العنصرية والكراهية تقتات على الجهل وانغلاق الأفق فلم يكن الاعتداء موجهًا للأمريكيين من أصل صينى، وإنما للآسيويين عمومًا.
فى عهد ترامب، أطلق على فيروس كورونا «فيروس الصين»، فتجاوز عدد حالات الاعتداء على الأمريكيين من أصول آسيوية 11 ألف حالة.
رغم ما قد تؤدى إليه لجنة الكونغرس الجديدة من رفع حالة التوتر مع الصين، فما لا يقل عنه خطورة هو ما تؤدى له حالة صناعة العدو من كوارث داخلية.
لجنة جديدة بالكونغرس ستضم 9 جمهوريين و7 ديمقراطيين باسم «اللجنة الخاصة للتنافس الاستراتيجى بين الولايات المتحدة والحزب الشيوعي الصيني».
* * *
بقلم: د. منار الشوربجي
بمجرد انتخابه رئيسًا لمجلس النواب الأمريكى، نفذ كيفن مكارثي عهدًا كان قد قطعه على نفسه وهو لايزال زعيمًا للأقلية العام الماضى.
فهو أعلن، قبل أيام، أن المجلس قد أنشأ لجنة جديدة ستضم 9 جمهوريين و7 من الديمقراطيين أُطلق عليها اسم «اللجنة الخاصة للتنافس الاستراتيجى بين الولايات المتحدة والحزب الشيوعي الصيني».
واسم اللجنة فى ذاته لافت للانتباه، ويكشف فورًا عن البعد الأيديولوجى فى المسألة. فالتنافس، كما يبدو من اسم اللجنة، ليس بين الولايات المتحدة والصين وإنما بين الولايات المتحدة والحزب الشيوعي الصيني!
واللجان الخاصة بالكونغرس ليست كباقى اللجان الدائمة التى تقوم بالتشريع، وإنما هى لجان تنشأ لهدف محدد وتوكل لها مهام بعينها يحددها المجلس. ولجنة «الحزب الشيوعي الصيني» تلك ستكون لجنة ذات طبيعة «استقصائية».
فقد منحها المجلس حق عقد جلسات الاستماع وطلب شهادة الشهود. ومهمتها الأساسية تقديم توصيات للمجلس بشأن سياسات تقترحها تجاه الصين.
واللجان الخاصة لا تنشأ إلا بعد تصويت المجلس بالأغلبية البسيطة. غير أن الذين صوَّتوا لصالح إنشاء تلك اللجنة كانوا أغلبية ساحقة من الجمهوريين والديمقراطيين، حيث لم يرفض إنشاء اللجنة سوى ثلث الديمقراطيين فقط.
فالعلاقة مع الصين، أو بالأحرى المواجهة مع الصين، صارت من القضايا القليلة التى يُجمع عليها الحزبان. وعادة ما يلجأ السياسيون حول العالم، فى ظل استقطاب مجتمعاتهم، لاستحضار عدو خارجى لإيجاد إجماع غائب. كما جرت العادة أيضًا على استحضار عدو أيديولوجى، كما هو الحال مع حكاية الحزب الشيوعى الصينى.
هى حالة لا تقتصر، إذن، على الولايات المتحدة إذ تنتهجها نظم سياسية عدة. لكن فى الحالة الأمريكية، وبخصوص الصين تحديدًا، تبدو المسألة إعادة إنتاج حرفية للحرب الباردة التى كانت فيها الولايات المتحدة تقول إنها فى حرب ليس مع الاتحاد السوفيتى كقوة عظمى، وإنما مع الأيديولوجيا الشيوعية.
ورغم ما قد يؤدى إليه وجود تلك اللجنة من رفع حالة التوتر مع الصين، فما لا يقل عنه خطورة هو ما تؤدى له حالة صناعة العدو من كوارث داخلية. ففى عهد ترامب، حين أطلق على فيروس كورونا اسم «فيروس الصين»، وصل عدد حالات استهداف الأمريكيين من أصول آسيوية لأكثر من 11 ألف حالة.
وتلك كانت، بطبيعة الحال، الحالات التى تم الإبلاغ عنها فقط. والعنصرية والكراهية عادة ما تقتات على الجهل وانغلاق الأفق. ففى الحالة التى نحن بصددها، لم يكن الاستهداف موجهًا للأمريكيين من أصل صينى، وإنما للآسيويين عمومًا.
فالأمريكيون، مثل شعوب كثيرة أخرى بالمناسبة، لا يعرفون الفارق بين أبناء هذه الدولة وتلك فى آسيا. فهم، عندهم، كلهم يشبهون بعضهم البعض، وهى فكرة عنصرية مقيتة تعادى البشر وفق شكلهم لا لفعل اقترفوه.
وكانت المفارقة أنه فى الأسبوع نفسه الذى أُنشئت فيه اللجنة، عبرت عن آثار تلك الفكرة المقيتة الممثلة ماليزية الأصل، ميشيل يو تشو، فى كلمتها عند تسلم جائزة أحسن ممثلة. فهى تحدثت عن «معركة» صعودها فى هوليوود حتى وصلت لتلك الجائزة.
وحكت عن أيامها الأولى هناك حين كانوا يسألونها عما إذا كانت تتحدث الإنكليزية، وأضافت أنها أدركت أنهم لا يعرفون الفارق بين «كوريا واليابان وماليزيا وآسيا والهند».
وهو ما ذكرنى ببوش الابن فى حملته الانتخابية عام 2000، حين سُئل عن السياسات التى ينوى أن يتبناها فى إفريقيا، فقال إن إفريقيا «بلد يعانى من أمراض» خطيرة!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر: المصري اليوم – القاهرة
موضوعات تهمك: