هل يشهد الشتاء المقبل زيارة قادة أوروبا لموسكو للقاء بوتين، تكفيرا عن مشهد زياراتهم لزيلنسكي في كييف؟ أم أن ذلك لا زال بعيد المنال؟
أُعلن وزيرا النفط في روسيا والسعودية “ملتزمتان بشدة” بأهداف إنتاج النفط الخام التي يتم تحديدها من قبل منظمة البلدان المصدرة للنفط وشركائها (أوبك+).
تصريحات أوروبية حول إيران، وتحركات فرنسية تجاه السعودية وأخرى ألمانية وهنغارية نحو روسيا تؤكد أن أوروبا صنعت درجات السلم اللازم للنزول عن الشجرة.
خيبات أمل أوروبية وأمريكية بإمكانية زيادة إنتاج وإمدادات الطاقة وخفض أسعارها بشرت أوروبا بشتاء قاسٍ وتضخم وركود وخسارة انتخابية للديموقراطيين بأمريكا.
كتب بوريل أن الوقت حان لتوقيع اتفاق نووي مع إيران وعدد مبرراته ومنافعه لدرجة ولم يبقَ إلا أن يذكر الفوائد المتحققة من الاتفاق النووي على البيئة وثقب الأوزون.
فرنسا أمام خيارات معقدة، ولا يمكنها الاستمرار في التدفئة والتنقل، كما لو أن شيئا لم يحدث.. تم وضع الموازنة العامة بحالة تأهب بعد أن تسبب الضغط على الطاقة في زيادة عبء الديون 12 مليار يورو.
* * *
بقلم: حازم عياد
وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلباً إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمساعدة أوروبا في استبدال النفط والغاز الروسيين، خلال مأدبة عشاء فردية جمعتهما في القصر الرئاسي بباريس مساء الخميس الموافق 29 تموز /يوليو الحالي.
الجواب على الطلب الفرنسي لم يتأخر؛ إذ جاء في صيغة اجتماع ضم كلاً من نائب رئيس الحكومة الروسية ألكسندر نوفاك، ووزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، أُعلن فيه أن كلاً من روسيا والمملكة العربية السعودية “ملتزمتان بشدة” بأهداف إنتاج النفط الخام التي يتم تحديدها من قبل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك+)، فالطلب الفرنسي للرياض يتطلب مأدبة عشاء مماثلة مع بوتين.
فلقاء الأمير عبد العزيز بن سلمان مع نوفاك أكد الحاجة لموافقة روسية؛ إذ استبق اجتماع أوبك+ المقرر عقده يوم الأربعاء القادم الموافق 3 أغسطس، حيث ستنظر المجموعة (أوبك+) في إمكانية زيادة إنتاجها من النفط في ظل تقييم الأوضاع الحالية للسوق.
خيبات الأمل الأوروبية، ومن قبلها الأمريكية، بإمكانية خفض أسعار النفط عبر زيادة إنتاج وإمدادات الطاقة؛ بشرت أوروبا بشتاء قاسٍ، يظلله التضخم والركود، وخسارة مرتقبة للحزب الديموقراطي للأغلبية بمجلس النواب الأمريكي، مهدداً بعودة العلاقة الأوروبية الأمريكية إلى نقطة الصفر التي بدأت منها عشية خسارة الرئيس ترامب لمنصب الرئاسة، وخسارة الجمهوريين للأغلبية في مجلس النواب.
ظلمات بعضها فوق بعض؛ دفعت مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لكتابة مقال نشرت في صحيفة الفاينانشال تايمز، قال فيها إن الوقت قد حان لتوقيع اتفاق نووي مع إيران؛ مقدما الكثير من المبررات والمنافع لدرجة أنه لم يبقَ أمامه إلا أن يذكر الفوائد المتحققة من الاتفاق النووي مع إيران على البيئة وثقب الأوزون.
الأمر لم يقتصر على مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، إذ أفادت مجلة “دير شبيغل” الالمانية بأن المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر وصل إلى موسكو الثلاثاء الفائت، ووفقا للمصادر فإن الموضوع الرئيس للمفاوضات في العاصمة الروسية إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب “السيل الشمالي-1” (خط أنابيب من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع البلطيق).
صحيفة “ويست فرانس” الفرنسية، من جهتها نقلت يوم الأحد الموافق 10 تموز/يوليو الحالي، تحذير وزير المالية الفرنسي برونو لوماير من تداعيات أزمة الطاقة على الفرنسيين خلال الشتاء القادم، بقوله:
“إننا أمام خيارات معقدة، فنحن لا يمكننا الاستمرار في تدفئة أنفسنا والتنقل، كما لو أن شيئا لم يحدث”، مؤكداً خلال مؤتمر صحفي بمناسبة الاجتماعات الاقتصادية في “إكس إن بروفانس” أنه تم وضع الموازنة العامة في حالة تأهب بعد “أن تسبب الضغط على الطاقة في زيادة عبء الديون بقيمة 12 مليار يورو”.
أوروبا في حالة يرثى لها، لكن الغرور والكبرياء يمنعها من الاعتراف بذلك، علما بأنه يدفعها لفعل ذلك سراً، فاستقالة ماريو دراغي رئيس وزراء إيطاليا، وما تبعها من اتهامات لليمين الإيطالي بالتعاون مع روسيا للإطاحة برئيس الوزراء، واتهامات دول الاتحاد لرئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان بخيانتها، واتهامها إياه بالاستعداد لاتخاذ الخطوات الأولى نحو تطبيع العلاقات مع روسيا، بعد مناشدته الرئيس الروسي بوتين زيادة امدادات الطاقة لبلاده واستئنافه العمل بمشروع بناء محطة نووية مستعينا بشركة روس اتوم الروسية؛ وضع أوروبا على شفير الانقسام والانهيار بين مؤيد ومعارض للتطبيع مع موسكو، سواء على مستوى الدول كهنغاريا، أو الاحزاب السياسية كما هو الحال في إيطاليا.
ختاماً.. هل يشهد الشتاء المقبل زيارة قادة ورؤساء أوروبا لموسكو للقاء فلاديمير بوتين، تكفيرا عن مشهد زياراتهم لفلودومير زيلنسكي في كييف؟ أم أن ذلك لا زال بعيد المنال؟
سؤال أجابت عنه تصريحات مفوض السياسة الخارجية الأوروبية بوريل حول إيران، والتحركات الفرنسية تجاه السعودية، وتحركات ألمانيا وهنغاريا نحو روسيا؛ تحركات تؤكد أن أوروبا صنعت درجات السلم اللازمة استعدادا للنزول عن الشجرة.
* حازم عياد كاتب وباحث سياسي
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: