المحتويات
أوهام خمسة عن «صفقة القرن»
- يهدف ترامب من وراء “صفقة القرن” أرضاء 50 مليون ناخب من أنصاره من البروتستانت المتصهينين.
- قد يرغب حكام العرب بتصفية قضية فلسطين! لكنهم لن ينجحوا في إقناع شعوبهم أن «الاحتلال ليس هو أصل القضية».
- يطالب كوشنر بنسيان المبادرة العربية، ويقول «لو كانت مبادرة السلام العربية وصفة جيدة لكان السلام قد تحقق منذ عشر سنوات».
* * *
بقلم | محمد المنشاوي
حضرت الأسبوع الماضى فاعليات المؤتمر السنوى لمركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والذى شهد لقاء غير تقليدى أجاب فيه جاريد كوشنر على أسئلة مختلفة وجهها له مدير المركز روبرت ساتلوف. ويُعرف عن مركز واشنطن قربه الشديد من منظمة “إيباك”، كبرى منظمات اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة.
رغم ما ادعاه كوشنر من «الحفاظ الصارم على سرية بنود صفقة القرن»، فإن الكثير من التحليلات والتقارير خرجت لتبشرنا بما تتضمنه ولا تتضمنه هذه الصفقة التى يأمل البعض فى واشنطن أن تنهى الصراع العربى الإسرائيلى.
وكان الرئيس ترامب قد تعهد بعد أسبوع واحد من فوزه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر 2016، بتحقيق السلام بالشرق الأوسط قائلا:
«هذه هى صفقة القرن، وأنا كصانع صفقات، أود أن أعقد هذه الصفقة التى صعبت على الجميع من قبل، وأود أن أنجز هذه الصفقة من أجل البشرية جمعاء». ومن خلال رصد مواقف وسياسات إدارة ترامب حول قضايا الصراع، أعرض هنا لأوهام خمسة متداولة حول ما يطلق عليه صفقة القرن.
الوهم الأول: تفاصيل الصفقة سرية ولا يعرفها أحد
رغم عدم الإعلان الرسمى عن الصفقة بعد، اتخذت إدارة ترامب قرارات تعكس رؤية ترامب لمبادئ وأسس صفقة القرن. ففى ديسمبر 2017 أعترف الرئيس ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ثم تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس فى مايو الماضي، وكرر ترامب أن القدس هى العاصمة الأبدية الموحدة للشعب اليهودى.
ثم قامت إدارة ترامب بوقف تجديد عمل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية وممثلها فى واشنطن، ثم أوقفت دعمها المالى لعدد من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة مثل أونروا المعنية بشئون اللاجئين الفلسطينيين.
ولم يقم ترامب بانتقاد استمرار عمليات الاستيطان الإسرائيلى غير الشرعية فى الضفة الغربية، بل خرجت تقارير تشير لاستعداد إدارته للاعتراف بأى ضم لأراضى من الضفة الغربية من قِبل حكمة نتانياهو على غرار اعترافه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
إضافة لذلك لم يذكر كوشنر أى شىء عن حق الفلسطينيين فى دولة حرة مستقلة. ويمثل ما سبق بنودا مهمة فى أى صفقة قرن قادمة.
الوهم الثاني: الصراع يحتاج منظورًا جديد للسلام
اختار كوشنر وترامب حتى الآن ألا يتطرقا إلى قضايا التفاوض الخمسة (الحدود والأمن واللاجئين والقدس والاعتراف المتبادل) والتى بسببها فشلت جهود الإدارات السابقة فى حل الصراع.
يقول كوشنر إنه «ولفترة طويلة لم يكن هناك أفكار جيدة أو أى اختراق لحل القضية، وأصبحت مستعصية، نحن نعمل على العثور على حل، والتحرك إلى الأمام، ونرى أنها خطة واقعية ويمكن تنفيذها».
ويضيف كوشنر «أذكر أول مرة جلست مع المفاوضين من الطرفين، سألتهم ما هى النتيجة التى يمكن أن تقبلها ويقبلها الطرف الآخر، الفلسطينيون قالوا العودة إلى حدود 1967، طلبت منهم عدم النظر إلى الوراء، فنحن فى عام 2017».
هكذا تسخر إدارة ترامب من مبدأ الأرض مقابل السلام، وتفضل أن تبدأ بالتركز على تحسين معيشة الفلسطينيين، و«الأشياء المهمة التى تهم حياة الناس». ويهدف كذلك كوشنر أن تكون الصفقة مدخلا مناسبا لتطبيع علاقات دول الخليج وإسرائيل.
الوهم الثالث: الهجوم على الفلسطينيين سيجعلهم يقبلون الصفقة
تتهم إدارة ترامب الفلسطينيين برفض الصفقة قبل إطلاعهم عليها، ويريد كوشنر أن يتجاهل الجانب الفلسطينى كل ما قامت به إدارة ترامب حتى الآن. ولم يشر كوشنر من بعيد أو قريب للاحتلال أو حق الفلسطينيين فى دولة مستقلة.
واختار كوشنر اللعب بتقديم الوعود بتحسن الظروف المادية والاقتصادية والمعيشية للفلسطينيين، دون أن يتطرق لحقوقهم السياسية المشروعة. يتخيل كوشنر أنه يمكن عن طريق الإغراء بالمساعدات المالية الاقتصادية أن يقبل الفلسطينيين بعرض ترامب الذى يتضمن كذلك فرص استثمارية وبنى تحتية تحسن من مستوى المعيشة.
من ناحية أخرى لا يترك كوشنر فرصة إلا ويهاجم الجانب الفلسطينى متهما السلطة الفلسطينية بسوء الإدارة، وغياب الشفافية وتفشى الفساد وغياب سيادة القانون. ويؤمن كوشنر كذلك أن «الفلسطينيين هم أكثر من تلقوا مساعدات فى التاريخ» ويتجاهل أسباب هذه المآسى الفلسطينية المتمثلة بالأساس فى استمرار الاحتلال لأكثر من سبعة عقود.
الوهم الرابع: مصداقية فريق التفاوض الأمريكى وحياده
تظهر هوية فريق ترامب المشرف على ملف «صفقة القرن» نية واضحة للحفاظ عل ولاء قاعدته الانتخابية من المسيحيين الايفانجليكال. أساس الفريق ثلاثة رجال من اليهود المتدينين وهم يعبرون بلا خجل عن مصالح إسرائيلية بحتة، ونية واضحة للدخول بعلاقات واشنطن بإسرائيل منعطفا جديدا يتخطى كل ما سبقه من تحالف خاص لا مثيل له بين الدول.
ديفيد فريدمان، محام يهودى متشدد من نيويورك أصبح السفير بإسرائيل، جيسون جرينبلات، محام يهودى (شديد التدين) وهو المشرف على ملفات التفاوض، إضافة لكوشنر ذاته، اليهودى الأرثوذكسى الذى تساهم أموال عالته فى بناء مستوطنات غير شرعية فى الضفة الغربية منذ سنوات.
كما تم توفير الدعم والتشجيع لهذا الفريق اعتمادا على أكثر أنصار إسرائيل تطرفا داخل الولايات المتحدة متمثلا فى الملياردير شيلدون أديلسون وغيره.
ويهدف ترامب من وراء فرض الصفقة أرضاء تيار من أنصاره (يقدرهم البعض بأكثر من 50 مليون ناخب) من البروتستانت المتصهينين.
وهو تيار يعتقد أن أصل الصراع وقلب المشكلة يتمثل فى عدم الاعتراف الفلسطينى بإسرائيل دولة يهودية مستقلة (من أهم سياسييها حاليا نائب الرئيس مايك بنس) وتؤمن كذلك بضرورة عودة الشعب اليهودى إلى أرضه الموعودة فى فلسطين، كل فلسطين، وإقامة كيان يهودى فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح.
الوهم الخامس: العرب لا يهتمون بفلسطين ولا يملكون رفض الصفقة
يتوقع كوشنر أن بعض الدول العربية إما ستقف فى وجه الفلسطينيين أو ستقوم بالضغط عليهم وعلى أبو مازن من أجل أن يجلس ويتفاوض مع الأمريكيين.
ويؤمن كوشنر أن الأردن ودول الخليج ستدعم ما يعرضه ترامب وتضغط على الفلسطينيين للقبول به كنتيجة طبيعية لحماية واشنطن لبعضهم وتستر ترامب على سلوك بعض من حكامهم.
ويطالب كوشنر بنسيان المبادرة العربية، ويقول «لو كانت مبادرة السلام العربية وصفة جيدة لكان السلام قد تحقق منذ عشر سنوات».
وقد يرغب بعض حكام العرب فى تصفية قضية فلسطين! لكنهم لن ينجحوا فى استراتيجية إقناع شعوبهم أن «الاحتلال ليس هو أصل القضية» طالما بقى هناك شعب فلسطينى يقاوم فى سبيل حريته وحقوقه.
* محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن.
المصدر | الشروق المصرية
موضوعات تهمك:
عن فلسطين وهزيمة العرب التي تمهد لـ”صفقة القرن”
عذراً التعليقات مغلقة