أي نظام تريده أميركا وروسيا في دمشق؟

محرر الرأي20 فبراير 2013آخر تحديث :
uifhwuoflo bfwrhfwjkd 89456

uifhwuoflo bfwrhfwjkd 89456بقلم: جورج سمعان
أن يكرر رموز المعارضة السورية المنضوون في “الائتلاف الوطني” أن باب الحل السياسي لن يفتح إلا بعد تغيير موازين القوى على الأرض يعني اعترافاً صريحاً بالعجز عن جرّ النظام إلى القبول بأي مبادرة للحل السياسي لتنظيم رحيله. وأن يتمسكوا برحيل الرئيس بشار الأسد والحلقة التي تدير المواجهة شرطاً أو موضوعاً لأي حوار يعني رفضهم الجلوس إلى الطاولة لأسباب شتى معروفة، لعل أبرزها رفض المقاتلين على الأرض أي خطوة من هذا النوع. وواضح أن ما يبدل في الميزان هو إمداد “أصدقاء سورية” المجموعات المقاتلة بالعتاد اللازم لترجيح كفتها وتهديد النظام فعلياً.

طلب إمداد المعارضة السياسية والعسكرية بأسباب القوة ليس جديداً. بل هو تعبير آخر عن مطلب “التدخل الخارجي” الذي شتت صفوف المعارضة في بداية الحراك، لكنه كان إقراراً مبكراً بأن التغيير بفعل الداخل بعيد المنال، على ما كانت عليه حال العراق الذي دخلته المعارضة على ظهر الدبابات الأميركية. وهو إقرار تكرره المعارضة يومياً عندما تلح بطلب السلاح النوعي. كان مطلبها عشية المؤتمر الأول الذي عقده “أصدقاء سورية” في تونس قبل نحو سنة تماماً… ولكن من دون جدوى. وما يجيب به “الأصدقاء” قالوه من سنة صراحة. تحدثوا عن “القاعدة” والسلفيين والجهاديين، وتحدثوا عن “اليوم التالي” لسقوط الأسد ومستقبل النظام الجديد ومصير الأقليات… وتركوا أبواب الحل السياسي مفتوحة. وهكذا وقفوا خلف المبادرات العربية حتى طويت صفحتها. ثم اكتفوا – هم وحلفاء دمشق – بالوقوف خلف كوفي أنان حتى اكتفى فاستعفى لينصرف إلى كتابة الفصل الأخير من مذكراته! وهم ينتظرون اليوم مبادرة الأخضر الإبراهيمي، وهو ينتظر تفاهمهم ليبادر!

بات واضحاً أن الأزمة السورية التي تقترب من نهاية عامها الثاني تدور في حلقة مفرغة منذ أكثر من سنة. أي منذ أن أدرك الطرفان المتصارعان استحالة تحقيق أي نصر عسكري يقلب ميزان القوة لمصلحته فيحقق الغلبة. فلا النظام احتفل بالحسم الذي وعد به، متكئاً على امدادات الروس والإيرانيين وحلفائهم في لبنان والعراق بالمال والسلاح والرجال. ولا فصائل المقاتلين استطاعت إقامة مناطق محررة واسعة تشكل لها عمقاً ومنطلقاً. والحرب إلى اليوم كر وفر في معظم الأراضي السورية، من الحدود إلى الحدود. دمشق وحلب وأدلب وحمص وحماه ودير الزور ودرعا و… لم تتحرر من “الاحتلال الأسدي”، ولا جيش النظام و “الشبيحة” قضوا على “جماعات الارهاب” فيها وفي أريافها. الثابت هو أن آلة القتل تمعن في تدمير العمران وتهجير من لم تطاولهم الصواريخ والطائرات والمدافع والمذابح المتنقلة.

والثابت الأهم هو أن النظام ليس قادراً على إدارة حربه من دون الدعم الإقليمي والدولي على كل المستويات، مثلما أن المعارضة أيضاً ليست قادرة على كسر ميزان القوى من دون إمداد اقليمي ودولي، على رغم أن القليل الذي تتلقاه يكفي للقضاء على أوهام النظام بإمكان تحقيق أي انتصار يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. يقود هذا إلى خلاصة واضحة هي أن “المعركة” التي تدور حول مبادرات الحلول السياسية التي يطرحها طرفا الصراع الداخليان تأخذ حيزاً كبيراً من المشهد العام، في حين أن من يرجّح كفة هذه المبادرات هم أولئك الذين يمسكون بمفاتيح القدرة على كسر ميزان القوى الداخلي على الأرض. ألم يكرر وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري أن الرئيس أوباما يفضل الحل السياسي عبر التفاوض بما يؤدي إلى رحيل الأسد؟ ألم يبدِ تفاؤلاً بقيام معادلة لتجد الولايات المتحدة وروسيا “أرضية مشتركة” لإنجاز هذا الحل؟ ألم يجدد وزير الدفاع البريطاني الميل الأوروبي إلى الحل السياسي من دون تدخل خارجي؟ أليس هذا ما يريده حلفاء النظام السوري، وإن اختلفت رؤيتهم إلى الحل؟

ليس سراً أن ما يجري في سورية حرب أهلية تتعمق يومياً. ومن نافل القول إن لا نهاية لمثل هذه الحروب إلا بالتفاوض والحلول السياسية. والمشكلة ليست في رحيل النظام. لقد انتهى منذ أن أطلقت الرصاصة الأولى نحوه. وليست المشكلة في توقيت رحيل رأسه مع الحلقة التي تقود آلة القتل. المشكلة في الساعة “الخارجية” التي لم يزف أوانها. انشغل الكبار نحواً من سنة ونيف بانتخاباتهم ومعاركهم ومعارضاتهم الداخلية، من الرئيس باراك أوباما إلى الرئيس فلاديمير بوتين إلى فرنسوا هولاند. ابتعدوا وغابوا. وعندما استقروا في كراسيهم شغلتهم مآلات التغيير الذي حمله “الربيع العربي”. وهم بلا شك يعيدون النظر في مواقفهم من هذا “الربيع”. لذلك تأخر ويتأخر انخراطهم الجدي لإيجاد حل لأزمة سورية.

روسيا توجست من صعود الإسلام السياسي منذ البدايات، مثلما توجست من التدخل الخارجي وتكرار تجربة ليبيا. ولم تتورع بعض دوائرها عن اتهام الغرب بأنه يقف وراء هذا التغيير. والغرب الذي رحب بإطاحة الأنظمة الديكتاتورية معللاً النفس بالديموقراطية ولو على أيدي “الإسلام المعتدل”، هاله ما يحدث في تونس ومصر حيث تنذر الأوضاع بصعود “ديكتاتورية أشد وأفظع”. وهاله ما حدث في ليبيا التي تشظت ترسانتها فهددت المصالح الحيوية لفرنسا خصوصاً وأوروبا عموماً في النيجر حيث اليورانيوم وجزائر الغاز والنفط. هذا من دون الحديث عن موجة العداء للأميركيين التي تجلت في مناسبات عدة لم يكن آخرها مقتل سفيرها في بنغازي والهجوم على منشأة نفطية جزائرية ومهاجمة بعثات ديبلوماسية هنا وهناك.

هذه التطورات في بلدان “الربيع العربي” دفعت الأميركيين والأوروبيين إلى وقف اندفاعتهم والتروي وإعادة النظر والحسابات. وهو ما تجلى في تصاعد مخاوفهم ليس من “جبهة النصرة” فحسب، بل من كل حركات الإسلام السياسي. وشاركهم في هذه المخاوف بعض العرب الذين بدأ يقلقهم صعود “الإخوان” وممارساتهم في الحكم وتنامي نفوذ السلفيين والجهاديين. وهو ما يدفع إلى التردد في إمداد المعارضة السورية بالسلاح الفعال. لذلك عندما تنادي واشنطن وشريكاتُها هذه المعارضةَ بطرح برنامجها السياسي بالتفصيل، من صيغة الحكم إلى هوية الدولة ودستورها ومستقبل كل المكونات ودورها، تكون كمن يطلب من هذه المعارضة أن تصل إلى البرنامج الذي تريده هي، أي واشنطن نفسها. وهو ما تريده موسكو أيضاً، وإن بعناصر مختلفة.

لذلك ليس مطلوباً أن يتوافق السوريون على “دستور محاصصة” على طريقة اللبنانيين والعراقيين فحسب والتي تنذر بتجديد حروبهم. قد لا يكون ذلك كافياً أو إيذاناً بقرب الحل. المطلوب أن تتوافر صيغة “محاصصة” أميركية – روسية، وعربية – إيرانية. والتوافق على مثل هذه الصيغة الدولية – الإقليمية على النظام البديل في دمشق يعني بداية التوافق على نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط. ولا تشير الوقائع إلى قرب هذا التوافق، قبل أن تنجلي تداعيات ما يحدث في تونس ومصر، وما يحدث في ليبيا ومحيطها الصحراوي الكبير، وما سيؤول إليه الملف النووي الإيراني، وأجندة الحوار الأميركي – الإيراني، وحتى مستقبل الحوار الوطني في اليمن الذي تتوقف عليه وحدة هذا البلد… فضلاً عن مستقبل القضية الفلسطينية، ودور إسرائيل وعقيدتها السياسية والعسكرية الجديدة التي فرضتها وتفرضها تداعيات “الربيع العربي” وصعود المتطرفين على ضفتي الصراع.

وليس مبالغةً أن المواجهة المفتوحة بين الكبار في الشرق الأوسط الواسع هي جزء من المعركة الكبرى في شرق آسيا وآسيا الوسطى ومعظم الدول المجاورة للصين وروسيا. لذلك قدمت إدارة أوباما منطقة المحيط الهادئ وبحر الصين بنداً أوّل في أجندتها السياسية والعسكرية، وأخّرت الشرق الأوسط إلى مقام آخر من دون أن تهمله. وقد يشي هذا بأن التوافق في المنطقة العربية وعليها قد يتأخر إلى حين جلاء غبار المواجهة الواسعة شرق القارة… إلا إذا كان قدر هذه المنطقة أن يعاد تقسيمها جوائز في الطريق نحو الصفقة الشاملة بين الكبار… انطلاقاً من سورية! فهل المجتمع الدولي الذي حج إلى اليمن قبل أيام لتأكيد تمسكه بوحدة هذا البلد مخافة تشظيه على شواطئ النفط وبحوره وممراته، سيغض الطرف عن إعادة تقسيم بلاد الشام وما تلقيه من شرارات نحو الجزيرة جنوباً وتركيا شمالاً؟

مطلوب بإلحاح أن تضع المعارضة السورية تصورها للمستقبل، وأن تضع رؤيتها أو مبادرتها للحل السياسي، ليس من أجل أن تغرق مجدداً في الخلافات الجانبية، بل استعداداً للساعة التي تقترب. ذلك أن المأساة الانسانية المتفاقمة ستفرض توقيتها على الجميع وستضع نفسها عاجلاً بنداً أوّل… واستعداداً أيضاً لمواجهة ما قد تعدّه واشنطن وموسكو من نظام لدمشق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة