بعد أيام تدخل إدارة بايدن العام الجديد وهي في وضع “مرتاح” نسبياً أكثر من المتوقع، ولو أن رصيد الرئيس ما زال أقل من 45%.
اللافت أن يتحدث بوتين عن استعداد للتفاوض، وأن يدعو وزير خارجية أوكرانيا لمفاوضات “في فبراير المقبل برعاية الأمم المتحدة”.
تحديات 2023 خارجية بالدرجة الأولى، وكانت محور اهتمام واشنطن مؤخرا رغم انشغالات محلية وترامبية كبيرة واحتمال إحالة ترامب لمحاكمة جزائية.
معظم استحقاقات 2022 سارت لصالح إدارة بايدن فمررت مشاريع أجندتها بالكونغرس والانتخابات النصفية وابتعاد الركود وبدء هبوط التضخم وبقاء البطالة بحدها الأدني.
ملفات أوكرانيا والصين وإيران بقيت في الواجهة، خاصة الأولى، لكونها محفوفة بمخاطر مصيرية وسط وضع دولي مأزوم يعاني “فراغ قيادي يثير المخاوف من الأخطار التي قد تهدد الحضارة”.
* * *
بعد أيام تدخل إدارة بايدن العام الجديد وهي في وضع “مرتاح” نسبياً أكثر من المتوقع، ولو أن رصيد الرئيس ما زال أقل من 45%.
معظم استحقاقات وتحديات 2022 جرت وسارت لصالح إدارة بايدن، من تمرير بعض مشاريع أجندتها في الكونغرس إلى الانتخابات النصفية، وابتعاد الركود حتى الآن، مع بدايات هبوط التضخم ولو ببطء، وبقاء البطالة في أدني حدودها.
شروط يفترض أن تسهل على البيت الأبيض عبور العام المقبل بأقل الخسائر، وأن تعزز حظ حزب الرئيس الديمقراطي في معركة 2024 الرئاسية التي تبدأ ترشيحاتها في التبلور مع أواخر الربيع المقبل.
لكن التحديات في 2023 خارجية بالدرجة الأولى، وكانت محور الاهتمام في واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة، على الرغم من الانشغالات المحلية الكبيرة، والترامبية منها بشكل خاص، في ضوء احتمال إحالة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى المحاكمة الجزائية.
لكن ملفات أوكرانيا والصين وإيران بقيت في الواجهة، خاصة الأولى، لكونها محفوفة بمخاطر مصيرية وسط وضع دولي مأزوم يعاني من “فراغ قيادي يثير المخاوف من الأخطار التي قد تهدد الحضارة”، على حد تعبير وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر.
كما نسب إليه قوله، أخيراً، وهو يشير ضمناً إلى احتمال نزول السلاح النووي إلى ساحة الحرب الأوكرانية. فمنذ تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذا الخيار بقيت المخاوف منه تتأرجح بين هبة باردة وهبة ساخنة.
من جهة كان الاعتقاد بأن الكرملين يهدد بشكل أو بآخر بهذه الورقة كتعبير عن العقيدة العسكرية الروسية القائلة “بالتصعيد كوسيلة لخفض التصعيد”. وبذلك فكلامه تهويل لأنه لا يقوى على اللعب بهذه النار.
في المقابل، كانت هناك تحذيرات تدعو إلى ضرورة “أخذ تهديد بوتين على محمل الجدّ”، حسب مسؤول مكتب مدير وكالة الاستخبارات الوطنية، أفريل هاينس، في إفادتها آنذاك أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب. الاعتقاد كان أنه لا يجوز استبعاد هذا الاحتمال لو جرى “حشر بوتين في الزاوية”، ووجد أن البديل “هزيمة وإهانة” لروسيا.
هذا التصور عاد وانتعش في الآونة الأخيرة، في ضوء التعثر الروسي الميداني والمرشح للتفاقم بعد تسلم أوكرانيا المزيد من “السلاح الأميركي المتقدم” الذي طلب الرئيس فولوديمير زيلينسكي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن بأن يشمل منظومة صواريخ باتريوت. بايدن بدا غير موافق عليها من باب اعتبارها “عملا عسكريا” ضد موسكو، والبنتاغون متحفظ جداً في هذا الخصوص.
لكن سبق ورفضت واشنطن تلبية مطالب عسكرية أوكرانية، مثل منظومة هيمارس الدقيقة التصويب، ثم عادت وزودتها بها. فمجريات الحرب تقرر نوعية السلاح، خاصة أن بايدن تعهد بإفشال بوتين في أوكرانيا.
وكان من اللافت، الأحد، أن يتحدث الرئيس بوتين عن الاستعداد للتفاوض، وأن يدعو وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إلى مفاوضات “في فبراير/شباط المقبل برعاية الأمم المتحدة”.
قراءات الصقور أن هذا الكلام، خاصة الروسي، يأتي بهدف “تضييع الأثر” لإرباك الخصوم وتركهم أسرى الظن والتكهن حول حقيقة نوايا الرئيس الروسي. ومن هنا الاعتقاد السائد في واشنطن بأن الحرب “طويلة” ومرشحة لشتى الاحتمالات، ومنها التصعيد الذي يبدو أن الإدارة احتاطت له بزيادة موازنة البنتاغون بنسبة 10 في المائة (858 مليار دولار) التي مررها الكونغرس يوم الجمعة الماضي، والتي تساوي أكثر من 50 بالمائة من المتبقي من الموازنة للسنة المالية (1,7 تريليون دولار) التي تنتهي في أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ويبدو أن الإدارة اختارت تجميد الهم الصيني لإشعار آخر، وزير الخارجية أنتوني بلينكن يعدّ الآن لزيارة مهمة إلى بكين في مطلع العام، تحددت بتفاهم بين الرئيسين بايدن وشي جين بينغ، لوضع إطار “تهدئة” للتوتر بين البلدين.
والترجيح أن هذا التوجه يناسب الجانبين في الوقت الحاضر. الصين أولويتها الراهنة تنحصر في تجاوز التداعيات الاقتصادية التي تسبب بها وباء كوفيد، خاصة أن الوباء عاد، أخيراً، بموجة جديدة قد تفاقم هذه التداعيات.
وإذا كانت أوكرانيا البند الأول حالياً في أجندة الإدارة الأميركية، فإن إيران صارت إلى حد ما ملحقة بهذا الملف، من خلال تزويدها روسيا بالمسيرات، ومن خلال اعتبار الملف النووي أنه صار من الماضي، على ما يبدو من خطاب الإدارة، فالرئيس بايدن قال إنه “مات” ولو بزلة لسان.
بقية المسؤولين الأميركيين سارعوا إلى الاستدراك بصورة ملتوية تفيد بأن الاتفاق النووي لم يعلن دفنه بعد. المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي قال إن “العودة إلى اتفاق 2015 لم تعد أولوية”، مسؤول كبير في البيت الأبيض نسب إليه قوله، من دون ذكر اسمه، إنه “لم تعد له أهمية”، والمتحدث بالخارجية نيد برايس أكد أنه “لم يعد في الأجندة”، وعندما سأله “العربي الجديد” عما إذا كان ذلك يعلن “وفاة الاتفاق”؟ قال إن “الإيرانيين قتلوا فرصة العودة السريعة إليه”، لكنه ترك الإجابة معلقة عندما سُئل تعليقاً على رده، عما إذا كانت الإدارة “في وارد العودة إلى المفاوضات لو عادت إليها إيران؟”، حيث قال إن “هذا سؤال افتراضي كلياً”.
لكن الوزير أنتوني بلينكن ربما كان الأوضح حينما قال أثناء لقاء آخر السنة، أجراه مع الصحافة، إن “التركيز الآن على الشعب الإيراني”. إشارة تعكس الاعتقاد بأن مستجدات الوضع الإيراني بدأت تدخل في حسابات واشنطن. واستوقف في هذا الصدد أن الحديث عن موت الاتفاق تزامن مع تحول في موقف الإدارة من الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو.
في البداية كان تعليق الإدارة الأميركية على وجود شخص مثل المتطرف إيتمار بن غفير في الحكومة الإسرائيلية، الجاري تشكيلها، بأنه أمر غير مرغوب في واشنطن (الخارجية وصفت مشاركة هذا الأخير في احتفال بذكرى مائير كاهانا بأنه أمر “مقيت”). ثم فجأة تغيرت النغمة وصارت الإدارة معنية “بسياسات حكومة نتنياهو وليس شخصياتها”.
وتردد أن الإدارة الأميركية تفاهمت مع نتنياهو على “التعامل معه مباشرة”، وليس مع وزرائه، كما تردد أن ذلك جاء في إطار تفاهم جديد يقوم على التعاون الإقليمي الأميركي في الشرق الأوسط، وسط تغيير التوجه حيال إيران بعد “موت” الاتفاق النووي، وتدخّل إيران في حرب أوكرانيا التي سيبقى كابوسها النووي التحدي الأهم في السنة المقبلة.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: