غزوة الكونغرس لا يزال شبحها يخيّم على المشهد السياسي برمته.
اجتياح الكونغرس في 6 يناير الماضي ليس سوى “تمرين” لعمليات تمرد أوسع وأخطر.
السؤال الأهم هو: إلى أي حد يمكن التعويل على القاح وفعاليته المحدودة في غياب شموليته لسكان العالم؟
غزوة كورونا كانت مشتركة مع العالم وغزوة الكونغرس انفردت بها أميركا كلاهما جعلت حصاد 2021 من النوع الثقيل والخطير في أميركا.
يتوقع ارتفاع منسوب النفور المتبادل بين شقي أميركا بعد إصدار لجنة تحقيق بالكونغرس تقريرها النهائي وقد يكشف عن تواطؤ أنصار ترامب بالبيت الأبيض والكونغرس.
* * *
2021 فريد في تاريخ الولايات المتحدة، بدأ بغزوة هددت بالانقلاب على الدستور وانتهى بتجدد أخرى تهدد بالانقلاب على أنماط الحياة الأميركية، كلتاهما غير مسبوقة ومفتوحة على تغيير وجه أميركا وأحوالها.
اقتحام الكونغرس قبل حوالي سنة، ما زالت ناره كامنة تحت الرماد. وموجات كورونا من متحور “دلتا” إلى “أوميكرون”، تنذر بتوليد المزيد من المتفرعات المستعصية على المعالجة في المدى المنظور. وبين الاثنين تعيش أميركا في أجواء من التوجس والقلق المتزايد من المجهول، مع ما يؤدي إليه ذلك من ارتباكات تفاقم التحدي.
حتى اللحظة، ما كان بالإمكان أكثر من ضبط ظواهر التحديين. المسببات تعذرت معالجتها والسيطرة عليها. لا كورونا تمّ دحرها أو وقف توالدها ولا غزو الكونغرس جرى وأد دوافعه وخطر تكراره أو إزالة مناخاته. العجز في الحالتين وإن على درجات، ما زال سيد الساحة رغم المحاولات والجهود الجارية للتغلب على الخطرين.
اجتياح كورونا الذي بدأ في مطلع 2020 والذي بلغ ذروته مع متحوراته في 2021، انطوى على مفارقة كبيرة في أميركا. البلد الذي سبق في إنتاج اللقاح المناسب، وإن المؤقت، دفع أعلى نسبة في العالم من الإصابات حوالي خمسها (54 مليوناً)، ومن الوفيات حوالي سدسها (840 ألفاً).
في الأسبوع الأخير، وصل عدد المصابين إلى 300 ألف يومياً وفي الطريق إلى 500 ألف ولو بنسبة وفيات أقل. لكن الخوف، وبالتالي الخلل في انتظام الحياة، هو نفسه. من أسباب هذا التفشي الكبير أنّ الوباء جرى تسييسه، وبما أدى إلى مقاطعة التطعيم وزيادة العدوى والانتشار واستطراداً الإصابات والوفيات.
في زمن دونالد ترامب جرى الاستخفاف بالفيروس لحسابات انتخابية، ما حمل القسم الأكبر من قاعدته ليحذو حذوه. وجاءت أزمة الانتخابات لتفاقم التسييس وتوسع حملة المتحفظين ضد التطعيم للتخريب على رئاسة جو بايدن وتفشيلها في التصدي للوباء. والإدارة الجديدة وقعت هي الأخرى بعد بداية واعدة، بسوء التقدير واستباق النتائج، فضلاً عن التذبذب في اعتماد الإجراءات المانعة، والتي حالت دونها أيضاً الحسابات السياسية والانتخابية.
أضيف إليها تعثر البيت الأبيض في تسويق التطعيم وتعميم الفحص الدوري الذي كان يفترض أن يشمل 20 مليوناً يومياً حسب دراسة جامعة هارفرد، لكنه لم يقترب مرة من هذا الرقم لعدم توفر البنية التحية اللازمة، ليس لفقر الإمكانات بقدر ما كان لفقر التوقعات والتوهم أحياناً بقرب النهايات.
لكن الفيروس كان في كل مرة يفاجئ الجميع ليطرح أسئلة لا جواب عليها حتى الآن. أبرزها، ما إذا كانت هناك حاجة لجرعة رابعة بعد 6 أشهر من الثالثة أو ما إذا كان من المتوقع ظهور متحور جديد بعد “أوميكرون”؟
والسؤال الأهم هو: إلى أي حد يمكن التعويل على اللقاح وفعاليته المحدودة في غياب شموليته لسكان العالم؟ البروفسور بيتر هوتيز، عميد كلية الطب في معهد بايلور في هيوستن، يحذر من إقامة دائمة ومتنوعة للفيروس ما لم يجرِ تطعيم البشرية بأكملها باللقاح.
ولأنّ تمويل مشروع بهذا الحجم غير متوفر حتى الآن وإذا توفر يحتاج تنفيذه إلى سنوات، أنشأ هوتيز وحدة طبية بحثية لتطوير لقاح بقصد تعميمه دولياً، وربما تزويد دول كثيرة بمعادلة تركيبته لتصنيعه محلياً، لأنّ الشركات الأميركية المصنعة ترفض القيام بمثل هذه الخطوة لأسباب تجارية.
الآن من المتوقع، بحسب إحدى المرجعيات؛ البروفسور مايكل أوسترهولم، أن يجتاح تسونامي “أوميكرون” الساحة الأميركية خلال الأسابيع الـ 6 – 8 القادمة. مع ذلك وعلى خطورته وإرباكاته يبقى خطره بوجود اللقاح، في دائرة السيطرة ولو المؤقتة وغير الحاسمة.
كما يبقى احتمال التغلّب الطبي عليه على الأقل بلقاح طويل الأمد مرجحاً، في وقت ما ربما غير بعيد عندما تتوفر الشروط ويجري التوصل إلى فك لغز منشأ الفيروس.
ما يعزز ذلك هو بداية نزول أقراص إلى الصيدليات (2 حتى الآن) تساعد في الحد من شرّه وآثاره، ولو أنها لا تزال تحت التجربة وغير مضمونة بصورة قاطعة.
أما غزوة الكونغرس فلا يزال شبحها يخيّم على المشهد السياسي برمته. سيرتها حاضرة من خلال التحذيرات الأمنية من التحضيرات التي تجريها الفئات والقوى المحسوبة على اليمين القومي الذي يرفع شعار التفوق العرقي الأبيض.
كما أنها حاضرة وإن بصورة ملتوية في خطاب القوى السياسية والإعلامية المحسوبة على الرئيس السابق ترامب، والتي تأخذ شحنة زخم بين الفينة والأخرى كلما أدلى ترامب بمواقف أو تصريحات يشتمّ منها أنه يعد لخوض معركة الرئاسة في 2024.
والخشية حقيقية من تكرار سيناريو انتخابات 2020 “حيث يمكن أن تتحول كل انتخابات من الآن فصاعداً إلى موضوع متنازع عليه “، كما تحذر المؤرخة دوريس كيرنز غودوين.
وليس فقط انتخابات الرئاسة بل أيضاً انتخابات الكونغرس لا سيما القادمة بعد أقل من سنة، والتي تجري محاولات على مستوى الولايات “لتعليبها” مسبقاً من خلال وضع أنظمة تسمح للفريق الجمهوري بالتحكم في نتائجها.
في بعض التقديرات أنّ اجتياح الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الماضي ليس سوى “تمرين” لعمليات تمرد أوسع وأخطر. وقع تلك العملية “الكاسرة” التي كانت قاب قوسين أو أدنى من “خسارتنا لجمهوريتنا وديمقراطيتنا” بتعبير المؤرخ الرئاسي جون ميتشم، ما زال حاضراً ويثير مخاوف كثير من الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين.
لا سيما وأنّ الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي لليمين المتطرف تجدّد التوعد بتكرارها والاستعداد لتصعيد المواجهة ضد من تسميهم “سارقي الانتخابات”.
يساهم في تأجيج مثل هذه المشاعر وجود مسؤولين جمهوريين ومحافظين ومنهم أخيراً خمسة مرشحين لمنصب حاكم كولورادو، لا يعترفون حتى الآن بشرعية رئاسة بايدن. فالجو السياسي مسمم إلى هذه الدرجة وأكثر على مختلف المستويات.
ومن المتوقع أن يرتفع منسوب النفور المتبادل بين شقي أميركا، بعد أن تضع لجنة تحقيق في الكونغرس تقريرها النهائي الذي بات على وشك الصدور، والذي يتردد أنه سيكشف عن تواطؤ شاركت فيه وجوه نافذة في البيت الأبيض والكونغرس من أنصار الرئيس ترامب.
خلاصة من شأنها أن تصبّ الزيت على نار التأزم السائد وقد تحفز الجهة “المنبوذة” على تسريع الاستعدادات لتصفية الحسابات في الانتخابات القادمة.
غزوة كورونا كانت مشتركة مع العالم. غزوة الكونغرس انفردت بها أميركا. الاثنتان جعلتا حصاد 2021 من النوع الثقيل والخطير في أميركا. هذه الحصيلة لخصها أحد المراقبين بقوله إنّ “أفضل ما في 2021 أنه انتهى”. ردّ آخر أنّ “أفضل ما في 2021 أنّ العام القادم سيكون أسوأ منه”.
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: