تمتلك إيران مخزونًا من اليورانيوم المنقى بدرجات متفاوتة وبالتالي، فالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية سيكون له عواقب بيئية وخيمة.
يقول بن مئير إن تهديدات إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية بغض النظر عن نتيجة مفاوضات فيينا بين الدول العظمى وإيران هي وصفة لكارثة.
إذا فشلت مجموعة “5+1” في التوصل لاتفاق جديد، يجب على أمريكا وإسرائيل تطوير استراتيجية مشتركة تمنع إيران من حيازة سلاح نووي بالاحتواء والردع.
“يمكن لإسرائيل توجيه ضربة مدمرة لمنشآت إيران النووية لكنها لا تستطيع تدميرها كلها ولا المهارة الإيرانية ومهما كان الهجوم ساحقًا لن يؤدي إلا لانتكاسة البرنامج النووي الإيراني سنتين أو 3 سنوات”.
* * *
في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية بعدم احترام اتفاق الدول العظمى مع إيران يحذر باحث إسرائيلي من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ويعتبرها وصفة لكارثة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية البروفيسور الإسرائيلي ألون بن مئير المعروف بمواقفه النقدية إنه بغض النظر عن النجاح أو الفشل في التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، يجب على إسرائيل ألا تهاجم المنشآت النووية الإيرانية ويجب أن تعمل عن كثب مع الولايات المتحدة لتطوير استراتيجية مشتركة لكبح طموح إيران في الحصول على أسلحة نووية وربما إنهاء الصراع معها على أساس أكثر ديمومة.
كما يقول بن مئير ضمن محاضرة له في جامعة تل أبيب إن التهديدات الإسرائيلية المتكررة بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية بغض النظر عن أي نتيجة في المفاوضات في فيينا بين مجموعة الدول العظمى (فرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والصين والولايات المتحدة وألمانيا) وإيران هي وصفة لكارثة.
ويشدد على أن حجة رئيس الوزراء نفتالي بينيت بأن إسرائيل لن تلتزم بأي اتفاق، ليس فقط لأنها ليست طرفاً في المفاوضات ولكن لأنها وحدها هي التي ستقرر ما هو الأفضل لحماية أمنها القومي، وهي مغالطة!
ويعلل بن مئير رؤيته هذه بالقول “نظرًا للتعقيد والتداعيات البعيدة المدى لهجوم إسرائيلي محتمل، فإن الطريق الصحيح الوحيد للتعامل مع برنامج إيران النووي هو التنسيق الكامل وتطوير إستراتيجية مشتركة مع الولايات المتحدة للتعامل مع طموح إيران النووي لامتلاك أسلحة نووية مع السعي إلى وضع حد للصراع”.
تكرار خطأ نتنياهو
ويرى أنه من الأهمية بمكان ألا تكرر حكومة بينيت – لابيد خطأ نتنياهو الكارثي بمعارضته خطة العمل الشاملة المشتركة والتي أقنع نتنياهو لاحقًا ترامب بالانسحاب منها تمامًا. ويرى أيضا أنه نتيجة لانسحاب الولايات المتحدة من الصفقة، قامت إيران بتطوير برنامج أسلحتها النووية – منها تخصيب كمية كبيرة من اليورانيوم إلى 60% وهي قفزة قصيرة فقط لتخصيبها لدرجة تصل إلى 90% لتصنيع الأسلحة وبقدر كاف، لإنتاج كمية سلاح نووي واحد في وقت قصير.
ويضيف أن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان قال مؤخرًا: “سبب وجودنا في الموقف الذي نحن فيه الآن هو أن الإدارة السابقة انسحبت من صفقة إيران ونحن ندفع ثمن هذا الخطأ الكارثـي. قد تؤدي تهديدات بينيت المتكررة بمهاجمة إيران إلى سوء تقدير وعواقب وخيمة غير مقصودة لا تستطيع إسرائيل التعامل معها بمفردها”.
ويشدد على ضرورة أن “تعمل إسرائيل يداً بيد مع الولايات المتحدة لمعالجة البرنامج النووي الإيراني الآن وفي المستقبل، ويجب ألا تلجأ إلى الخيار العسكري دون الدعم الكامل من الولايات المتحدة، يجب على حكومة بينيت أن تدرس بعناية النتيجة المشؤومة التي قد تترتب على مثل هذا الهجوم، والتي ستعاني منها إسرائيل والمنطقة بأكملها بشكل لا يمكن تصوره”.
تداعيات مشؤومة لهجوم إسرائيلي
ويشدد على أن تهديدات إسرائيل المتكررة غير حكيمة ولا تفعل شيئًا سوى منح إيران متسعًا من الوقت للاستعداد لأي طارئ. ويستذكر تصريحات رئيس الموساد ديفيد بارنيع الأخيرة التي قال فيها إن إيران لن تمتلك أسلحة نووية، ليس في السنوات المقبلة، وليس في أي وقت كان. هذا هو التزامي الشخصي، هذا هو التزام الموساد”. وعن هذا التصريح يقول بن مئير: “بالنظر لدرايته بالعقلية الإيرانية، فإن مثل هذا البيان يأتي بنتائج عكسية ولا يفعل شيئًا سوى تصليب موقف إيران. حتى لو كانت إسرائيل تخطط لمثل هذا الهجوم، فإن الإعلان عنه بشكل متكرر مسبقًا يقوض فعاليته بشكل كبير”.
منوها إلى أن إيران تقوم بالفعل بتحصين دفاعاتها الجوية، خاصة حول منشآتها النووية، وتضع قدرات هجومية يمكن أن تكلف إسرائيل ثمناً باهظاً إذا نُفّذ مثل هذا الهجوم. ويضيف:
“يمكن لإسرائيل في الواقع أن توجه ضربة مدمرة لمنشآت إيران النووية، لكنها لا تستطيع تدميرها كلها ولا المهارة الإيرانية. ومثل هذا الهجوم، مهما كان ساحقًا، لن يؤدي إلا إلى انتكاسة البرنامج النووي الإيراني لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات”.
وفي سياق الحديث عن تداعيات مثل هذا الهجوم الخطير يقول بن مئير الباحث الإسرائيلي الذي سبق وحذر من النتائج الوخيمة على إسرائيل جراء استمرار الاحتلال: إنه من المسلم به أن أي هجوم إسرائيلي سيجبر طهران على الرد مباشرة على إسرائيل من خلال إطلاق صواريخ باليستية يمكن أن تصل إلى المدن الإسرائيلية الكبرى، مما قد يتسبب في دمار واسع النطاق وسقوط آلاف الضحايا.
ووفقا لتقديراته ستضمن إيران أن حزب الله، الذي يمتلك 150 ألف صاروخ، سيدخل المعركة ويطلق آلاف الصواريخ التي يمكن أن تصل إلى كل ركن من أركان البلاد، منبها إلى أنه:
“بغض النظر عن مدى فعالية الدفاع الجوي الإسرائيلي، لا يمكن لصواريخ القبة الحديدية والسهم الاعتراضية أن تعترض عشرات الآلاف من الصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. علاوة على ذلك، قد تنضم حماس أيضًا إلى القتال، بالإضافة إلى جبهة ثالثة مع سوريا، حيث سيهاجم وكلاء إيران إسرائيل وعندها سيتحطم الاقتصاد الإسرائيلي والاشتباكات السابقة مع حماس وحدها تشهد على هذه الحقيقة”.
مخاوف دول الخليج
وأوضح أن عددا من الخبراء العسكريين الإسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل ليس لديها القدرة الجوية لمهاجمة إيران أكثر من مرة، ولا يمكنها تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية، لأنها منتشرة في جميع أنحاء البلاد والعديد منها مبني على عمق مائة قدم أو أكثر تحت الأرض. مما سيستدعي عدة أيام وهجمات متعددة لا تملك إسرائيل القدرة على القيام بها.
ويقول إنه رغم أن جميع دول الخليج العربي ترغب في إزالة المنشآت النووية الإيرانية، إلا أنها تريد تجنب الحرب لأنه حتى هجوم إسرائيلي محدود يمكن أن يبتلع المنطقة بأكملها وما وراءها.
ويمضي في توصيف التبعات الخطيرة “في العديد من المحادثات التي أجريتها مع مسؤولين من الخليج، فضل جميعهم تقريبًا احتواء البرنامج النووي الإيراني والردع بقيادة الولايات المتحدة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية ولضمان عدم قدرة إيران على تهديد جيرانها أو تخويفهم.
ويضيف “أخيرًا، في حين أن الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية في العراق وسوريا (في عامي 1981 و2007 على التوالي) لم تنشر مواد مشعة في الغلاف الجوي لعدم وجود يورانيوم، تمتلك إيران مخزونًا من اليورانيوم المنقى بدرجات متفاوتة. وبالتالي، فإن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية سيكون له عواقب بيئية وخيمة”.
منوها إلى أنه ومن وجهة النظر الإيرانية، فإن امتلاك السلاح النووي من شأنه أن يردع أي معتد، بما في ذلك الولايات المتحدة، من مهاجمتها ويقول إنها تريد أن تقف على قدم المساواة مع باكستان السنية في شرقها وإسرائيل اليهودية في الغرب، وكلاهما قوة نووية. وهذا برأيه يفسر جزئيًا سبب عدم رضوخ إيران بسهولة ولماذا تتخذ مثل هذا الموقف الصعب في مفاوضات فيينا، على الرغم من أنها تريد بشدة رفع العقوبات لإنقاذ اقتصادها المتعثر.
الحاجة إلى تعاون أمريكي إسرائيلي كامل
كذلك يقول إن مهاجمة إيران دون موافقة الولايات المتحدة، إن لم يكن بالدعم الكامل منها، ستقوض بشكل خطير العلاقات الإسرائيلية الأمريكية التي لا تستطيع إسرائيل تحملها.
يعد التعاون والتنسيق بين البلدين بنظر بن مئير محوريا وسيظل كذلك في التعامل الفعال مع إيران. ويقول إن هذا مهم بشكل خاص لأن رجال الدين الإيرانيين يريدون تجنب أي مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة خوفًا من عواقب وخيمة وقد يؤدي، في الواقع، الهجوم العسكري الأمريكي على إيران إلى تغيير النظام، وهو الأمر الذي تخشاه القيادة الإيرانية أكثر من أي شيء آخر وتريد منعه بأي ثمن.
ومن هنا يستخلص بن مئير أنه لهذا السبب، من الأهمية بمكان لردع إيران أن تعمل حكومة بينيت – لابيد عن كثب مع إدارة بايدن ودعم أي اتفاق جديد قد يتم التوصل إليه بين إيران ومجموعة “5+1”.
ويقول إن إدارة بايدن ملتزمة بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية ويجب على إسرائيل أن تثق في الولايات المتحدة للقيام بكل ما هو ضروري لتحقيق هذه الغاية، خاصة وأن إسرائيل لا تستطيع ولا يجب أن تعمل بمفردها.
الفشل أو النجاح في التوصل لاتفاق جديد
وبالنسبة لبن مئير إذا فشلت مجموعة “5+1” في التوصل إلى اتفاق جديد، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل تطوير استراتيجية مشتركة لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية على أساس الاحتواء والردع.
ويشمل ذلك فرض عقوبات معوقة إضافية، وهجمات إلكترونية على المنشآت الإيرانية الحيوية، وتخريب منشآتها النووية، من بين تدابير أخرى معطلة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن توضح أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك القوة العسكرية، والتي يمكن أن تشكل خطرًا كبيرًا في تغيير النظام، الأمر الذي يرعب إيران. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تنظر بجدية في خطوة استراتيجية لتغيير قواعد اللعبة من خلال توفير مظلة نووية لتغطية إسرائيل ودول الخليج.
أما في حالة التوصل إلى اتفاق جديد، وهو ما يبدو مرجحًا بشكل متزايد برأي بن مئير فمن المتوقع أن يشمل التراجع عن عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة وتقليل كمية ونوعية التخصيب بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن الصفقة الجديدة ستعيد نظام المراقبة الأكثر صرامة لمنع إيران من الغش.
الحل الدائم
وطبقا للباحث الإسرائيلي فإنه مع ذلك، وبعيدًا عن هذه الإجراءات، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى جاهدة لإنهاء الصراع مع إيران على أساس دائم: يجب على إدارة بايدن الشروع في محادثات عبر القنوات الخلفية لمعالجة النشاط الإقليمي الشائن لإيران، مثل قيامها بتسليح ومساعدة الجماعات المتطرفة مثل حزب الله وحماس ماليّا، هذا إضافة إلى برنامج الصواريخ الباليستية وطموحاتها في الهيمنة.
وبالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى مخاوف إسرائيل العميقة والمشروعة بشأن أمنها القومي، يجب على إدارة بايدن أن توضح لإيران بشكل لا لبس فيه أنه يجب عليها إنهاء تهديداتها الوجودية المتكررة ضد إسرائيل.
يجب على رجال الدين الإيرانيين أن يفهموا أن مثل هذه التهديدات يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حريق كارثي -متعمد أو غير مقصود- يمكن أن يبتلع المنطقة بأكملها وقد تعاني منه إيران بشكل كبير.
في المقابل يقول ضمن توصياته إنه إذا تبنت إيران مثل هذا المسار المعتدل، يجب على الولايات المتحدة أن تعد علنًا بأنها لن تسعى الآن أو في أي وقت إلى تغيير النظام المستقبلي، وهو أمر بالنسبة لرجال الدين اقتراح “افعل أو تموت”. علاوة على ذلك، ستشرع الولايات المتحدة في تطبيع تدريجي للعلاقات على جميع الجبهات.
ويخلص الأكاديمي الإسرائيلي للقول إنه من المؤكد أنه عندما يكون هناك تحليل لأي صراع، غالبًا ما تكون هناك فرصة لتحقيق اختراق. لا تريد إيران أن تظل دولة منبوذة وأن تكون دائمًا في موقف دفاعي، وستكون الولايات المتحدة وإسرائيل أيضا أفضل حالًا إذا انضمت إيران إلى مجتمع الدول كلاعب بناء على المسرح الدولي.
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: