أين وصلت جهود إزاحة الدولار كعملة ارتكاز دولية أولى؟
أصبحت إدارة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب “مُدمنة” على فرض العُقوبات على الدول التي لا ترضخ لإملاءاتِها، كبيرةً كانت مِثل الصين وروسيا، أو متوسّطة مِثل إيران، أو صغيرة لبنان (حزب الله) وقِطاع غزّة (حركة حماس)، ولكن هذه العُقوبات أثرت بالسلب ليس على الاقتِصاد الأمريكيّ فحسب، وإنّما بإنهاء تدريجيّ لهيمنة الدّولار كوحدة قياس للعُملات العالميّة من حيث تحديد سِعرها، والعمود الفقريّ لمُعظم التبادلات الجارية عالميًّا.
المحتويات
ترامب يهدد العالم
وكان الرئيس ترامب قد تعهّد في حملته الانتخابيّة الرئاسيّة عام 2016 أن يُعيد “العظمة” لأمريكا، واتّباع سياسة “حمائيّة” وإشعال فتيل الحروب التجاريّة مع الصين وروسيا والاتّحاد الأوروبي، الأمر الذي وحّد جميع هذه الدّول ضِد هدفٍ واحدٍ مُعلنٍ وهو إنهاء الهيمنة الاقتصاديّة الأمريكيّة والبحث عن عُملاتٍ بديلةٍ للدّولار.
بداية هيمنة الدولار الأمريكي
بدأت هيمنة الدولار الأمريكي في مؤتمر “بريتون وودز” الشهير الذي انعَقد عام 1944 بحُضور الدول المُنتصرة في الحرب العالميّة الثانية بقيادة أمريكا وبحُضور 44 دولة أخرى، وجرى اعتِماد الدولار عملة أمريكا، الدولة المستقرة القويّة اقتصاديًّا، والتي تملك 75 بالمئة من احتِياطات الذهب في العالم في حينها، الأساس في تحديد قيمة العُملات الأُخرى، وأسعار الذهب (32 دولار للوقية)، ولكن الرئيس الأمريكيّ ريتشارد نيكسون اتّخذ قرارًا عام 1973 بفك ارتِباط الدولار بالذهب.
وباتت الحُكومات الأمريكيّة تطبع الكميّات التي تُريد لمُواجهة أقساط ديونها والأزمات الاقتصاديّة (تبلغ فوائد الديون الامريكية حاليًّا أكثر من تريليون دولار سنويًّا).
القوة الأمريكية الحقيقية
القُوّة الأمريكيّة الحقيقية تأتي من هيمنة عُملتها على اقتصاديّات العالم بأسره، وليس من القُوّة العسكريّة مثلما يعتقد الكثيرون، وإن كان لا يجب التّقليل من أهميّة الأخيرة، فهُناك قِوى عُظمى باتت تملك رؤوسًا نوويّةً وصواريخ باليستيّة، تفوق مجتمعة الترسانة النوويّة الأمريكيّة، ونحن نتحدّث هُنا عن روسيا والصين، وحتى كوريا الشماليّة التي باتت تُشكّل بزِرّها النوويّ “الصّغير” تهديدًا لأمريكا.
إذا كان الرئيس ترامب قدّم خدمات جليلة للبشريّة من جرّاء سياساته المُتهوّرة، وحروبه التجاريّة، وحِصاراته الاقتصاديّة، فإنّ أبرزها إظهاره خُطورة هيمنة الدولار على اقتصاديّات العالم وأمنه واستقراره، وتوحيد القوى العُظمى المُوازية بقِيادة روسيا والصين لإنهاء هذه الهيمنة بأسرعِ وقتٍ مُمكنٍ.
إيران تلجأ إلى البيتكوين
كما لجأت إيران إلى العُملة الافتراضيّة “البيتكوين” لمُواجهة الحِصار الأمريكي الخانق، وتمنّت كتائب عز الدين القسّام الذّراع العسكري لحركة “حماس” على حُلفائها وأصدقائها التبرّع لها بالعُملة نفسها لكسر الحِصارين الإسرائيليّ والعربيّ المَفروضَين عليها، والحِصار العربيّ يشمل سلطة رام الله أيضًا.
موقف الصين
في البداية، قررت الصين ابتِداءً من العام الجديد شراء مُعظم احتياجاتها من الطاقة (النفط والغاز) بعملتها المحليّة “اليوان” خاصَّةً من إيران، وجعلت روسيا من عُملتها المحليّة الروبل، أو عُملات شُركائها التّجاريين مثل تركيا والهند، البديل للدّولار في جميع المُعاملات التجاريّة، في خطوة رئيسيّة للالتِفاف على العُقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة، الأمر الذي أدّى إلى فشلها، وأبرزها ضِد إيران، بالإضافة إلى تهديدات ترامب بتدمير الاقتصاد والليرة التركيّة.
ونشرت تلك البيانات وزارة الخِزانة الأمريكيّة في نهاية (نوفمبر) الماضي؛ حيث أظهَرت أنّ الصين – أكبر دائن لأمريكا – وروسيا خفّضتا حيازتهما من السّندات الأمريكيّة، وفعّلت المملكة العربيّة السعوديّة الشّيء نفسه، وغادرت قائمة أكبر عشر دول حائِزة عليها.
تأثير انهيار الدولار على المنطقة العربية
انهِيار الدولار الأمريكيّ، وسُقوطه من عرش الهيمنة الاقتصاديّة سينزل بردًا وسلامًا على قُلوب وصُدور كُل الشّعوب المقهورة سواء في الشرق الأوسط، أو إفريقيا، أو أمريكا الجنوبيّة، التي عانَت وتُعاني مِن الحِصارات وأساليب الابتِزاز الأمريكيّة.
لا يُمكِن أن ننسى في هذه العُجالة الزّعماء العرب الذين طالبوا باعتِماد سلّة من العُملات لتسعير برميل النّفط وإنهاء هيمنة الدولار مثل الرئيس هواري بومدين، وصدام حسين، ومحمد مصدق (إيران)، والعقيد معمر القذافي، الذي رصد ما قيمته 300 مليار دولار لصك الدينار الإفريقيّ، وكذلك هوغو شافيز، ملك الفُقراء في أمريكا الجنوبيّة والعالم، وأنّ هؤلاء كانوا روّادًا، وضحّوا بحياتهم من أجل هذا الهدف، أيّ إنهاء خطر “الدولار”، الذي تنبّهت إليه روسيا والصين ودول الاتّحاد الأوروبيّ الآن.
عذراً التعليقات مغلقة