً بالضغط على الثوار من أجل وقف هجماتهم الصاروخية على مناطق العصابة الطائفية وهو ما لم يحصل، وإنما تواصل بشراسة وكان آخره استهداف القرداحة نفسها بعدة صواريخ غراد.
تركيا بدأت تشعر بالخذلان من روسيا، فبعد القناعة التركية أن روسيا لن تشارك بهجوم إدلب، ظهر من خلال القصف الجوي الروسي، ومن خلال المجزرة التي ارتكبها الطيران الروسي في جسر الشغور، أن موسكو لم تصدق بالتعهد لتركيا.
لذلك اتجهت الأخيرة نحو واشنطن، وبدا من البيانات المشتركة بين البلدين رفضهما الهجوم على إدلب، كل هذا دفع وزير خارجية العصابة الطائفية في دمشق وليد المعلم إلى تليين مواقفه على ما يبدو مع تركيا، واعتبر أن لها دوراً في سوريا.
من الصعب جداً أن يتم تسليم إدلب بالطريقة التي حصلت مع مدن معارضة أخرى، في ظل ضربة وقائية واستباقية لكل الضفادع والذين قد يظن بهم العمالة مع العصابة الطائفية، وهو ما أغضب الروس والعصابة فشنوا هجماتهم الصاروخية والجوية عليها، رداً على ضرب عملائهم في الشمال المحرر.
والأمر الأخير أن المقيمين على أرض إدلب يدركون تماماً أن خروجهم منها يعني خروجهم من سوريا كلها، وتحولهم إلى موريسكيين جدد، ولذا فإن التمسك بالأرض هو الخيار الوحيد بالنسبة لهم، خصوصاً بعدما شاهدوا وعاينوا بشكل يومي تصرفات العصابة مع من استسلم لها في درعا وحمص والغوطة.
- أحمد زيدان كاتب صحفي وإعلامي سوري.
المصدر: صحيفة «العرب» القطرية